«تعى ننام ما نصحى» قالت رسالتها أو قالت هى أم هى مشاعر اللحظة واللبنانى يحبس دمعه ويعض على وجعه وينتظر لعل القادم أجمل.. كم انتظر هو أن يأتى قادم أحلى وجاء ولكنه ككل الفرح سريع «الذوبان» أو سريع التلاشى كالبرد على أرض ساخنة بمخزونها من الحزن!
• • •
رسالتها انحشرت بين عشرات بل مئات بل آلاف الإعلانات والرسائل لعيد الحب القادم.. هم صنعوا أياما لكل شىء حتى للحب وهو الذى لا تكفيه أيام ولا سنين ولا حيوات متلاحقة فكيف يكون له يوم وكيف يتقلص إلى وردة حمراء أو علبة «شوكولاه» تشاكليت بلهجة أهلنا فى الخليج أو حتى هدية ثمينة صغيرة بحجم حبة من الألماس؟ حتى الحب حولوه كما الأعياد إلى بضع صور أو علامات كلها حمراء حمراء.
• • •
أتذكر ذاك المساء وأنا أجلس فى بلكونة فندقى الملتصق بالنيل وكوبرى قصر النيل مزدحم بالسيارات كعادته فى هذه الساعة قبل أن ترحل الشمس ويغط المساء سريعا.. كثير من العربات أما الرصيفان على الضفتين فهما شكل من أشكال الأجساد المتلاصقة لا تفرق بينها وبين اكتظاظ الأيام الأخرى إلا تلك البالونات والدببة الحمر فى أيدى بنات يتمخترن منتشيات بتلك اللحظة المسروقة بعيدا عن كثير من الأعيان وأنواع الرقابات الأخرى.
• • •
يومها تذكرت تعرفى الأول على عيد الحب فى سنوات الدراسة الجامعية الأولى والفتيات يستعددن فى تلك الجامعة البعيدة جدا عن بلداننا وواقعنا أيضا، يستعددن لليلة يحتفلن فيها بعيد الحب مع من يحببن.. ضحكنا نحن الفتيات القادمات من خلف جدران عالية من العادات والتقاليد والأعراف والمحرمات.. وتساءلنا كيف يحتفلون بعيد الحب وكيف يتلاصقون مع أحبتهم وكيف وكيف وكيف؟ طبعا بعضنا استغفر واتجه للصلاة والعبادة أكثر وأخريات أعجبتها الفكرة ولكن خوفا من العيون قررن أن الفعل فى الخفاء أفضل بمعنى أن النفاق وصل حتى للحب فى مجتمعات تدعى الفضيلة والعفة وتوصم الحب بأكثر الأوصاف قبحا فقط للنساء فهو محرم عليهن ولكنه مسموح للرجال ولم يسأل أحدهم فمن يحب الرجال؟
• • •
عيد آخر يضاف للأجندة الحائطية شديدة البرودة... تلك التى لا ترسل سوى تواريخ متلاحقة فليس دورها أن تنقل المشاعر التى ترافق تلك الأعياد. فهل مطلوب منها أن تتلون بالأحمر وتضع البالونات وعلب الشوكولاتة والقلوب المتوقدة فى عيد الحب وهل لها أن تتلون بكل عيد ويوم؟
• • •
يقترب عيد الحب وهى تقول بين الضحك والجد «تعى ننام ما نصحى» هى من بلد تعشق الاحتفال فى غير أيام الاحتفالات العالمية.. بلد لا تعرف إلا أن تعيش حتى آخر لحظة متبقية من العمر.. بلد تتلون مع الفصول رغم صغر حجمها وتتزين بكل الأعياد رغم أنها مقسمة مذهبيا وطائفيا وطبقيا جدا جدا.. ولكن شعبها ربما لكم الحروب والنزاعات التى عاشها أتقن فن الاستمتاع باللحظة أو مجرد عيش اللحظة وترك الغد للغد.
• • •
شعب يحب النور الدائم ولكنه يعيش العتمة الدائمة أيضا، شىء منها مرتبط «بشح» المازوت والبنزين والذى منه وآخر مرتبط بفشل الدولة وتقسيم البلد إلى محاصصات بين الطوائف ألم يسمها ذاك المبدع «ملوك الطوائف»! هم ملوك لكل شىء أو الشىء ونقيضه يتقنون الحزن كما يتقنون الفرح.. يعرفون أن الإنسان عليه أن يعيش اللحظة حتى آخر نفس وأن عليه أن لا يتوقف عن العيش حتى لو انقطعت السبل به!
• • •
كلهم يقولون إن عيد الحب ملىء بالفرح بتلاوينه رغم أنه أيضا مغمس بالدمع عند الكثيرين الذين لم يعرفوا الحب يوما أو أبدا وتمر الأعياد واحدا خلف الآخر وهم لا يزالون على ذاك الرصيف بنفس تلك المحطة فى انتظار القادم ربما «جودو»، ربما هو أى ذاك الذى يتسلل إلى القلب فيتربع ويمتلك ومع الوقت، يتوسع حتى يصبح هو القلب أو يتمازجان هما فلا تعرف أين القلب وأين الحبيب منه؟
• • •
عند بعضهم هو كم وردة وكم دمعة ــ ربما دموع فرح أو دموع حزن – وخلاص ينتهى اليوم وتبقى منه بعض ذكرياته لأن الحب لكل الأيام وليس ليوم فقط.