فى مقال بديع أطل علينا فى صحيفة «الجارديان جوردون براون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (2007 ــ 2010م)، وقبلها كان وزيرا للمالية لنحو عشر سنوات فى الحكومة العمالية، بحديث عن عدالة التطعيم ضد فيروس «كوفيد ــ 19». وعندما عرج على حال الدول الفقيرة، تذكرت المقال الذى كتبته الأربعاء الماضى فى نفس الزاوية بعنوان «الفقر ثم الفقر»، والذى تناولت فيه كيف أن فيروس كورونا لم يفرق بين الأغنياء والفقراء، ولكن يظل الفقراء هم أكثر من يدفعون فاتورة انتشار الوباء، وتكاليف الإجراءات الاحترازية فى مواجهته.
يقول براون: فى أواخر شهر يونيو المقبل سوف يجتمع قادة الدول الصناعية السبع: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، المانيا، إيطاليا، اليابان، والاتحاد الأوروبى، ومن الطبيعى أن يكون تعافى اقتصاد العالم بعد جائحة كورونا على طاولة المناقشات. يبلغ سكان هذه الدول نحو 18% من سكان العالم، وبالرغم من ذلك يستأثرون بنحو 60% من طلبات شراء اللقاح ضد فيروس كورونا، فى الوقت الذى وصل التطعيم فيه إلى أقل من 1% من سكان أفريقيا جنوب الصحراء. ويطالب براون بضرورة نقل تكنولوجيا اللقاح إلى الدول الفقيرة، حتى تستطيع أن تنتج لقاحات لسكانها، لأن الإشكالية لن تكون فى الفترة المقبلة فى توفر اللقاح من عدمه، بل ستكون ــ فى الأساس ــ فى امتلاك القدرة على شراء اللقاح. وليس من الملائم أن يكون توزيع اللقاحات على دوائر الدول الصديقة والحليفة، بل يتعين الوصول به إلى كل الناس. واقترح براون – بشكل محدد ــ أن تدفع الدول الصناعية فاتورة توفير اللقاحات للشعوب الفقيرة بمقدار ما سوف تجنى من مكاسب نظير عودة الاقتصاد إلى طبيعته الأولى. وعليه، تدفع الولايات المتحدة 25%، وتدفع بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا واليابان ما بين 4% ــ 7%، وإذا حدث ذلك، فسوف تذهب دول أخرى فى نفس الاتجاه مثل الدول الاسكندنافية، وروسيا والصين، والدول البترولية الغنية. لا تقاس هذه التكلفة بما ينفق من مليارات لإنعاش الاقتصاد الذى تأثر سلبا من جراء وباء كورونا، أو المليارات التى تنفق للحد من انتشاره.
ما ذكره جوردون براون مهما للغاية، وهو الذى صك مصطلح «عنصرية اللقاح» فى مقاله، دلالة على خطورة أن يكون التطعيم متوفرا للأغنياء، بينما يرزح الفقراء تحت هيمنة الفقر والمرض، ولن تستطيع الدول الغنية أن تبنى أسوارا أو تعيش فى كانتونات مغلقة للحيلولة دون وصول الوباء إليها، فهو ليس وباء يمكن حصره فى مكان جغرافى واحد، لكنه سريع الانتشار، ينتقل ويتحور من مكان لآخر، وهو ما يتطلب تكثيف التعاون الدولى لمواجهته. إذ لم يستطع متغير عالمى أن يقوى شوكة العولمة مثلما استطاع «كوفيد ــ 19»، وجعل العالم شرقا وغربا يضطرب، ويتأرجح بين التشابك والانعزال، وليس فى الإمكان إصلاح حال جزء دون الآخر، لأن دول الشمال المتقدم لن تكون فى إمكانها أن تعيش اقتصاديا وحدها، وسوف تظل فى حالة تشابك وتفاعل مع الدول الأخرى، وبالتالى يقتضى المصير المشترك ــ جوهر حديث براون ــ أن تساعد الدول الغنية الشعوب الفقيرة فى التخلص من الوباء.
هل سوف تسمع الدول الصناعية نداء رئيس وزراء أحدها سابقا؟