تفتح باب يومك أو ربما نافذته فتطل عليك الصحف تنتظرك على طاولة المكتب ونسمة تداعب الستائر فى يوم هو الآخر افتتاح لفصل جديد ربما الخريف أو الشتاء يختزل تنوعات الطقس.. تتشح الصفحات الاولى لجرائد السبت بصور لجموع الجمعة.. شىء ما يجمعها معا، الكثير من الوجوه المكفهرة، الجموع يوحدها الغضب الذى كساها بأجمعها.. تتذكر تلك الحادثة قبل شهر أو اقل هى الأخرى ارتبطت بنصرة للدين وها هى نفس الوجوه المكفهرة بل التى تبدو حاقدة اكثر منها غاضبة هى التى تطغى على المشهد.. لا تستطيع اسقاط السؤال «لماذا كل هذه الكراهية؟» ولماذا يرتبط الدين عندهم بكثير من الحقد والغضب والكره رغم انه لا يوصف الا بالتسامح والمحبة ؟.. هى ذات الوجوه التى تلبس تكشيرتها اليومية وتطاردنا عبر برامج التوك شو وفوق صفحات الجرائد وفى الطرقات وكل الأماكن العامة..
يسقط ما تبقى من استرخاءة النوم الصباحى مع مطالعة هذه الوجوه.. وجه السماء ملبد وواجهات الصحف كذلك.. ترمى بالجريدة جانبا رغم ان طقس صباحك هو الخلوة معها، لم تتعود بعد على ان تتصفحها على الاى باد مازلت تهوى رائحة الحبر الممزوج بالورق.. ما زلت تعمد صباحاتك بتصفحها بكل حواسك أو معظمها... تستيقظ من هذه الغفلة على رنين الهاتف يأتيك السؤال قبل «صباح الخير» (هى الاخرى اصبحت عملة نادرة أو وجس من الكفر) تعود الصديقة لتعيد السؤال وكأنك لم تفهمه «لماذا كل هذه الكراهية على وجوههم؟» تعرف انك آخر من يستطيع الاجابةعلى مثل هذه الاسئلة التى قد يصفها البعض بـ«التكفيرية».. أنت من تراقب منذ مدة كم الوجوه المكفهرة على صفحات الصحف أو القنوات التليفزيونية.. تبحث بينها عن شخص يبتسم بعض الشىء، تستمع للخطابات الملغمة بالغضب أو عن بعض نور الإيمان الذى كنت تراه على وجوه شيوخ الدين ايام زمان! كثر الشيوخ اليوم وقل المؤمنون الحقيقيون كما كنت تعرف ويعرف الايمان!
ويأتى صوت الهاتف ملحا، رغم ان الحديث فى صباحات إجازات نهاية الأسبوع وقبل الخلوة الخاصة مع صحف الصباح ليس «مستحبا» ولكن تسكت رنين الهاتف ويحمل معه تكرار لنفس السؤال حول الوجوه المكفهرة.. تبتسم قليلا وكأنك تتحسس وجهك لتتأكد بأنك لا تزال قادرا على فعل «الفاحشة» أو الابتسامة فى زمن العبوس الدائم وكثير من الخطابات الملتهبة والوعيد والتهديد وتهميش الآخر وخاصة منهم من ضبط متلبسا بفعل الضحك!
كأن لهم مع الابتسامة ثأرا أو ربما وضعت ضمن المحرمات والمحظورات... تفتح بعض الكتب تبحث عن وضع الابتسامة فى مثلها فلا تجد الا دينا كثير التسامح ومحرضا على فعل الابتسامة أو ربما الضحك.. اذن فمن أين جاءوا بكل هذا الكم من الوجوم فيما لحظات الحياة القصيرة تقاس بها فقط وفيما الجمال هو الاخر ترسمه تصاعدات الابتسامات والملائكة تحرسها.. حتى الذاكرة لا تبقى الا بعضا من صور لابتسامات كانت.. تطاردك الاسئلة دون ان تجد الاجابة.. تفكر فى أن تهرب من كل هذا «التكشير» خاصة فى بلد تعرف بخفة دم شعبها وقدرته على الضحك فى أصعب الأوقات بل هى محترفة تحويل الهم إلى ابتسامة والنكد إلى ضحكة... من أين جاءوا؟ يسألك الصوت عبر الهاتف وتشرد بعيدا ايضا تبحث عن الاجابة الاصعب وتهدئ من السامع على الطرف الاخر وتنصح بالخروج إلى الشارع حيث تجالس الضحكات الارصفة المكتظة ولكن الصوت يردد بأنه لم يعد هناك أى ثقب للفرح والابتسامة هى ثقافة تنكر الضحك وتستفزها الابتسامات جاءت من تراب الصحارى الحارقة والمساحات الفارغة الا من السراب.. لا تستطيع الا ان تكرر «والنبى تبسم» تضحك فيكون اليوم قد غادر لتعود إلى الوجوم المعدى! ابتسموا يرحمكم الله ويرحمنا معكم.. قليل منه ينعش القلب وكثيره يلون أيامكم بتلاوين القادم الاجمل..