حول مستقبل الاقتصاد المصرى.. أين البوصلة؟ - محمود عبد الفضيل - بوابة الشروق
السبت 28 ديسمبر 2024 1:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حول مستقبل الاقتصاد المصرى.. أين البوصلة؟

نشر فى : السبت 14 يناير 2012 - 10:00 ص | آخر تحديث : السبت 14 يناير 2012 - 10:00 ص

طالعتنا جريدة «الشروق» يوم السبت الموافق 7/1/2012 بمقال لكاتبه محمود الخفيف بعنوان: إفلاس مصر.. أين العقدة؟، وتشمل وجهة نظره الرئيسية فى أن اقتصاد مصر العينى والمادى لم ينهر والأزمة الاقتصادية ليست بسبب الثورة، ولكن الجزء الأكبر من السبب يكمن فى إدارة احتياطات مصر من النقد الأجنبى والسياسة النقدية وسياسة الائتمان، وفى تقديرى أن هذه مقولة خاطئة تجافى الواقع وقد جانبها الصواب، وسوف أحاول التدليل على عدم صواب هذا الاستنتاج الخاطئ فيما يلى:

 

أولا: إن جذور أزمة الاقتصاد المصرى تكمن فى الاقتصاد العينى الذى يعانى من ضعف بنيوى نتيجة السياسات الاقتصادية التى طبقت خلال الـ30 عاما الماضية، والتى انعكست فى أزمة ميزان المدفوعات المصرى، ويكفينا أن ننظر إلى ارتفاع درجة الانكشاف الغذائى للاقتصاد المصرى وتدهور نسب الاكتفاء الذاتى فى الحبوب الغذائية الرئيسية نتيجة السياسات الزراعية المطبقة خلال تلك الفترة، الأمر الذى يترتب عليه ارتفاع فاتورة الواردات الغذائية بشكل كبير مما فاقم من حجم العجز فى الميزان التجارى وضعف تغطية الصادرات السلعية للواردات السلعية، وبالتالى استنزاف جانب مهم من النقد الأجنبى الذى تولده حصيلة الصادرات السلعية.

 

ثانيا: أدت السياسات الاقتصادية المطبقة خلال الـ30 سنة الماضية إلى تراجع عمليات التصنيع، وبالتالى ضعف الأداء التصديرى فى مجال الصناعة والاعتماد على المدخلات الصناعية المستوردة نتيجة توقف عمليات التعميق الصناعى، وهذا ساهم بدوره على تقليص حصيلة النقد الأجنبى واستنزاف جانب من حصيلة النقد الأجنبى المتاح نتيجة ارتفاع «المكون الاستيرادى» لبعض الصناعات الجديدة.

 

ثالثا: تراجع دور قطاع البحث والتطوير (R&D) منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضى بعد بدايات واعدة فى الستينيات، مما أدى إلى تعميق التبعية التكنولوجية للعالم المتقدم، والاعتماد على المشروعات والتكنولوجيا «تسليم المفتاح» فى الوقت الذى شقت فيه البلدان الآسيوية الناهضة طريقها نحن كسر إسار التبعية التكنولوجية للغرب، ولعل التبعية التكنولوجية أكثر خطورة وإيلاماً من الرق المالى الذى يترتب على الاقتراض الأجنبى.

 

رابعاً: إن الاحتياطى الرسمى من النقد الأجنبى الذى تراكم من الفترة 2003 حتى ديسمبر 2010«قبل قيام الثورة» لم يكن بالدرجة الأولى نتيجة فائض فى ميزان المدفوعات الجارى الذى كان يغطى عجز الميزان التجارى ويفيض قليلاً، وإنما نتيجة تدفق الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة«استثمارات الحافظة» فى ميزان العمليات الرأسمالية، وكان جانب كبير من تلك التدفقات استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة الحكومية، ولذا عندما اهتزت الثقة بأحوال الاقتصاد المصرى بعد الثورة فى مواعيد استحقاقها أو قبل مواعيد استحقاقها أدى إلى استنزاف كبير للاحتياطى الرسمى من النقد الأجنبى، بالإضافة إلى سداد بعض الالتزامات المستحقة على مصر لنادى باريس وغيرها من الالتزامات، وبالتالى كانت هناك درجة محدودة من المناورة للتحكم فى هذا النزيف خلال الفترة من فبراير حتى ديسمبر 2011، ولعل المشكلة تكمن فى الانفتاح المبكر لحساب رأس المال Capital Account، إذ حذر عدد كبير من الاقتصاديين من الفتح المبكر لحساب رأس المال فى البلدان النامية قبل أن يقوى عودها الاقتصادى وبنيتها الإنتاجية والتصديرية.

 

خامساً: يقول الكاتب ´إن البنك المركزى لم يضع أى قيود على خروج وتسرب مئات الملايين من دولارات الشعب المصرى التى نهبها النظام المصري»، وهو وكما يعلم الجميع أن هذه الأموال التى نهبتها المافيات الاقتصادية وتسربت خارج مصر قد تمت خلال السنوات السابقة لقيام الثورة فى مصر (2005 - 2010) حيث كان لديهم شعور جارف بأن بقاء الحال من المحال، وبعد قيام الثورة اتخذ البنك المركزى المصرى عددا من الإجراءات الاحترازية بعد فتح البنوك المصرية فى أعقاب الأيام الأولى من الثورة، وعلى رأسها وضع حد أقصى لتحويلات الأفراد إلى الخارج لا تتجاوز 100 ألف دولار ومتابعة دقيقة لسوق صرف العملة للحفاظ بقدر الإمكان على استقرار سعر الصرف.

 

سادسا: لقد أدار البنك المركزى المصرى سياسة استثمار الاحتياطى الرسمى للنقد الأجنبى بكفاءة واقتدار خلال الفترة اللاحقة على الأزمة العالمية فى 2008 وخلال أزمة الديون السيادية التى تمر بها بلدان منطقة اليورو.

 

سابعا: يقول الكاتب إن اللجوء للاقتراض الخارجى سوف يؤدى إلى اتباع سياسات اقتصادية أدت لبيع مصر وقطاعها العام وإلى فساد وإفساد وفقر مدقع وتعليم متدنى وصحة متهالكة»، وهذا المنطق يدل على فساد الاستدلال، إذ إن جذور الأزمة تعود إلى ضعف متانة الاقتصاد المصرى وقدرته على مقاومة الصدمات الخارجية، حيث إن بيع أصول مصر وقطاعها العام إنما تعود إلى السياسات الاقتصادية التى اتبعت خلال العقدين الأخيرين تمشيا مع توافق واشنطن Washington consensus التى تقوم على تحرير الأسواق، وخصخصة المنشآت العامة والاندماج فى الاقتصاد العالمى فى إطار العولمة.

 

ثامناً: يحمل الكاتب مسئولية أزمة الأزمة الاقتصادية الراهنة إلى ´السياسة النقدية وسياسات الائتمان المتشددة التى لا توفر السيولة لتسيير حركة الإنتاج»، وهى نظرة نقودية Monetarist قاصرة رغم ما يغلفها بها الكاتب من لهجة راديكالية، إذن أن سعر الفائدة، وفقاً للرؤية الكينزية، لا يلعب دور كبير فى تحفيز الاستثمار الخاص الذى يتوقف إلى حد كبير على توقعات الربحية فى الأجلين المتوسط والطويل، كما أن سياسة سعر الفائدة لا يحكمها اعتبار واحد مثل خفض سعر الفائدة لتحفيز المستثمرين، بل يحكمها اعتبارات مهمة أخرى مثل تقليل العائد السلبى الحقيقى على مدخرات القطاع العائلى وعلى عبء خدمة الدين الحكومى، ويالها من موازنة صعبة!

 

تاسعا: ورغم الظروف الاقتصادية التى يمر بها الاقتصاد المصرى من انكماش اقتصاد ونزيف النقد الأجنبى، فكلنا أمل أنه بعد استعادة الأمن واستقرار الأوضاع السياسية بعد الانتخابات التشريعية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 30 يونيو 2012 وتوقف حرب الاستنزاف السياسى والتوجه نحو بناء دولة ديمقراطية تنموية تقوم على العدل فى توزيع ثمار التنمية، يمكن للاقتصاد المصرى أن يتعافى ويعود تدفق النقد الأجنبى من خلال عودة السياحة إلى معدلاتها الطبيعية وعودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجادة، وفتح فرص جديدة للتشغيل والتوظيف، تمهيدا لانطلاقة كبرى فى مجتمع متحرر من الفساد والاستبداد والتبعية.

التعليقات