عقدت فى الفترة الأخيرة عدة صفقات استحواذ لرأس المال الأجنبى فى قطاعات حيوية للاقتصاد المصرى وخاصة المنتجات الغذائية والخدمات الطبية، وتؤدى بعض تلك الصفقات إلى تكوين مراكز احتكارية فى بيئة الاقتصاد المصرى المعاصر. ويلاحظ أن صفقات الاستحواذ هذه لا تمثل إضافة للطاقات الانتاجية والخدمية القائمة. وقد أشار رئيس شركة HS للأوراق المالية والاستثمار إلى أن الشركة تلعب دور المستشار المالى لنحو ست إلى ثمانى صفقات استحواذ فى السوق المحلية، أغلبها لمستثمرين أجانب وعرب بقيمة تتجاوز مليار دولار. كما أضاف أن هذه الصفقات تستهدف قطاعات الأدوية ومواد البناء والبتروكيماويات والأغذية والزجاج.
وعادة ما يراقب المحللون الماليون فى الشركات دولية النشاط بورصات الأوراق المالية فى البلدان النامية لاقتناص الفرص عن طريق التعرف على الأسهم التى تنخفض أسعارها لكى يقوموا بغارات الاستحواذ take over raids للسيطرة على هذه الشركات بأقل التكاليف، هذا النوع من الاستثمار يعتبر استثمارا على الجاهز مثل عقود تسليم المفتاح وينتفى فيه عنصر المخاطرة؛ وهو الدور الذى يجب أن يقوم به ما يسمى فى الاقتصاد "المنظم الرأسمالي" الذى يخاطر بأمواله ويطرق أبوابا جديدة، بينما فى هذه الحالة يتم الاستحواذ على مشروعات ناجحة مضمونة الربحية، إذ إن سوق المنتجات الغذائية وسوق الخدمات الطبية مثل (بسكو مصر ومعامل البرج) تمثل سوقا كبيرة فى بلد مثل مصر نتيجة الحجم السكانى المتزايد، كما أن الطلب على هذه المنتجات والخدمات ضعيف المرونة.
•••
وإذا كان هناك ضرورة لاستقدام رأس المال الأجنبى فيجب أن يكون لضخ استثمارات جديدة ولإقامة مشروعات فى مجالات يحتاجها الاقتصاد المصرى ويحتاج للخبرة الأجنبية وذلك فى ظل ضوابط حول أماكن التوطن ومن حيث الأثر الصافى على ميزان المدفوعات وعلى خلق علاقات ترابط أمامية وخلفية فى بنية الاقتصاد المصرى. وهناك مجموعة من المشكلات تحيط بصفقات الاستحواذ أولها التعامل مع العمالة القائمة حيث يمكن لإدارة المشروعات المستحوذ عليها أن تقوم بتسريح جزء من العمالة بدعوى عدم الكفاءة أو عدم الحاجة مما يزيد مشكلة البطالة التى تعانى منها البلاد بصورة حادة.
كذلك فإن هناك أعباء مستقبلية تتعلق بإعادة توطين الأرباح السنوية للمشروعات ذات الملكية الأجنبية مما يشكل ضغوطا إضافية على ميزان المدفوعات. ومن ناحية أخرى، يجب التأكد من ايداع حصيلة صفقات الاستحواذ فى مجمع النقد الأجنبى لدى البنك المركزى والتأكد من عدم وضع حصيلة هذه الصفقات (أو جانب منها) فى حسابات فى الخارج لصالح الملاك الأصليين لهذه المشروعات خاصة أن هناك أزمة خانقة للنقد الأجنبى.
•••
وفى كل الاحوال لابد من إجراء تعديلات على قانون المنافسة بحيث يمكن إبداء أى رأى أو تعديل فى شروط صفقات الاستحواذ لأن القانون الحالى يلزم أطراف صفقة الاستحواذ بمجرد الاخطار لجهاز المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بينما فى بلاد أخرى يكون من حق هذا الجهاز طلب إجراء تعديلات على شروط صفقات الاستحواذ تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا.
وبالنسبة لوجهة النظر القائلة بأن استحواذ الشركات دولية النشاط على الشركات القائمة يساعد على ضخ استثمارات جديدة فى مجال التحديث والتطوير التكنولوجى لتكون أكثر كفاءة فإن هذا القول مردود عليه بأن هناك صناعات مثل صناعة البسكويت وغيرها من المنتجات الغذائية لا تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة تستدعى وجود استثمارات أجنبية وبالنسبة لفروع الصناعة الأخرى التى تحتاج إلى تجديد وتطوير، فالأفضل فى هذا التجديد والتطوير أن يتم من خلال منظومة وطنية للبحث والتطوير التكنولوجى، وهناك تجربة حية فى هذا المجال قام بها مركز التطوير التكنولوجى فى جامعة القاهرة حيث نجح مجموعة من أساتذة الهندسة النابهين فى إيجاد حلول تكنولوجية لتطوير المعدات والآلات تم تسويق بعضها فى الخارج. كما يمكن الاعتماد على المعونات الفنية والحزم التكنولوجية من بلدان آسيا الناهضة بشروط تعاقدية ميسرة فى إطار ما يسمى تعاون الجنوب - جنوب.
أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة
اقتباس
لابد من إجراء تعديلات على قانون المنافسة بحيث يمكن إبداء أى رأى أو تعديل فى شروط صفقات الاستحواذ.