هل نشهد بداية النهاية لتحالف الناتو؟ - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 5:17 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نشهد بداية النهاية لتحالف الناتو؟

نشر فى : السبت 16 أكتوبر 2021 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 16 أكتوبر 2021 - 8:05 م

فوجئنا منذ أسابيع قليلة بإطلاق اتفاقية أوكوس AUKUS وهى اتفاقية الأمن والدفاع المشترك التى ضمت أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. هى اتفاقية يراها بعض المراقبين مكملة لاتفاقية العيون الخمس Five Eyes والتى تضم الدول الثلاث، بالإضافة لنيوزيلندا وكندا، وتركز على تشارك المعلومات الاستخباراتية. أما عن أوكوس فهى اتفاقية تغطى الإمكانيات السيبرانية والذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الكمية، وكذلك قدرات الدفاع البحرية. أحدث الإعلان عن أوكوس ضجة كبيرة فى العالم الغربى بعد أن اعتبرها الرئيس الفرنسى ماكرون «طعنة فى الظهر» لفرنسا. والسبب أن الاتفاقية تتضمن التزام الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتمكين أستراليا من تقوية أسطول غواصاتها النووية على حساب اتفاق سابق بين استراليا وفرنسا قيمته ٥٦ مليار يورو. وتبع ذلك سخرية رئيس الوزراء البريطانى من ماكرون وشكواه بسبب إلغاء اتفاقية الغواصات النووية الفرنسية. ثم جاء رد ماكرون أن هذه الاتفاقية هى فى الحقيقة رسالة واضحة لأوروبا عن حاجتها لتقوية تحالفها الاقتصادى وتوسيع مداه ليصبح أيضا حلفا سياسيا ودفاعيا بهدف الدفاع عن المصالح الأوروبية المشتركة.
تحدثنا فى مقالات سابقة عن المواجهة المرتقبة بين الولايات المتحدة والصين فى بحر الصين الجنوبى ومن أولوياتها أن تعيد الولايات المتحدة تمركزها الآسيوى بعد سنوات من انحسار دورها فى عهد الرئيس السابق ترامب وأسلوب سياسته التبادلية Transactional Politics على حساب التمركز الاستراتيجى. تسبب هذا الانحسار فى تقوية شوكة الصين فى المنطقة حتى أصبحت مصدر تهديد لحلفاء الولايات المتحدة فى هذا الجانب من العالم مثل أستراليا وتايوان. فى نفس الوقت، تسبب تصادم ترامب مع أوروبا على عدة أصعدة فى ابتعاد أوروبا تحت قيادة ميركل عن الفلك الأمريكى وانفرادها بتموضع خاص مع الصين يعتبر الصين حليفا تجاريا، وإن ظل هناك تباعد سياسى مستمر. كذلك هرعت ألمانيا لعقد اتفاقية مد خط غاز جديد من روسيا والتى مازالت الولايات المتحدة تعتبرها عدوا جيوسياسيا. ويبدو أن اتفاقية الأوكوس هى ــ جزئيا ــ عقاب لأوروبا على اتخاذ هذه المواقف؛ حيث استبدلت الولايات المتحدة تحالف العالم الغربى الحر بتحالف أنجلوفونى واضح.
فى نفس الوقت جاء الرد الصينى سريعا. لم تكتفِ الصين بالرد الدبلوماسى الذى شجب الاتفاقية كمصدر تهديد «للأمن والاستقرار فى المنطقة»، بل وردت عمليا أيضا بتصعيد فورى لوتيرة التهديد والاستفزازات لتايوان الحليف الأمريكى. الصين تعتبر تايوان جزءا منها، وتايوان تعيش دائما مهددة بفكرة أن تصحو على غزو صينى لبعضٍ أو كلٍ من أراضيها. بعد توقيع الاتفاقية أصبحت لا تخلو الأحداث كل أسبوع من خبر يتناول تعديا أو تهديدا صينيا صريحا لتايوان وصل لدرجة قيام ٥٦ طائرة صينية باختراق المجال الجوى التايوانى فى الأسبوع الأول من أكتوبر الجارى، ثم وعدٌ صينى بضم تايوان فى عشية يوم تايوان الوطنى فى الأسبوع الثانى من أكتوبر.
على صعيد ثالث، صرحت أورسولا فون دير ليين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أن ما حدث مع فرنسا ــ وهى أحد أعضاء المفوضية ــ غير مقبول. ولكن يتبقى أن نرى إذا كان حلم ماكرون بتقوية الوحدة الأوروبية سيصبح حقيقة. العقبات التى تواجه هذا الحلم كثيرة، فبينما نتوقع أن تمر شهور قبل تشكيل ائتلاف حاكم فى ألمانيا بعد انتخاباتها، تدخل فرنسا مرحلة انتخاباتها الرئاسية فى أبريل من العام القادم. وبينما تمهد نتائج الانتخابات الألمانية لوجود تحالف مساند لأوروبا فى الحكم فيتبقى لنا أن نرى نتيجة الانتخابات الفرنسية، وإذا ما كان سيتمكن الرئيس ماكرون من الفوز بفترة جديدة. فإذا مرت هذه الفترة بفوز تحالفات حاكمة داعمة للوحدة الأوروبية فيتعين على أوروبا أن تسرع ببدء مشوار الوحدة الأوروبية القوية على الفور. هو مشوار طويل يبدأ بتقوية الوحدة الاقتصادية. المثير للسخرية أن فيروس الكورونا وضعهم على بداية هذا الطريق عن طريق طرح، ولأول مرة، سندات أوروبية مشتركة. التحدى سوف يكون تحويل هذه التجربة من وضع استثنائى إلى هيكل دائم ومستدام. يأتى بعد ذلك وربما بالتوازى العمل على وحدة دفاع مشتركة قد تحل محل اتفاقية الناتو، وبالتالى قد نرى نهاية لتحالف العالم الغربى الحر لحساب ظهور تحالفين انجلوسكسونى وأوروبى. فهل سيحدث ذلك أم هل ستصبح اتفاقية الأوكوس حدث عارض ويعود بعدها التحالف الغربى للالتئام لمواجهة التهديد الصينى والروسى؟ هذا ما سوف نشهده فى الشهور القادمة.

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات