تسود البلاد هذه الأيام حالة من الارتباك والبلبلة حول قضايا مهمة خلال المرحلة الانتقالية، ولعل أهم هذه القضايا هى طول هذه الفترة.
فالبعض يرى أن الفترة الانتقالية التى حددها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بستة أشهر قصيرة وغير كافية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإعداد دستور جديد. ويطالب البعض الآخر بتسليم السلطة إلى مجلس رئاسى لإدارة شئون البلاد خلالها إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وفى تقديرى أن الحل الأمثل يتمثل فى أن تكون الفترة الانتقالية فترة مركبة مكونة من مرحلتين:
المرحلة الأولى، وتمتد لمدة ستة أشهر وتكون فى عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة تمهيدا لإرساء مقومات الأمن والاستقرار بالمجتمع والاقتصاد وجميع نواحى الحياة.
المرحلة الثانية، وتبدأ بعد الستة أشهر الأولى ويتولى فيها إدارة شئون البلاد مجلس رئاسى يتكون من خمسة أعضاء، ثلاثة من المدنيين (ويكونون من القضاة من تيار الاستقلال) واثنان من العسكريين يختارهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويدير شئون البلاد لمدة سنة كاملة، تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وكتابة دستور جديد.
وميزة هذا الحل، أنه يلبى المطالب المشروعة، من ناحية، ويحترم فى نفس الوقت رغبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الاستمرار فى إدارة شئون البلاد لمدة ستة أشهر فقط ليلتفت لمهامه الأصلية فى الدفاع عن أرض الوطن ورد كيد المعتدين، من ناحية أخرى.
كما أن هذا الحل واقعى فى مواجهة المطالبات بتسليم السلطة فورا لمجلس رئاسى. لأنه فى ظل انعدام الأمن وانفلاته ووجود عناصر فاعلة للثورة المضادة من فلول الحزب الوطنى والبلطجية وبقايا عناصر متآمرة من أمن الدولة، يقتضى وجود سلطة مركزية قوية لديها أدوات للضبط والربط وعلى رأسها وجود قوات الجيش فى جميع المرافق والمدن تحت إمرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجاهزة للتدخل السريع وإحلال النظام عند حدوث أى أزمة أو فتنة، وما أكثرها هذه الأيام. وبالتالى حتى يمكن إعادة البنية الأساسية لجهاز الشرطة وعودة الحياة الاقتصادية وعجلة الإنتاج إلى الدوران وإنهاء مظاهر الفوضى وجيوب الثورة المضادة، سوف يصعب على أى مجلس رئاسى أن يدير شئون البلاد.
وهكذا فإنه فى ظل تلك الفترة الانتقالية المركبة (عام ونصف) يمكن تحضير الأجواء لمنافسة حزبية وسياسية سليمة (بعد إلغاء قانون الأحزاب، وحل المجالس المحلية) لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بعيدا عن الاستعجال، حيث إن الأرض ليست ممهدة بعد سنوات طويلة من القهر والكبت السياسى وتضليل المواطنين. وعندئذ تُحل معضلة الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية أم العكس من تلقاء نفسها.
وتكون فترة السنة التى يتولى فيها المجلس الرئاسى إدارة شئون البلاد فترة كافية نسبيا لإطلاق الحياة السياسية من عقالها وترشيدها تمهيدا للانتخابات التشريعية المزمع عقدها. إذ يلاحظ أنه سوف يكون هناك تخمة من أعداد الأحزاب السياسية التى سوف تتكون خلال تلك الفترة الانتقالية فسوف تكون هناك عدة أحزاب ذات توجه إسلامى بدأ الإعلان عنها وأحزاب أخرى ذات توجه يسارى.
كما سوف تكون هناك أحزاب ذات توجه ليبرالى ليس بعيدا عن المصالح والرؤى الغربية، هذا بالإضافة إلى أحزاب جديدة تضم شباب 25 يناير.
وهذا كله يحتاج إلى فرز وتدقيق لكى يستبين المواطنون طريق التغيير وطبيعة النظام الاقتصادى الاجتماعى الذى يتوافق مع أهداف وشعارات ثورة 25 يناير.
كما أن الأحزاب الجديدة كلها سوف تحتاج إلى بناء ماكينات انتخابية للإعداد للانتخابات التشريعية. إذ إنه فى الوقت الراهن لا توجد ماكينات انتخابية جاهزة سوى لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد إلى حد ما.
وتظل المشكلة القائمة هى كيفية وصول تيار الثورة والأحزاب الجديدة إلى الريف، حيث إن الثورة انطلقت أساسا من المدن والمراكز ولم تصل بعد إلى أعماق الريف الذى يعيش فيه نصف سكان مصر تقريبا. ولذا يجب أن تدار الحياة السياسية فى ظل الفترة الانتقالية تحت شعار «دعوا كل الأزهار تتفتح» بعيدا عن الفوضى والغوغائية والتدليس، لكى نبنى حقا الديمقراطية الجديدة.