هناك كاسبون وخاسرون فى معركة فيروس «كورونا»، وتتداخل الأبعاد العالمية والمحلية فى آن واحد، مما يشعرك بأنك فى قلب أزمة ترى الكاسبين والخاسرين فيها بصورة واضحة.
الكاسب الأول هو «الإنسانية»، التى انتصرت لمحاولات تجميع أوصالها أمام الراغبين فى تقطيع روابطها. إذ تتقاطع العلاقات بين الدول فى اتجاهات انعزالية، يرى فيها البعض الانكفاء عن الآخرين لأسباب تتعلق بتراكم الثروات، أو التنصل من المشكلات العالمية، أو عدم الرغبة فى تحمل نتائج ما تنتجه من آثار سلبية على الإنسانية، أو عدم تحمل تبعات قانونية ناتجة عن استباحة العالم، وغيرها من الأسباب التى ترافق غطرسة القوة. فقد أثبت هذا الفيروس القاتل أن العالم وحدة واحدة، ليس فقط بفرض أنماط الاستهلاك على الآخرين، ولكن أيضا بالأمراض الفتاكة.
الكاسب الثانى هو «العدالة الاجتماعية»، فقد أثبتت قوى الطبيعة الغاضبة، سواء من حيث العواصف والأعاصير والأمطار أو الأمراض القاتلة أن البشر مهما تنوعت مراكزهم القانونية أو أوضاعهم الاجتماعية يخضعون لقوانين طبيعية ثابتة، لا ينفع معها غناهم أو فقرهم، أو أماكن سكناهم، ومدى رفاهية الحياة التى يعيشونها، أكثر الناس عالمية وشهرة أصيبوا بفيروس «كورونا»، تماما مثل الفقراء، هؤلاء يموتون وأولئك أيضا، الأماكن الأكثر رفاهية ساءت أحوال سكانها فى الأمطار الكثيفة والأعاصير مثلما تضررت الأماكن الأقل رفاهية أو أكثر بؤسا.
الكاسب الثالث هو «الانتهازيون» هؤلاء يقتاتون على الأزمات، يكسبون من المآسى، هم تجار جشعون، بضاعتهم تروج بأثمان مضاعفة إذا ضرب الناس الشعور بالقلق، والهلع، والخوف من المستقبل.
الكاسب الرابع هم «الكسالى» الذين يبحثون عن الاجازة أو الراحة سواء فى عدم الذهاب إلى العمل أو المدرسة، هؤلاء يعتبرون أنفسهم فى راحة اجبارية، أيا كانت التداعيات.
الكاسب الخامس هى أنظمة سياسية، وقيادات على مستوى العالم تتصدر مشهد مواجهة «كورونا»، وتضع الخطط، وتتقدم الصفوف، وهو ما أعطاها قبلة الحياة، بعد أن كانت فقدت أوراقا كثيرة من شعبيتها.
أما الخاسرون فهم كثر. أولا البشر الذين يفقدون حياتهم أو يودعون ذويهم، وكم كان ملفتا تعليق قرأته فى «ديلى ميل» عن أن الوفيات فى الصحف المحلية فى إيطاليا لم تعد صفحة واحدة، بل امتدت لتشغل عشر صفحات. ثانيا الشركات التى تغلق أبوابها أو تقلل من أعمالها، شىء مقلق، أن تجد شركات كبرى تقلص عدد العاملين بها، أو تطلب منهم الحصول على اجازات اختيارية، أو تدفعهم دفعا إلى مغادرة العمل. هناك تقارير عن شركات على وشك الإفلاس. ثالثا الذاكرة الإنسانية التى أصبحت تستدعى صور الأوبئة والمآسى التى مرت بها على مدار قرون تعقد المقارنات بينها وبين ما تشده الآن من خطر فيروس «كورونا»، اللافت للنظر أن المقارنات جميعا تفيد بأن ما نراه الآن من مآسٍ ومخاطر أكثر مما شهدته البشرية فى الأزمة المالية العالمية، أو مرض الايدز، أو وباء سارس، أو الحروب والمجاعات التى عرفتها فى القرنين الماضيين، والسبب أن فيروس «كورونا» ليس محددا مكانيا، بل يجوب العالم شرقا وغربا، لا تقف أمامه مدينة عاتية ولا قرية صغيرة، الله وحده يعرف متى سوف ينتهى، وبأى ثمن سوف يرحل.