«العقرب».. سجن أم منهج للتفكير؟ - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 12:10 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«العقرب».. سجن أم منهج للتفكير؟

نشر فى : الإثنين 17 يوليه 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : الإثنين 17 يوليه 2017 - 8:40 م
بحسب روايات أهالى المعتقلين وبيانات منظمات حقوقية عالمية أبرزها «هيومن رايتس ووتش»، أصبح سجن «العقرب» فى منطقة طرة، نسخة ــ لكن أقل وحشية ــ من سجن جوانتانامو، حيث فقد 6 معتقلين من نزلائه حياتهم خلال السنوات القليلة الماضية، قد يكون السبب فيها انتهاكات معتادة تمارسها إدارة السجن، منها الضرب المبرح، والعزل فى زنازين تأديبية ضيقة، ومنع الدواء ووقف الرعاية الطبية، والتجويع، وحظر زيارة أهالى المعتقلين ومحاميهم، مع ضرب نطاق محكم من السرية الشديدة على ما يجرى خلف جدرانه!.
شهادات معتقل سابق بالسجن مع أقوال 20 من أقارب المعتقلين واثنين من محاميهم، تزعم أن الأوضاع فى السجن تدهورت كثيرا فى الشهور الأخيرة، حيث تم رصد معاملة قاسية ولا إنسانية قد ترقى لمصاف التعذيب بحق بعض السجناء الذين لا تزال إدارة العقرب ترفض تسليمهم الطعام والدواء الذى يحضره لهم أقاربهم لعدم توافره داخل السجن، وهو ما أدى إلى إصابتهم بالهزال والمرض والضعف الشديد، على الرغم من الكوارث التى وقعت جراء هذا الرفض، وعلى رأسها وفاة القيادى بالجماعة الإسلامية عصام دربالة لعدم تناوله دواء السكر عقب آخر جلسة محاكمة حضرها حيث كان يعانى خلالها من الرعشة والتبول اللإرادى، ووفاة البرلمانى الإخوانى فريد إسماعيل بغيبوبة كبدية لعدم تلقيه العلاج فى الوقت المناسب، فى نفس الوقت أصبحت حياة عدد من المعتقلين أخيرا مهددة، منهم الصحفيان هشام جعفر الذى أوشك على فقدان بصره، ومجدى أحمد حسين الذى يقول أصدقاؤه إنه أصبح لا يقوى على السير إلا بكرسى متحرك، بالإضافة إلى معاناة عدد من قادة جماعة الإخوان المسلمين منهم المرشدان السابق والحالى، منذ فترة طويلة، من أمراض خطيرة، وتطاردهما شائعات الوفاة بين الحين والآخر!.
صحيح أن أغلب معتقلى العقرب ــ إن لم يكن كلهم ــ من الإخوان أو من المتعاطفين معهم، وصحيح أيضا أن الكثير منهم يؤيدون العمليات الإرهابية بهدف إسقاط النظام الحالى، لكن كل هذا وغيره لا يعطى لأى سلطة كانت فى مصر الحق فى إهدار آدميتهم أو تهديد حياتهم داخل السجون، أو انتهاك حقوقهم فى تلقى العلاج والدواء، أو منع الزيارات عنهم، أو حتى ضرب جدار من السرية حول حياتهم داخل السجن، فالمادة «55» من الدستور تؤكد أن «كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا»، كما تنص المادة «56» على أن «السجن دار إصلاح وتأهيل. وتخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائى، ويحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر»، وهى نصوص دستورية قاطعة يجرى انتهاكها بدون حسيب أو رقيب.
«عقلية العقرب» هى التى تمنع بعض قيادات الأمن من أن يكون ولاؤها الأول والأخير للقانون والدستور، وهى التى ترفض إشراف وزارة العدل لا الداخلية على السجون، وتبرر للداخلية صمتها المريب عما يحدث داخل السجون، وعدم اهتمامها بالرد على الاتهامات بوجود انتهاكات وتعذيب بها، وهى أيضا التى ترفض احترام حقوق وحريات الإنسان وفقا للمعايير الدولية!.
«العقرب» لم يعد مجرد سجن، بل أصبح أسلوب حياة ومنهجا للتفكير ويلقى بمفاهيم دولة القانون والمؤسسات على قارعة الطريق، ويدير معاركه بمنطق العصور الوسطى، ليصبح الخصوم السياسيون وكأنهم أسرى حرب من أكلة لحوم البشر، وليسوا مواطنين لهم حقوقهم القانونية التى يكفلها الدستور، حتى لو أدينوا بتهم جنائية خطيرة.

 

محمد عصمت كاتب صحفي