همست الموجة للنسمة «قولى لهم أننى هنا فى انتظارهم» فهو الصيف والحر والبحث عن بقعة محاذية للبحر، بل وشواطئ ممتدة تستقبل من خاطبتهم الموجة لتغويهم لحضنها وتردد تعالوا فاغتسلوا من شتاء طويل وصيف لا يعرف سوى العرق..
***
فجأة تتحول الشواطئ إلى مدن شديدة الزحمة يأتى المصطافون متخففين من أحمال ملابسهم وتاركين كثيرا من الهموم خلفهم فى تلك المدن البعيدة التى تشهد هجرة جماعية فى كل صيف فتصبح للبعض كمدن الأشباح ولآخرين أجمل فصولها كلها حيث تخف الزحمة وتخلو الشوارع من الضوضاء ويمضى الباقون من غير المصطافين فى بيوتهم يحتمون من حرارة الشمس الحارقة وهناك على البحر يستحم الآخرون بالبحر والشمس معا ليكسبوا لونا يشبه أرضهم التى كانوا يزرعون.
***
يجرى الذكور إلى الشواطئ ويرمون بأنفسهم فى حضن الموجة، يكثرون من اللعب والضحك ويغتسلون من حر شديد لا يفصلهم عنه سوى الرمال الساخنة على الشاطئ حيث تفترشها النساء يتأملن كل هذا الاحتفال بمداعبة البحر وهن مرتديات كل ما كثر من قماش من رءوسهن حتى القدمين وعادة ما يكون اللون الأكثر شيوعا بينهن هو الأسود الأكثر امتصاصا لحرارة الشمس!
***
ينتظرن بحرقة والعرق يبلل ملابسهن فتلتصق حتى تبرز كل المفاتن التى كن يحاولن إخفاءها عن أعين «المتطفلين» ومع نزول الشمس تدريجيا قد تتجرأ إحداهن فتقتحم تلك المساحة المخصصة للرجال ألم يصبح البحر للرجال فقط؟ فترتدين المايوه الشرعى كما يحببن تسميته ويجرين نحو الموجة فتهمس لهن لن تسمح مثل هذه الملابس بأن تطفئ حرارة جسد تسمّر فوق الرمال الحارقة لساعات النهار الطويلة!
***
وهن فى جلوسهن هذا يحتسين كل المشروبات المثلجة بحثا عن ما يطفئ ذاك الغليان. تقتحم نساء وفتيات أخريات البحر، يداعبن الموج ويمارسن الرياضات المائية كما الرجال.. فما من نساء الشاطئ الملتهب سوى أن يمصمصن شفاههن منتقدات تلك النسوة «الفاسقات» أو على أقل تقدير غير المحتشمات!. هنا اقتنعنا كما قال لهن أزواجهن أن البحر للذكور والشاطئ للنساء وإن أردنا النزول إلى البحر فلا بد أن يكون تحت عتمة الليل كما كل شيء فى تلك المجتمعات، كل التناقضات.. أن تفعل الشيء فى النور حرام حرام أما أن تخفيه فى الظلمة فهو حلال!!
***
تخضع الكثير من النسوة لهكذا تفسير ويلتزمن به فيما كل المنطق والعقل والعلم وحتى الدين لا يأمرون بتعذيب النفس.. أليس فى وجودهن على الشواطئ الساخنة تعذيب للنفس؟ وإلا لما لا تذهب النساء فى الصيف الحارق بحثا عن بقعة تمنحهن بعض من البرودة المستحبة فى مثل هذه الأيام الحارقة فى مدن الأسمنت. لما لا يبعدن عن الشواطئ التى هى لا تعرف سوى نداء الموجة ولا يطفئ نار الصيف عندها سوى ماء البحر المثلج فى الكثير من الأحيان حتى يقشعر البدن..
***
كانت الشواطئ قديما ملونة وكانت النسوة يتمشين بالمايوهات التى تسميها الصحافة الصفراء اليوم «الفاضحة» وتطارد المشاهير من النساء فقط لتفرغ كثيرا من تخلفها ونظرتها الضيقة وكبتها أو كبتهم سعيا وراء الإثارة حين اختفت كل أنواع الفنون والنماذج الصحفية المحترمة وتركت الفضاء للزبد وما تجرفه الموجة من وسخ البحر وفضلات زواره.
***
أصبحت الشواطئ اليوم أحادية اللون ومكررة المظهر وتحول شعر المرأة إلى عورة عليها أن تخفيه دوما وإلا أثارت غرائز الرجال الذين لا تفكير لهم سوى فى اصطياد فريسة إما بنظرة أو لمسه وكلها جارحة وكلها تحقير للرجال على أنهم كائنات غرائزية!
***
تبرر الكثيرات تحملهن لكل هذا العذاب على أنه «حر الدنيا ولا حر الآخرة!» لكل واحده منهن تفسيرها الخاص لكل هذه العلاقات المشوهة التى تبرز بشكل واضح عندما تستدعيهن الموجة فلا يستجيبون بل يكتفئون على أنفسهن عند خاصرتها ينظرون لها من بعيد والخوف يملأ عيونهن مرة خوفا من أن ينتبه أحدهم إلى الرغبة المدفونة لرمى أنفسهن فى ماء البحر ومرات خوفا من ما قيل لهن على أنه عذاب جهنم! كل مواقفهن مبنية على عدد من التهديدات وعبارات التخويف ليس إلا.. لا شيء عن التسامح والمغفرة والمحبة وتكريم الإنسان فوق كل المخلوقات.
تنادى الموجة كثيرات منهن، ويبقين هن عند الشاطئ خوفا من شيء ما!