اغتسل بالمطر إن استطعت - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 7:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اغتسل بالمطر إن استطعت

نشر فى : الأحد 18 ديسمبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الأحد 18 ديسمبر 2016 - 9:25 م
جاءت زخات منه..

إنذار هو ربما أو حتى بكاء السماء وهى تلقى ببصرها صوب الأرض الغارقة فى دمائها ودمعها.. فالأرض تبكى كثيرا أيضا.. الأرض تبكى عندما يصبح لا مكان للفرح على امتدادها والوقت قد حان لنشر الفرح بالأعياد القادمة فى زمن الحزن!!!

تحولت الزخات تدريجيا إلى أمطار شديدة.. قيل إنها العاصفة وأعطوا لها اسما وأكثروا لها من أسماء النساء، وكان كل شىء مجلجا ومرعبا وقبيحا أيضا له ارتباط بالمرأة، ربما هى جزء لا يتجزأ من ثقافتنا المترسخة منذ الأزل..

***
جاء المطر يحمل صوت الغضب أو ربما الحزن، زادت كميات المياه التى منحتها السماء للأرض ورغم شدة الحاجه للمطر القادم فإن الأرض لم تعرف الماء إلا وهو قد تحول إلى وحل.. استحمت الأرض بوحلها وكأنها أحد نساء تلك المدينة المنكوبة أم هى تلك المدن المنكوبة ربما.. اتشحت الأرض بتلاوين السواد ودرجاته.. لم يخرج الأطفال للعب تحت زخات المطر.. لم يلتق العاشقان تحت مظلتهما فيلتصقا حد الالتحام.. لم يبلل المطر شعر تلك المرأة التى راحت تبحث عن ظل بعيد عن زخاته القوية.. لم يغن له أحد: عود يا مطر على ديارنا..
لم يعد هو مطر الفرح كما كان، ربما لأنها اللحظة التى سرقت كل الفرح أو هى تساقط الأموات فى القبور المعتمة قبل أن تفارق أنفاسهم الحياة أو هى البحث بين الجثث المتراكمة عن جثث الأحبة.. أم هى كل هذا مجتمعًا معا.. نعم هى كل ذلك وأكثر هى الطفل الذى يرحل كل ساعتين فى البلد السعيد سابقا.. هى الجوع ينهش الجسد حتى لا تعرف أهو البرد القارس أم الجوع أم المطر أم كل هذه مجتمعة..
***
كان للمطر طقوسه وأكثرها جمالا تلك المرتبطة بالأطفال الأبرياء كما قطراته.. قطرة تسقط نقية ما تلبث أن تتلوث عبر المرور على طبقات تخزن قذارة الحقد المدفون والمعنون بأكثر من اسم أو صفة.. سقط المطر هو الآخر من قواميس فرحنا.. لم يعد بتلك الدفاتر الكثير من البهجة سوى الذكريات، كلما تعبنا من الآن عدنا لما كان.. كلما زادت كمية الوحل الذى نحن فيه ونعيشه ولو من بعيد أحيانا ولو بالعبارات أحيانا أخرى، كلما بحثنا بين الألبومات القديمة لصور الفرح المغمس بزخات المطر الآتى من سماء تحن كثيرا على الأرض ومن عليها.

لم تعد السماء ترسل سوى كثير من الغضب.. لم تعد السماء تحن على من فى الأرض فهم لا يحنون على أنفسهم وهم قد استهوتهم غواية المقابر، فبدلا من أن تكون هناك مقبرة بكل مدينة أصبح هناك مقبرة لكل شارع أو مقبرة لكل زقاق أو حتى مقبرة لكل بيت!!! ليس المطلوب من السماء أن تكون أكثر عطفا على من لا يتعاطف مع الموت مهما تلون ذاك الموت.. ليس المطلوب أن نبكى الموتى بل أن نمسح دمع الأحياء فالميت لا يحس يقولون رغم أن الروح تبقى هائمة حول أحبتها الباقين وذاك إن بقى منهم أحد..

***
جاء المطر غزيرا وكأن السماء قد صبت جام غضبها وكرهها لتلك الأرض التى لم تعرف أن تربى أبناءها على المحبة.. حتى الفلاح الجالس فوق أرضه يسجد ويصلى ليل نهار من أجل قطرة مطر تسقى تلك الأرض العطشى، وقف حائرا أمام كل هذا الكم من الماء الغاضب.. حتى تلك البلاد العطشى إلا من النفاق لم تملك القدرة على الفرح بالمطر الكثير القادم..

حتى الصحراء فى واحاتها الخضراء التى جففها قحط السنين الأخيرة لم تملك القدرة على الرقص فوق الرمال المتحركة فراحت تحفر فى الأرض ليجرى الماء بين عروقها ويتسلل إلى باطنها فيبقى ربما ليوم قد يأتى.. ربما ليوم قد تعود فيه العصافير التى هجرت أرضها وسماءنا، وتغرد الطيور فى أسرابها وتأتى الشمس من أجل أن ترسل دفئًا نادرًا لا لسعات ساخنة.. ربما حينها يكون ذلك الماء بردا وسلاما على هذه الأرض..

 

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات