جلست هى الوزيرة فى تلك البلد بشمال أوروبا تستمع بإصغاء شديد وهى تسأل عن كل تفصيلة، وفريقها مكون من شابتين أصغر منها ببضع سنوات تدونان بشكل دقيق كل ما يقال عن تجربة ذلك الفريق فى سوريا. لم يكن هناك حرس ولم يكن هناك مرافقون بل جلسة فى بيت سفيرة بلدها دون فريق من «الحشم والخدم» بل السفيرة نفسها وفريق السفارة. كل ذلك يبدو طبيعيا لهم وغريبا علينا نحن الرابضين فوق هذه الأرض الممتدة، نحن الذين نعرف جيدا أن حتى الوزير السابق لا يتحرك إلا بفريق من المرافقين والحرس. وأن العدد الأكبر من الوزراء هم من غير الشباب وحتى عندما يعين شاب فهو يأتى بشكل من الأشكال بتوصية شديدة من المسئول الكبير أو الأمير أو الشيخ؛ لا كفاءة محسوبة ومدروسة ولا تجربة ولا رغبة أصلا فى التعلم والمعرفة. الوزير الشاب فى وزارتنا العربية والوزيرة أيضا إن وجدوا فأغلبهم شديد الغرور لم يصدق أو تصدق أن تصل إلى مثل هذا المنصب الذى يعتبر تكريم وتقدير وليس مسئولية.
هنا توزع المناصب حسب المعارف والولاءات وهناك يتم اختيار الوزير والوزيرة حسب المعرفة والخبرة حتى المتواضعة، والرغبة فى الاصغاء والتعلم ومعرفة احتياجات المواطنين الذين هم هناك على تلك الكراسى الوثيرة لخدمتهم. شىء لم نتعلمه نحن حتى الآن، لم يتعلمه حتى الشباب من وزرائنا ونوابنا ومسئولينا وهو «التواضع» والاقرار بأن معرفتهم محدودة، وبأنهم بحاجة للمواطنين ودونهم فلا أهمية للمسئول إن لم يقوم على خدمة البشر والوطن الذى صغر حتى أصبح بصغر القبيلة والطائفة والشارع والحى والحارة.
***
انتهى المشهد الأول بكثير من الحسرة وبدأ المشهد الثانى.
يكتظ بهو ذاك الفندق الفخم جدا بكثير من العرب؛ أكثرهم رجال وبعضهم من النساء.. يكثرون من شرب الشاى والقهوة فى بهو الفندق والأحاديث الجانبية واللعب بهواتفهم الذكية.. تعرف أنه اجتماع للنواب العرب فتطفو الأسئلة وتتسارع «ترى من انتخب هؤلاء؟» و«من يعرفهم من ناخبيهم؟» ومتى كانت آخر مرة استطاع فيها أى منهم أن يثير قضية حيوية ومصيرية ومنطقتنا تمر بمرحلة هى الأخطر بتاريخها الحديث.. كلهم قادمون من مدن ينهشها الفقر والتهميش والجوع أحيانا والمرض كثيرا إذا لم تكن قد سقطت فى متاهات الحروب العبثية والنزاعات الاقليمية والدولية.. كلهم لم يسمعوا بأن هناك سايكس بيكو جديدا يحضر لهم، ولو سألتهم عن آخر نسب الالتحاق بالمدارس أو التسرب من التعليم أو المستشفيات التى أصبحت كالسجون داخلها مفقود وخارجها مولود.. حتى النساء منهن لا يعرفن كم نسبة النساء المعنفات فى مجتمعاتهن الصغيرة ولا يتحدثن عن هموم المرأة العربية التى لاتزال الأعلى فى الأمية عالميا.. ولاتزال حقوقهن بأجمعها خاضعة لتفسيرات خاطئة للدين بل للأديان كلها وليس لدين بعينه.
***
اجتمع النواب الكرام لأكثر من يوم.. تبادلوا بطاقات التعارف ولم نسمع من همساتهم ولا أحاديثهم أى شىء يدل على أنهم مثقلون بهموم الأوطان الممزقة؛ بل سعداء بأنهم يعاملون مثل وزرائنا ــ كمسئولين «خمس نجوم» ــ وليسوا ممثلين عن الشعب ومن الشعب.. هم الآخرون مهتمون جدا بأن يبقى مرتبهم مدى الحياة أكثر من أن يناقشوا الحرب الطائفية المستعرة فى المنطقة وينشروا الوعى بأنها مدمرة حتما لنا جميعا! أليس من الدمار أن نعود لمعارك وخلافات منذ آلاف السنين لنحقق مكاسب سياسية آنية جدا لفئة صغيرة من الحكام والمسئولين وبعض المطبلين والمدعين وحملة المباخر.
ومع كل هذا الكم من النواب رفقة من مئات رجال الأمن حالهم كحال وزرائنا الذين يزينون مناصبهم برجالات الأمن ويبقى السؤال يا ترى خوفا من من؟ فالكثير من المواطنين العاديين لا يعرفونهم لا بالاسم ولا بالصورة ولم يسمعوا عنهم منذ أن أصبحت الوزارات والبرلمانات كلها من الموالين والمحسوبين والمطبلين، وقلت بل نقصت بها الكفاءات وانعدم حب الوطن.