كم قبيحة هى الحرب عندما تسرق الطفولة وتصبح النساء أداة حرب. هن الأخريات إما أن يتعرضن للاغتصاب أو التحرش أو الانتهاك أو البيع أو السبى أو كل هذا مجتمع..
كم قبيحة هى عندما تردد تلك الطفلة «كل ما أريده أن نعود ونلعب دون خوف من قذيفة أو صاروخ أو طلقة طائشة هنا أو هناك».. تتنوع الآلام على أنغام تنوع الأسلحة، كلما ازدادت تطورا سقط الأطفال والنساء، وهم حتما ليس وحدهم أو وحدهن ولكنهم الأكثر لأنهم أو لأنهن الأضعف فى عرف هذه المجتمعات المترامية..
كيف إذا كانت الضحية طفلة فتاة؟؟ هى التى اختبأت فى صدر أمها مرارا وتدثرت تحت الأغطية متصورة، ببراءتها، إن ذلك سيمنع عنها الأذى !! تحمل عروستها، كانت قبل سنوات بسيطة وفجأة ودون مقدمات شاهدت تنوعات الموت والقتل.. تصورت ببراءتها المعهودة، هى الساكنة هناك فى الريف البعيد حيث الحياة لا تزال عذراء ولا مشهد سوى امتداد الحقول الخضراء أمامها.. تذهب إلى مدرستها بحماس شديد وتتطلع إلى اليوم الذى ستكون فيه طبيبة أو مهندسة أو ربما كما قالت لى مرارا وصوتها يرجف خجلا«آنسة» أى معلمة.. كانت أحلامها، ربما أحيانا، أكبر من مساحة قريتها وأصغر من تلك المدينة القريبة..
***
عندما انتشر الموت على شاشات التلفزة تصورت أنه بعيد، وبقيت هى الطفلة التى كبرت بعض الشىء ودخلت مرحلة الصبا الجميل تجلس بعض الوقت أمام المرآة تبحث عن التفاصيل الآنثة فيها.. حينها كانت تتصور أن الأنوثة شىء جميل.. هكذا قالت لها الآنسة فى الفصل وكذلك تلك المجلات التى كان يحملها لها والدها القادم من مدينة الصخب والجمال.. والدها العامل البسيط الذى تصور يوما أن حلقة الفقر ستكسرها «هيا» ابنته الكبرى رغم أن بيئته محافظة إلا أنه قال لا، ابنتى ستتعلم وستتخرج وستذهب إلى الجامعة وتعمل كما هن النساء فى مدينة الفرح الدائم رغم الحرب التى طالت!!!
هو تصور أن نار الحرب التى بدأت جنوبا وشمالا وحتى شرقا لن تصل إلى قريته الصغيرة فى أقصى شرق الوطن.. وعندما لاحت الرايات السوداء وأصبحت أكثر قربا من الوريد، طمأن النفس بعض الشىء وترك عمله هناك وامتطى الحافلة التى نقلته عبر الكثير من النقاط فى رحلة استغرقت أكثر من يوم ليصل إلى بلدته الساكنة وقد اتشحت بالسواد، وراح الدم يسقى الأرض وهربت النساء إلى عمق المنازل الطينية البسيطة وأغلقت الشبابيك بإحكام خاصة بعد أن مرت أحد السيارات ذات الرايات السوداء فرأت أحد الشبابيك غير مغلق بإحكام فلاحت نساء المنزل فى المطبخ دون غطاء كاف للشعر والوجه كما نصت عليه الدولة الجديدة !!!
قام هو بإغلاق النوافذ بإحكام وأما الأبواب فهى تقفل ولا تفتح لأحد مهما كان قربه. وراحت صغيرته التى كبرت بعض الشيء تردد سأتحجب لا بل سأرتدى النقاب حتى فى المنزل.. انتابه الفزع ولكنه رأى أنها كبرت سريعا وعرفت معنى أن تكون امرأة فى زمن الحروب المجنونة التى حملت أسماء متعددة أكثرها باسم الدين السمح!!!
***
كم قاسية هى الحرب عليها عندما لم يعد من المجدى فقط أن تتشح النساء حتى الفتيات اليافعات منهن بالسواد من الرأس حتى أخمص القدمين.. لم يعد ذاك وحده وسيلة للحماية. لازال هناك الكثير من الخوف ينتشر هنا وهناك.. حبس كل الجيران نسائهن فى البيوت لأشهر ومع ذلك لم يرحل الخوف من القادم... توقف الحلم بالعلم والتعليم عند منعطف الخوف من الفضاء الخارجى والخوف من أن العلم قد يكون سبب للقتل اليسير !!!
جاء صوتها خجولا ومتقطعا وهى تقول: «جاء من يخطبنى.. سأتزوج مع نهاية الأسبوع».. سقط الخبر فى بحر من الصمت.. توقف الحوار وعاد السؤال لماذا تتزوج الطفلة، وأين أحلامها فى العلم وتلاوين متنوعة لحيوات قادمة.. لم تستطع هى أن تقول أكثر من ذلك، أنهت المكالمة سريعا وكأن صوتها تحشرج حد البكاء بصمت. ردد والدها إن لم تتزوج فسيأتى أولئك المتشحين بالسواد وقد يفعلوا كما فعلوا من قبل فى الكثير من الفتيات فلماذا الانتظار حتى تلك اللحظة.. أصبح إنهاء الطفولة والبراءة وسيلة لحماية الفتاة.. هذا قتل آخر، بل إن الموت تنوع ولم يعد فقط عبر الاغتصاب أو البيع أو السبى بل صار على المرء أن يسبق كل ذلك ليحمى الصغيرة فترحل من عالم الطفولة سريعا وهى التى كانت حتى قبل سويعات طفلة تلعب بين الأشجار، تنادى العصافير وتغنى معهم بفرح لا يكسره سوى بعض الخجل وكثير من الأحلام لأيام قادمة..
كم صغيرة هى أن تزف سريعا على طفل آخر لا يكبرها إلا بعام، هو الآخر طفل سرقت الحرب طفولته إما بحمل السلاح والقتل بأسماء متنوعة أو بالزواج المبكر خوفا من القادم بعد أن أغلقت كل النوافذ وأدار الحلم ظهره له ولها ولهن جميعا..
***
لا تزالين طفلة أيتها الصغيرة.. منذ بضع سنين كنت أرسل لك حقيبة المدرسة وأقلام ملونة بتلاوين أحلامك وكراسات مطرزة بالفراشات كتلك التى كنت تطاردينها بفرح طفولى.. هذه طفلة أخرى تسرق طفولتها باسم الخوف من القادم والمحافظة على الشرف وتفادى الفضائح أو ربما الموت البطىء..
كاتبة من البحرين