ليسوا ولسنا كأسنان المشط! - خولة مطر - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:17 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليسوا ولسنا كأسنان المشط!

نشر فى : الأحد 20 مارس 2022 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 20 مارس 2022 - 9:00 م
الحياة صممت ليكون البشر فيها بدرجات؛ هم ليسوا كأسنان المشط كما علمتنى هى وبعض من المربيات اللاتى انقرضن أيضا كما كل الأشياء الحقيقية والجميلة.. فهناك بشر درجة أولى، ويمكن حتى درجة أولى ممتازة أو «سنييه» للمتفرنجين، وآخرون درجة ثانية أو ما دونها حتى ما تحت الصفر..
• • •
وكذلك اللاجئون كما كتب ذاك الصحفى فى نيويورك تايمز قبل يومين تحت عنوان «لاجئون واستقبال واحد»؛ فقارن بين لاجئ سودانى وآخر أوكرانى فى بلاد الكون «المتحضرة» و«الديمقراطية» والتى تنادى دوما بحقوق الإنسان.. حتى أولئك الهاربين من القذائف فى أوكرانيا، وهم بألوان وجنسيات مختلفة وكل حسب لونه وعرقه كما يثبت الصحفى عبر لقاءات على الحدود مع بولندا.. حيث قالت له إحدى المعنيين بشئون اللاجئين فى بروكسل مقر الاتحاد الأوروبى «إنها المرة الأولى التى نرى فيها المعاملة مختلفة بين مجموعتين من اللاجئين» وتضيف بأن الأوروبيين يرون الأوكرانيين على أنهم «مثلنا» أو يشبهونا..
• • •
فى هذا المقال يصف اللاجئون السودانيون معاملة مخالفة تماما لمراسل نيويورك تايمز، وكيف أن الشرطة البولندية جردتهم من هواتفهم النقالة وكل وسائل الاتصال وأعادتهم للمكان الذى يخشون، ألا وهو «الغابة» الفاصلة بين الحدود.. فيما يبكى الأوكرانيون من شدة فرحهم بحفاوة الاستقبال من قبل نفس الشرطة ونفس البلد!
• • •
لماذا نستغرب التمييز فى المعاملة وهى النمط «الماشى» فى هذا العالم على كل المستويات؛ فنبدأ من التمييز بين مواطنى البلد الواحد فى أمريكا وأوروبا حسب العرق أو اللون أو الدين حتى عندما تغيرت القوانين ونصت على أن المواطنين متساوون أمام القانون.. وهى نصوص أصبحت أكثر جمودا من فكر الكثيرين.. فتح ملف التمييز فى المعاملة ونص الخبر الخاص بأوكرانيا صندوقا أسود مليئا بالنماذج والأمثلة.. من التمييز فى المكاتب بين النساء والرجال وبين البيض والسود وبين المسلمين وغيرهم بعد أن تمكن نفس الإعلام من نشر «الإسلاموفوبيا» التى لم تكن سوى تركيبة رسمتها أحد أجهزتهم بإحكام ووزعتها على أجهزتها المختلفة..
• • •
فمثلا، وبعد العودة التدريجية إلى المكاتب مع انحسار فيروس كورونا، هناك من بدأ يتخوف بعد سنتين من العمل من المنزل حيث اكتشف الكثيرون أن المكاتب بقيت على تصميماتها القديمة منذ أن خلق العمل فيها. وأنها مصممة للرجال البيض، فلا هى تراعى الخصوصيات الأخرى مثل الأمريكيين من أصول أفريقية أو النساء أو حتى ذوى الاحتياجات الخاصة.. تذكر بعض الدراسات أن تفاصيل المكاتب، حتى التحكم فى الحرارة فيها، هى على مقياس رجال بيض بأحكام معينة. ويقول باحثون آخرون أن النساء بشكل عام وجدن أن العمل من المنزل خفف من حدة التوتر لديهن، وأن النساء من غير البيض يشعرن بضغوطات أكثر من مثيلاتهن من البيض إلخ.. اكتشف بعض الباحثين أن كثيرا مما كان يقال عنهن إنهن عاملات غير منتجات أو أقل إنتاجية أثبت عكسه خلال فترة كورونا والعمل من المنزل. فى دراسة على عينة من 10 آلاف عامل وعاملة من قبل «فيوتر فوروم» جاءت النتيجة لتثبت أن النساء والأشخاص الملونين عبروا عن أن العمل عن بعد أفضل من العمل فى المكاتب مقارنة بزملائهم من البيض! رغم أن آخرين عبروا عن افتقادهم للعلاقات التى تتعمق بين العاملين عبر التواجد فى مكان العمل وقالوا إنهم يصابون بشىء من الاكتئاب كلما تصوروا أنهم فى كل صباح ينتقلون إلى مكتبهم فى المنزل وهو لدى الكثيرين ليس إلا طاولة الطعام!
• • •
بعض مما نشر من دراسات لا يبدو غريبا على كثير منا نحن النساء العاملات.. فكثير من المكاتب لم يكن بها حمامات خاصة بالنساء لأنهم فى بلداننا لم يتصوروا أن النساء سيخرجن من «عباءة» ما رسم لهن من عمل فى مجال التمريض أو التدريس فى مدارس خاصة بالفتيات فقط.. كثيرات من جيلنا يتذكر كيف كان عليهن الذهاب إلى أقرب فندق أو العودة إلى المنزل أو الامتناع عن شرب الماء وأى سؤال آخر! يبدو بعض من هذا كأنه سرد لحالات فى العصور الوسطى إلا أنها قريبة جدا منا جميعا..
• • •
ربما تأتى مثل هذه الأفكار والنقاش يحتدم فى جنيف بين جدران قصر الأمم، حيث يعقد مجلس حقوق الإنسان جلساته الساخنة جدا والتى لا يسمع فيها سوى كثير من العبارات المتكررة منذ سنين عدة، فما زال الشاكون هم هم، وما زال الواقفون عثرة فى طريق التساوى فى احترام الحقوق الأساسية للبشر، كل البشر هم نفسهم أيضا، رغم أن الجميع يتقن فن إطلاق الشعارات الرنانة..
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات