حكايات المجهول فى الحياة المصرية لا تنقطع فى انتظار من سوف يكتب التاريخ فى النهاية، ويكشف الستار عن المجهول، ويجهل ما كنا نعلمه.
الطرف الثالث هو أشهر مجهول فى الحياة السياسية المصرية استمر لنحو ثلاث سنوات، حُمل مسئولية مآس عديدة، وأوقع قتلى ومصابين، هو العدو الخفى لثورة 25 يناير. كنا نسمع لفترة أن بقايا نظام مبارك هم الطرف الثالث، ومنذ ثورة 30 يونيو صار الحديث عن أن الإخوان المسلمين هم الطرف الثالث، الذين قاموا بقتل المتظاهرين فى 28 يناير 2011م، ودبروا موقعة الجمل، والعباسية، ومسرح البالون، وماسبيرو، ومحمد محمود، والذين كانوا يدفعون بعناصرهم فى منطقة كوبرى قصر النيل، ويمارسون اعتداء على الفنادق المحيطة، وغيرها.
البلاك بلوك هو ثانى أشهر مجهول، نعرف بالطبع الامتدادات الدولية للحركة المسماة بهذا الاسم، لكن نتحدث عن الطرف المحلى الذى تحرك بالعنف فى مواجهة الإخوان خلال السنة التى قضاها محمد مرسى فى الحكم. هناك قصص وروايات متداولة عن البلاك بلوك، مصدرها، وتمويلها، وعناصرها، لكن الجزم فى هذه القضايا مسألة محيرة.
بالمناسبة «المجهولون» ــ الذين هم معروفون بالضرورة ــ هو الاسم المريح لأطراف كثيرة. عندما اعتدى على الكاتدرائية بالعباسية بالمولوتوف، والسلاح، والحجارة استخدم الأمن مصطلح «مجهولون» للدلالة على هوية من يقوم بهذه الأعمال، رغم أن الشرطة كانت متواجدة بكثافة خلال مدة الاعتداء.
اليوم تستخدم قناة «الجزيرة» مصطلح «مجهولون» لوصف من يقومون بالاعتداء على المنشآت العامة، وقطع الطرق، وحرق إطارات السيارات، والاعتداء على الناس، وحرق اتوبيسات النقل العام، واستهداف منشآت الكهرباء، وزرع القنابل، وغيرها من مظاهر الفوضى والتدمير التى تحدث كل يوم.
فى حوار مع شخص متعاطف مع الإخوان المسلمين (لا يعلن ذلك صراحة) قلت له: أتفهم أن هناك صراعا بين جهاز الدولة والتيارات الإسلامية ممتد منذ عقود، وما النخب المسماة بالمدنية سوى طرف هامشى فى المواجهة المزمنة بين الطرفين، لكن من يخرب المنشآت، ويقتل الناس، ويستهدف كمائن الشرطة، ومناطق تركز الجيش، أليسوا ممن يحملون لواء «الإسلام السياسى»؟ ولماذا انتشروا واستشروا عقب عزل محمد مرسى، وفض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة؟ الإجابة: الله وأعلم.
من آن لآخر كلما حدث اعتداء على قوات الشرطة والجيش كانت بعض أصوات من المربع الإسلامى تتهم النظام ذاته بتدبير هذه الاعتداءات لإلصاق التهمة بالإخوان المسلمين، وهو زعم يصعب تصديقه، ولكن ما مصلحة النظام فى استهداف منشآت الكهرباء، وأتوبيسات النقل العام، الخ؟ هل يريد أن يضعف شعبيته؟.
أحاديث المؤامرة والمجهول مشوقة، وممتعة، خصوصا إذا كانت لها بعد شخصى مثل الخناقات السياسية، وصراع المال والسياسة. صناديق سوداء تفتح، وأسرار تذاع، وبرامج تغلق، وحكايات تنشر، والشعب المصرى بطابعه يحب القصص والحكايات، ويود أن يعرف ما وراء الستار. هناك شجن، ووله، وحيرة، وتمنى لمعرفة «المجهول»، والذى عادة ما تقود معرفته إلى فهم الكثير من جوانب الصراع السياسى، وعلاقات السلطة والمال والنفوذ، وتمكن الدارس والمتابع من رسم ملامح الخريطة السياسية.