منذ سنوات عديدة، دعيت للمشاركة كمتحدث فى أحد مؤتمرات اليورومانى الشهيرة فى القاهرة. تحدثت عن ريادة الأعمال فى مصر فقلت إن المواطن المصرى رائد أعمال بطبيعته. منذ خروجه من منزله صباحا يجد نفسه فى حالة مفاوضات مستمرة، ليجد حلولا لمشاكل متعددة تواجهه بصفة يومية. أما إذا تحدثنا عن رائد الأعمال أو رجل الأعمال، وهى التسمية الأصلية التى أصبحت سيئة السمعة بدون سبب وجيه فكل مهنة فيها السيئ والمحترم؛ فرجل الأعمال يواجه فى مصر بحرا من المتغيرات التى تزيد عن مثيلاتها فى دول العالم المتقدم وحتى معظم الدول النامية. ويعانى رجال الأعمال وروادها من عدد لا حصر له من الجهات الحكومية الرقابية التى تتعامل معه بصيغة الاتهام فى أسوأ الأحوال أو فى أفضل الأحوال فى صيغة تعقيد عمله بالروتين بدلا من دعمه من أجل خدمة الاقتصاد القومى. غريبة هى علاقة الدولة برجل الأعمال، فتارة يجد نفسه متهما بالجشع، وتارة يجد الدولة تناشده التوسع فى أعماله لدفع عجلة التنمية. هى حالة انفصام اقتصادية نتج عنها انكماش مؤشر مديرى المشتريات Purchasing Managers Index لعدة سنوات متتالية، ما عدا أشهر معدودة. هذا المؤشر هو أحد المؤشرات التى نطلق عليها المؤشرات سريعة التردد High Frequency Indicators والتى توضح لنا اتجاه القطاع الخاص للانكماش أو للنمو.
تحدثت فى مقال سابق عن روشتة سريعة ومؤكدة وقد تكون الوحيدة لجذب الاستثمار الأجنبى وهى أن نقوم بتشجيع المستثمر المحلى فهو أقدر من أى جهة حكومية على جذب المستثمر الأجنبى. حتى نوع المستثمر الأجنبى التى يجلبه المستثمر المحلى فى المطلق أفضل للاقتصاد من نوع المستثمر الذى تجلبه الحكومة. فالمستثمر الذى يأتى عن طريق حكومى يبحث عادة عن شروط استثنائية قد لا تكون فى مصلحة الدولة على المدى الطويل. أما المستثمر الذى يأتى لاستغلال فرصة استثمارية لتحقيق أرباح فى قطاع ما بدون تمييز فهو النوع الأفضل من المستثمرين للدولة على المدى القصير والبعيد.
طرحت الحكومة للحوار الوطنى أخيرا وثيقة سياسة ملكية الدولة، التى ترسم الخطوط العريضة للاستثمار الحكومى، وذلك استعدادا لتنفيذها. وبينما نترقب نتائج هذا الحوار والقرارات الصادرة عنه كخطوة من الممكن أن تكون إيجابية للقطاع الخاص، فيجب أن ننتبه أنه بالإضافة لهذه الخطوة يتوجب أن يعاد النظر فى المنظومة الحاكمة والمتحكمة فى المناخ الاستثمارى. فمازالت المنظومة الحالية بالنسبة للمستثمر المحلى معيبة لا تسمح له بالنمو بالمعدل المطلوب لتلبية احتياجات الدولة من القطاع من حيث التوظيف والضرائب والرسوم. أحد أصدقائى بدأ أخيرا شركة جديدة فى القطاع الرياضى، كانت نصيحتى الوحيدة له هو أن يكبر سريعا لأن هذه هى الطريقة الوحيدة للاستمرار. فبعد سنوات معدودة ستلحق به مشاكل المنظومة والحل الوحيد حتى يستمر هو أن يكون حجم أعماله قد وصل إلى حجم كبير وقوى بما فيه الكفاية يمكنه من مواجهة المشكلات.
هناك تعبير مصرى ساخر: إن هناك مشاكل تحدث لك هى أشبه بأن تقع بلكونة على رأسك بينما تسير فى الطريق لا بك ولا عليك. فلا ذنب لك فى ذلك ولكنك مازلت ستدفع ثمن هذه الحادثة. فى ختام حديثى لليورومانى قلت إننى أحضر فى كل دورة للمؤتمر أستمع إلى من يقول إن مصر قادمة بقوة، ولكن الحل الوحيد لتحقيق ذلك هو أن نحمى المستثمر من البلكونة حتى يمضى فى سلام لينفذ خطط أعماله ويستمر ويكبر نافعا نفسه والمجتمع والدولة.