تنطلق غدا دورة جديدة من دورات معرض القاهرة الدولى للكتاب وبالنسبة للمهتمين بالإنتاج الثقافى وصناعة النشر يمثل الـمعرض المناسبة الأهم لتعزيز الريادة الثقافية لمصر، وذلك بعد أن توقفت وزارة الثقافة عن تنظيم المؤتمرات الأدبية والفكرية الدولية خلال السنوات الخمس الماضية. وتأتى الدورة الجديدة للمعرض فى ظل تحديات كثيرة تواجه صناعة النشر نتيجة ارتفاع أسعار الدولار، الأمر الذى انعكس على أسعار الورق وكل مستلزمات الطباعة بخلاف تكلفة التوزيع والتجهيزات اللازمة لنشر الكتب.
قبل سنوات كان باستطاعة من يملك فى جيبه مائة جنيه أن يعود من المعرض وهو يحمل 20 كتابا، أما اليوم فقد تجاوزت أسعار بعض الكتب حاجز الألف جنيه، كما تراجع حجم الدعم المقدم لنشر الكتب فى القطاع الحكومى وباستثناء مشروع النشر فى هيئة قصور الثقافة وبعض الكتب القديمة فى الهيئة العامة للكتاب. لم يعد هناك كتاب رخيص فى مصر يمكن لأى قارئ أن يقتنيه الأمر الذى يدفعنا للمطالبة بمشروع جديد يستأنف الدور الذى كان يؤديه مشروع مكتبة الأسرة ومهرجان القراءة للجميع الذى أسهم فى تثقيف أجيال من القراء أصبحوا اليوم فى سن الشباب ويعانى أغلبهم من ارتفاع أسعار الكتب التى لم تعد تكفيها عبارة (نار نار يا حبيبى نار)، ولا حل أمام هؤلاء سوى التعامل مع الكتب التى يتم تزويرها وتباع بأسعار مقبولة لكنها للأسف تساهم فى تدهور صناعة النشر واستمرار نزيف الخسارة وحرمان الدولة من مصدر مهم من مصادر الدخل القومى يمكن الاستفادة منه سيما وأن التطورات السياسية فى الإقليم تمنح مصر أفضلية كبيرة بسبب استقرارها السياسى مقارنة بالأوضاع فى البلدان المجاورة خاصة سوريا ولبنان.
وعلى الرغم من الصعوبات التى ذكرناها حافظ معرض الكتاب على مكانته كأن فيه بركة لا يعلمها أحد والحمد لله لا يزال يمثل نقطة جذب للمثقفين العرب الذين يحرصون على التواجد ومتابعة الفعاليات سواء وجّهت لهم الدعوة أو لم توجه وهذه نعمة كبيرة يزيد من أثرها الإقبال الجماهيرى الواسع الذى يشهده المعرض ولا يمكن أن يقارن مع أى معرض آخر للكتاب فى العالم.
وخلال السنوات العشر الأخيرة حقق المعرض طفرات مهنية واضحة تمثلت فى زيادة حجم مشاركة كبار الناشرين فى العالم إلى جانب إطلاق برنامج النشر المهنى المعروف باسم (كايرو كول) والذى يثير نقاشات مهمة حول قضايا المهنة ويبدو أن الدورة المقبلة سوف تشهد منافسة كبيرة بين دور النشر المشاركة، فقد أعلنت غالبية الدور عن إصدارات جديدة مهمة فى مواجهة معلنة مع معضلة الأسعار، كما توسعت دور أخرى أبرزها دار المعارف فى إعادة طبع الكتب القديمة التى سقطت حقوق ملكيتها وأصبحت فى دائرة المشاع الإبداعى ولا شك أن عودة دار المعارف العريقة لسوق النشر يضيف لحركة النشر إضافة مهمة، لكنها ستبقى بحاجة إلى منافذ تسويقية ومشاركة فى المعارض خارج مصر لدعم هذه الصحوة واستكمال مسارها لتجنى الثمار على نحو صحيح.
أخيرًا هناك ظاهرة إيجابية ملفتة فى هذا العام تشير إلى توسع دور النشر المصرية فى نشر أعمال المؤلفين العرب فى طبعات أولى، وهو ما يؤكد من جديد مركزية الدور المصرى وعمق تأثيره، فالمعرض مناسبة اجتماعية وثقافية فى آنٍ واحد ولا يمكن مقاومة حالة الاحتفال أو فكرة الكرنفال التى يجسدها المعرض، غير أن اكتمال حالة الفرح لابد وأن يعزز ببرنامج ثقافى متوازن ومتميز وجملة من الإجراءات تدعم حرية الرأى والتعبير بالصورة التى تعطى للقاهرة الأفضلية دائما والأمل كل الأمل أن تنجح جهود اتحاد الناشرين المصريين فى عودة دار المرايا للمشاركة خلال الدورة المقبلة وإزالة ما حولها من سوء فهم لأنها دار جادة تمتاز بإصدراتها الجيدة التى تقدم إضافة لسوق النشر المصرية التى تدخل غدًا امتحانها السنوى الكبير ونتمنى لها كل النجاح.