نشرت مدونة صدى التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتبة موضى عبدالعزيز الحمود، تحدثت فيه عن مبادرات تمكين المرأة الكويتية فى جميع المجالات التى احتكرها الرجال لعقود، ذاكرة أن التغير الاجتماعى بطيء للغاية، والواقع يستدعى تدخل القيادة السياسية لإحداث التغيير.. نعرض منه ما يلى.أتت مبادرات تمكين المرأة فى الكويت، فى معظمها، بقرار سياسى أو مـشاريع قوانين حكومية فتحت لها باب المشاركة فى كثير من قطاعات العمل التى احتكرها الرجـل لسنوات، فنالت حقوقها السياسية كاملة ودخلت البرلمان والوزارة والمجالس البلدية، وبقرار سياسى أخير، شاركت المرأة فى سلك الشرطة وعملت وكيلة للنيابة وأخيرا عُينت قاضية فى محاكم الكويت.
لا تعانى المـرأة الخـليجية عـامةً، والكويتية على وجه الخصوص، فقط مــن متلازمة «السقف الزجاجي» الذى تعانى مـنه جـميع نـساء الـعالـم والـذى يـحول دون وصـولهن إلـى المـراكـز الـقياديـة حــتى مــع توفـر الجدارة والكفاءة المطلوبتين لــدى المـرأة، وإنما تعانى أيضا، مـن متلازمة «الـصندوق الزجاجي« الـذى تـفصلها جـدرانـه وسـقفه عـن كـثير مـن الـحقوق والاسـتحقاقات بوصفها مواطنا أولا وعضوا مؤهـلا وفاعلا فى المـجتمع ثانـيا.
يأتى فى مقدمة جدران هذا الصندوق، الجدار العائلى الذى يفصل بينها وبين إخوانها الذكور ممن تكون لهم فـــى الأغـــلب الأولـويـة فـى جـميع أمـور الـحياة الأسـريـة. أما الجـدار الـثانـى فهـو الاجـتماعـى وهو يـفصل بـينها وبـين كـثير من الامتيازات الاجتماعــية التى يتمتع بها أقرانها الذكور، كالتجمعات المعروفة فى الكويت بالديوانيات وهى حكر على الذكور. الجدار الاجتماعى يمنع الكويتيات، فى الغالب، من المشاركة فى رحلات الصيد البرية والبحرية والتى تقتصر عادةً على الذكور، وغيرهــا من المناسبات الاجتماعـية التى يحظى الرجل من خلالها بالتواصل والتشـبيك مع متخــذى الــقرار والجــماعــات المــؤثــرة فــى المــجتمع.
تــــفصل بــــقية جــــدران الصندوق الزجاجى المرأة عــــن الانخــــراط فــــى الــــتنظيمات الــــسياســــية والــــنقابـية التى تكاد تخلو إداراتها وهـياكلها مـن النساء، وخاصةً تلك التنظيمات والنقابات ذات التوجهات المحافـــظة. وأخـــيرا هناك الـــسقف الـــزجـــاجـــى وهو أكـــثرهـــا وضـــوحـــا وهـــو يـــمثل الـــعائـــق الأكـــبر لـــوصـــول المـــرأة إلـى المناصـــب الـقياديـــة ومراكز اتخاذ القرار سواء فى المنظمات الحكومية أو الشركات العامة والخاصة.
لـن تـتمكن المرأة مــن كســر هــذا الــصندوق أو الخــروج مــنه بــجهود مــنفردة أو بــمساعــدة مجــموعــات صــغيرة تــؤيــد حــقوقــها. فــى أغــلب الأحــيان لابــد مــن اللجوء إلــى الــقرار الــسياســى الــداعــم مــن أعــلى ســـلطة فـــى الـــدولـــة لكســـره ولتمكين المـرأة. هـــذا مـــا يحدث فـــى الكويـــت، على الرغـــم مـما يتميز به مـجتمع الكويت مـن انـفتاح نسـبى عـن كـثير مـن مـجتمعات الخليج، ولـكنها تـلك الـثقافـة الـذكـوريـة المتجـذرة فـى المجتمع والتى يصعب تجاوزها خلال عقود قليلة.
نـاضـلت المـرأة الـكويـتية ثـلاثـين عـامـا لـنيل حـقوقـها الـسياسـية، وقـدم المـتعاطـفون والمـؤمـنون بـحقها مــن نــواب الــشعب الــعديــد مــن مقترحات القوانين لمــنحها هــذا الــحق فــى الأعوام 1973 و1985 و1986 و1999، ولـكن، جـميع هـذه المـحاولات رفـضها الـبرلمـان، الذى يـمثل جـميع فـــئات الـــشعب، نـــساءً ورجـــالا، لـــذا أضـربـت خـمسمائة امرأة عـن العمل فى عام 1996 لمدة ساعة دعـما لحقوق المرأة. كما توجهت أفــــواج مــــن الـنساء فــى بـدايــــة فـبرايـر عــــام 2003 إلـى إدارات الـتسجيل فـى مـراكـز الشـرطـة فـى المـناطـق الانـتخابـية فى محاولـة لإظـهار الـتضامـن، ولـكن كـــل هـــذه الـضغوط والمحاولات لـم تحقق هدفها، ولـم تُـقر الحقوق السياسية الكاملة للمرأة انتخابا وترشحا إلاّ فى 16 مايو 2005 بتدخل مباشر من أمير البلاد آنــذاك الــشيخ جـابـر الأحمد الـصباح، حــيث قــدمـت الحكومــة مشـروعَ قانــون لتغيير المــادة الأولى من قانون الانـتخاب. وبـضغوط سـياسـية وتحـرك فـعال مـن قـبل رئـيس الـوزراء آنـذاك الـشيخ صـباح الأحـمد الـصباح ــ أُقر مقترح القانون، وعينت أول وزيـــرة فـــى الـــدولـــة.
دخلت المـــرأة الـــبرلمـــان لأول مرة فى عـــام 2009 بــانــتخاب أربــع نائـبات، ولــكن هــذا الــعدد أخــذ فــى الــتناقــص حــتى وصــل إلــى نــائــبة واحــدة فــى مجــلس 2016، ويخلو المجلس الحالى، بعد 16 عاما من إقرار القانون، من أى تمثيل للنساء. كـما تـناقـص عـدد الـوزيـرات إلـى واحـدة فـى الـحكومـة الـحالـية، وهـو تـمثيل رمـزى أو هو «ديـكور سياسـى» لـرفـع العتب عـــن الحكومـــة.
لـم يكن حـظ الكويتية فى تقلد المـناصـب القيادية ومراكز اتخاذ القرار الأخرى بأفضل من حظها فــى الــبرلمــان والــحكومــة، فــلا يزال تــمثيل المــرأة فــى هــذه المــراكــز يــقل إلــى الحــد الأدنــى، ســواء فــى المنظمات الحكومـية أو الشــركــات الــعامــة أو حــتى فــى الــقطاع الــخاص، حــيث لــم تــتعدَ هــذه النســبة فــى المــتوســط 13 فى المئة فــى أحــسن الأحــوال، عــلى الــرغــم مــما تــمثله المـــرأة مـــن أغـــلبية عـــدديـــة مـــشهودة فـــى الـــجامـــعات والمـــعاهـــد الـــعليا بنســـب تـــصل إلـــى 75 فى المئة مـــن الـــتعداد الـــطلابـــى، كـــما تـــرتـــفع نســـبة مـــساهـــمتها فـــى ســـوق الـــعمل إلـــى 63 فى المئة مـــن إجـــمالـــى الــعاملين فــى الــقطاع الــحكومــى و50 فى المئة مــن الــكويــتيين الــعامــلين فــى الــقطاع الــخاص. وعــلى الــرغــم مــن مـصادقـات الـكويـت كـدولـة عـلى مـعظم الاتـفاقـيات الـدولـية الـتى تـنص عـلى تـمكين المـرأة كـاتـفاقـية الأمم المتحدة (سـيداو) فى عام 1979، وكـذلـك تـبنى الدولة الهـدف الخامــس مـن وثــيقة الأمـم المتحــدة لـلتنمية المستدامة والـقاضـــــى بـرفع نسـب مشاركة المـرأة فى المـناصـب القياديـــــة إلـى 30 فى المئة، إضافة إلى تبنى اســتراتــيجية الكويــت لــلعام 2035 هــدفا واضــحا بــاعــتماد تــمكين المــرأة إلــى جــانــب الــرجــل لــلوفــاء بخــطط التنمية الطموح.
كــل ذلــك كــان لــه أثــر بــسيط فــى تــحقيق تــمكين المــرأة، فالــواقــع يـــبّين أن التغيير الاجتماعـــى لإحداث هـــذا الأثـر يـــتسم بـــالـــبطء خـــاصـــة مـــع زيـــادة التحـــديـــات والمعيقـــات لـتقدم المـرأة، لـذا يبدو أن القرار السياسى هو الذى يترك الأثر الجوهرى المطلوب لتمكين المرأة. تدخل الـقرار الـسياسـى، على سبيل المثال، إيـجابـيا لـفتح المـجال لـلمرأة لـلانخـراط فـى سـلك الشــرطــة فــى نــوفـمبر 2008، والانــضمام إلــى ســلك الــقضاء كــوكــيلة نــيابــة عــام 2014، ثـم تـوج الــقرار الـسياسـى الأخـير فـى يـولـيو 2020 مـسيرة المـرأة بـتعيين ثـمانى سـيدات قاضـيات فـى مـحاكـم الـكويـت لأول مــرة، لا شــك أنــها خــطوة جــبارة حــطمت عــددا مــن جــدران ذلــك الــصندوق الــذى أحــاط بــالمــرأة وعطل تقدمها على الرغم مما تمتلكه من الكفاءة والقدرة.
وأخــيرا، لا يزال الـدرب طـويـلا والـتغيير فـى الـوعـى والـثقافـة المـجتمعية بـطيئا، ولـكن عـزيـمة الـنساء قـويـة، ودعـم الـقرار الــسياســى مطلوب لتغيير هــذا الواقع فــى مجتمعاتــنا التى لن تحقق تــنمية حقيقية إلاّ بمشاركــة المرأة المؤهلة فى بناء مجتمعاتها إلى جانب الرجل.
النص الأصلى: