ها هى مدينة نيويورك مرة أخرى تجمع الزعماء والرؤساء من كل ناصية فى الكون.. تأتى بهم لترسم لهم صورة للعالم كما هى.. صورة غير مزينة بألوان الطيف ولا مطرزة بنقوش التجميل ولا هى مغلفة بورق السوليفان.. صورة بالأبيض والأسود تحكى قصصا لأناس هم ليسوا على خارطة الكون لأيام طويلة من العام.. لأناس أحيانا تختفى ملامحهم فى زحمة الطرقات المكتظة.. يبدون جميعا وكأنهم فقدوا هوياتهم وأسماءهم وأصبحوا لا يحملون سوى رقم.. الرقم هو من يجعلهم على خارطة اجتماعات هؤلاء الزعماء..
يلتقى الزعماء فى نيويورك ليتذكروا أو ليذكروهم بوعودهم التى كانت قبل عشر سنوات.. وعود كثرة حتى ضحك البعض حد القهقهة وتحدى بعض المتهكمين قائلين انتظروا حتى العام 2015 وستجدون أن فقراء الكون وعاطليه وجياعه وغير متعلميه ومرضاه كلهم قد تكاثروا بالملايين فيما انتم لا تزالون تضعون الفاصلة قبل الكلمة وتنهوا الجمل ببعض اللباقة المعتادة.. ولكن بقى هناك بعض الحالمين أو ربما زارعى الأمل لتحصد ثمرة أجيال قادمة.. هؤلاء ممن حضنوا الحلم وأخفوه بين أضلعهم خوفا من هروبه هم من لا يكل ولا يتعب.. يعيد تكرار الوعد، يأتى بالأرقام والإحصائيات يحلل من هنا وهناك يبحث عن بصيص أمل ينقشه بين ثنايا التقارير كثيرة السواد.. يبعث النور من وسط الظلام.. يضىء أول الدرب وآخره ويرسم خط سير كلما حاد الركب واعوج عاد حامل شعلة الأمل ذاك ليعيد القافلة إلى الطريق حتى لا يتعذر احدهم أو ربما يصوغ الحجج ويكرر «لأننا غير قادرين» يلقى التهم على الآخرين وحتى ربما على أولئك حاملى الوجوه المتعبة يلومهم على جهلهم ومرضهم وعجزهم!
فى قمتهم هذه لا وقت للتفكير فى الأعذار.. الوقت يمضى سريعا والعد التنازلى للخمس سنوات القادمة لا يسمح بأن يكرروا نفس تلك الأقاويل حتى لا نقول أعذارا.. الفقر لا يزال ينهش مدنكم وقراكم، ينخر عظام الجياع أصلا.. وطوابير العاطلين تزداد، يهرب إليها حتى أولئك الذين كانوا قبل الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة قادرين على توفير كسرة خبز يغمسها أطفالهم بالماء الحاف!!
ولا حديث عن المرض، هو أيضا احد أهداف ذاك التعهد الذى قطعه زعماء العالم على أنفسهم.. المرض الذى أصبح بعضه أكثر قربا من حبة الأرز لفم جائع.. هو الهدف الخامس، قالوا من بين ثمانية أهداف تعهد رؤساء حكومات ودول العالم أن يعملوا معا على محاربتها أو تخفيفها إلى النصف.. هم قادرون.. قال لهم أولئك الذين جاءوهم بالخبر اليقين.. الأرقام هى الحكم الأول وهى أيضا الأخير.. من بين الثمانية أهداف (الفقر، والجوع، والبطالة، والتعليم، والمساواة، والخفض من معدل وفيات الأطفال، وتحسين صحة الأم، ومكافحة الأمراض المستعصية، والمحافظة على البيئة، والشراكة) هناك الكثير مما يمكن أن يكون لتصبح صرخة آلامهم اقل فى عالم كثر فقراؤه عددا وأغنياؤه ثراء.. عالم أصبحت فيه الدول إما فاحشة الثراء أو شديدة الفقر.. عالم لم يفهم بعد أن هذا وذاك إذا ما تجاورا بعض الوقت وتعايشا إلا أنهما وفى يوم ما سيزحف فقراء إلى واحات الأغنياء!! هذا ما قاله التاريخ مرارا وتكرارا..
وهناك أيضا فى نيويورك سيقال لهم ليس فقط عليكم أن تفوا بوعدكم بل عليكم أن تعملوا معا لأننا فى كوكب واحد، قصرت فيه المسافات حتى أصبح كالقرية.. وتلاصقت فيه الأجساد رغم الأسوار والحواجز.. سيقال لأولئك الذين فاضت خزائنهم بأن عليكم أيضا أن تقفوا مع تلك المرأة الواقفة فى الصحراء الأفريقية حاملة طفلها الرضيع تبحث له عن قطرة ماء بعد أن تصحرت حدائق الكون أو فاضت الأنهار فلا زرع لهم ولا حصاد!!!
هناك فيما تصطف الصور واحدة تلو الأخرى.. لنساء ورجال وشباب وشيوخ وأطفال تلونت حسب قربها أو بعدها عن الشمس.. هى وجوه تصرخ فيهم وهم ينتقلون من قاعة إلى أخرى ومن مطعم إلى آخر.. تنطق فتصبح الصور أكثر حياة من حياتهم هى التى لا تبعد عن الموت سوى خطوة واحدة.. هم سكان الكون الأكثر، هم الأحق ببعض من تعبنا.. بكثير من أموالنا وسياساتنا التى لا تزيدهم عوزا بل تساعدهم على الخروج من العوز.. سياسات لا ترى إلا من ثقب إبرة.
سيجتمع قادة العالم إذن خلال هذين اليومين ليتهم يتذكرون من هم هناك وعلهم أيضا لا ينسون أنهم وقبل عشر سنوات قد وعدوا وما أكثر وعودهم إلا أن هذه الوعود ممكنة.. بعضهم سيقول لبعضهم الآخر إنها ليست عصية ولا مستحيلة.. وربما تذكرهم تلك الأصوات القادمة من أزقة الأرض المكتظة بالأجساد أن هذه الأرض قد تعبت من التعب والصراخ فى فضاءات الكون علهم يسمعون.. ربما وفيما هم يقفون أمام الكاميرات ويدلون بالتصاريح أن عليهم قبل كل ذلك أن يعودوا إلى أوطانهم محملين بالأمل لشعوب هى ملح موائدهم!