إبادة المنازل.. أحد أشكال الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بغزة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:11 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إبادة المنازل.. أحد أشكال الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بغزة

نشر فى : الثلاثاء 23 يناير 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يناير 2024 - 7:50 م

نشرت جريدة القدس الفلسطينية مقالا للكاتب ماهر الشريف، يشير فيه إلى استهداف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منازل الفلسطينيين بذارئع واهية لإجبارهم على التهجير وحرمانهم من حقهم فى تقرير المصير. لكن، وللأسف، لا يعرف القانون الدولى «إبادة المنازل» كجريمة ضد إنسانية أو ضمن أفعال الإبادة الجماعية... نعرض من المقال ما يلى.
فى حربها ضد الشعب الفلسطينى، لجأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وخصوصا منذ مطلع هذه الألفية الثالثة، إلى جميع أشكال الإبادة.
فقبل أن تتقدم حكومة جنوب إفريقيا، أخيرا، بدعواها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، متهمة إياها بارتكاب أعمال إبادة جماعية فى حربها على الفلسطينيين فى قطاع غزة، كان قد برز، منذ سبعينيات القرن العشرين، مصطلح «الإبادة السياسية»، الذى لجأ إليه عالم الاجتماع النقدى الإسرائيلى باروخ كيمرلينج، فى كتاب أصدره فى سنة 2003 بعنوان: «إبادة سياسية: حروب أرييل شارون ضد الشعب الفلسطينى»، متهما حكومة بلده بتنفيذ «مجموعة واسعة من الأنشطة الاجتماعية والسياسية والعسكرية»، التى تهدف إلى «وضع حد للوجود السياسى والقومى» للشعب الفلسطينى، وبالتالى إنكار «حقه فى تقرير المصير».
• • •
منذ احتلالها الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة فى سنة 1967، لجأت الحكومات الإسرائيلية إلى هدم منازل الفلسطينيين بذرائع مختلفة؛ فهى هدمت منازل مقاومين بذريعة أنهم استهدفوا بعملياتهم جنود الاحتلال ومستوطنيه، ومنازل مواطنين بذريعة أنهم بنوها من دون الحصول على تصريح من سلطات الاحتلال، ومنازل مقدسيين بذريعة أن يهودا كانوا «يمتلكونها قبل سنة 1948»... إلخ.
وفى حروبها المتوالية على قطاع غزة، منذ أواخر سنة 2008، دمرت القوات الإسرائيلية، بذرائع واهية، عشرات آلاف المنازل، أو ألحقت أضرارا كبيرة بها. بيد أن الحجم الحالى للدمار فى قطاع غزة هو من نوع مختلف، ذلك أن حكومة بنيامين نتنياهو استهدفت على نطاق واسع، خلال الحرب التى تشنها منذ أكثر من مائة يوم على قطاع غزة، منازل الفلسطينيين، وذلك بهدف واضح هو جعله غير صالح للسكن، ودفع سكانه إلى الهجرة منه. وأمام حجم الدمار الذى لحق بالوحدات السكنية فيه، برز مصطلح «إبادة المنازل» (domicide) فى كتابات المحللين وتقارير الخبراء الذين تابعوا أحداث هذه الحرب.
وفى يوليو 2022، لجأ بالاكريشنان راجاجوبال، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بالحق فى السكن اللائق، إلى هذا المصطلح للإشارة إلى «التدمير الواسع النطاق أو المنهجى لمساكن المدنيين أثناء النزاعات».
وأوضح، فى تقرير قدمه، فى أكتوبر من العام نفسه، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد زيارته الضفة الغربية المحتلة: «رأيت كيف يتم فى ثوانٍ معدودة تدمير منزل، وهو تتويج لجهد مدى الحياة، وفخر لعائلات بأكملها، وتحويله إلى أنقاض؛ إنه ليس مجرد منزل تم تدميره، بل هو أيضا مدخرات عائلات بأكملها، والذكريات، والشعور بالانتماء إلى مكان ما؛ إن تدمير المنزل يسبب صدمة اجتماعية ونفسية يصعب على وصفها أو حتى تخيلها».
وفى 13 فبراير 2023، دعا بالاكريشنان راجاجوبال، فى تقرير مشترك أعده مع فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وبولا جافيريا بيتانكور، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للمشردين داخليا، بتفويض من مجلس حقوق الإنسان، «إلى محاسبة إسرائيل على هدمها المتعمد والممنهج لمنازل الفلسطينيين»، وأضافوا أن إسرائيل «تقوم بهدم منازل الفلسطينيين وتحرمهم من تصاريح البناء بشكل منهجى فى الضفة الغربية، بينما تقوم أيضا بإقامة مستوطنات غير شرعية»، معتبرين «أن التكتيكات الإسرائيلية المتمثلة فى التهجير القسرى للسكان الفلسطينيين وطردهم لا حدود لها»، وأن «الهجمات المباشرة على منازل الشعب الفلسطينى ومدارسه ومصادر رزقه وموارده المائية ليست سوى محاولات إسرائيلية للحد من حق الفلسطينيين فى تقرير المصير وتهديد وجودهم».

الحرب الإسرائيلية على غزة

بحلول يوم 29 من الشهر نفسه، وهو تاريخ بداية وقف إطلاق النار المؤقت الذى تم التخلى عنه فيما بعد، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن 98 ألف مبنى قد تضررت فى القطاع، ثم ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، فى أواخر ديسمبر من العام نفسه، أن 70% من المنازل، ونحو نصف المبانى فى قطاع غزة، تضررت أو دمرت، وهو «دمار لا مثيل له فى حروب المدن الحديثة»، ذلك أن إزالة الأنقاض «ستستغرق سنة على الأقل»، بينما يستغرق إعادة بناء المنازل المدمرة «ما بين سبع وعشر سنوات».
ورأى هيو لوفات من «المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية» أن إسرائيل «تدمر عمدا وبصورة منهجية المؤسسات المدنية والبنية التحتية التى ستكون ضرورية لحكم غزة وتحقيق الاستقرار فيها بعد الصراع». كما كشفت صور الأقمار الصناعية «عن محو أحياء بأكملها فى غزة من على وجه الأرض، بما فى ذلك حى الكرامة فى الجزء الشمالى من مدينة غزة، وأجزاء واسعة من مخيم جباليا للاجئين، وبلدة بيت حانون فى الجزء الشمالى الشرقى من القطاع، وعن تدمير البساتين والدفيئات الزراعية والأراضى الزراعية فى شمال غزة، وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»: «فى شمال شرق غزة، شمال بيت حانون، أصبحت الأراضى الزراعية الخضراء بنية اللون ومقفرة، وتعرضت الحقول والبساتين للأضرار لأول مرة خلال الأعمال القتالية التى أعقبت الغزو البرى الإسرائيلى فى أواخر أكتوبر، وقامت الجرافات بحفر طرق جديدة أمام المركبات العسكرية الإسرائيلية».

هل يمكن أن تصبح «إبادة المنازل» جريمة دولية متميزة؟

إن عدد سكان قطاع غزة الذين لم يعد لديهم منازل يسكنونها يصل إلى مئات الآلاف اليوم. وفى الواقع، فإن كلمة «المنزل» لا تقتصر، فى لغات عديدة، على مكان السكن، بل تشمل كل ما يحيط بهذا المكان من أمن، وراحة، وحصول على ماء وكهرباء، بحيث يتسبب تدمير المنزل فى حرمان صاحبه من إمكانية الوصول إلى جميع أسباب الحياة اللائقة هذه، وينطوى على جانب نفسى مؤلم للشخص الذى يعيش فيه.
ومع ذلك، فإن مصطلح «إبادة المنازل» لا وجود له فى القانون الدولى وليس له تعريف واضح، وهو لا يعتبر جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، ولا يندرج ضمن أفعال الإبادة الجماعية، وهو ما يخلق «فجوة» فى القانون الدولى. ولهذا، طالب عدد من الخبراء، ومنهم بالاكريشنان راجاجوبال، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعنى بالسكن اللائق، بخلق جريمة جديدة فى القانون الدولى، هى جريمة «إبادة المنازل» أو «قتل المنازل»، إذ وجه، فى نوفمبر 2022، نداء إلى الأمم المتحدة «لاعتبار إبادة المنازل جريمة دولية فى حد ذاتها، أو الجريمة الدولية الخامسة بعد جريمة العدوان، وجريمة الإبادة الجماعية، وجريمة الحرب، والجريمة ضد الإنسانية، التى يمكن محاكمتها أمام المحاكم الوطنية والدولية».
وبعد قيام إسرائيل بشن حربها على قطاع غزة، أشار إلى أن أعمال إسرائيل الحربية «تدمر وتلحق الضرر بصورة منهجية بمنازل المدنيين والبنية التحتية، مما يجعل مدينة بأكملها ــ مثل مدينة غزة ــ غير صالحة للسكن بالنسبة للمدنيين»، وذلك «على الرغم من أن حماية منازل المدنيين مشمولة فى نظام روما الأساسى الذى أنشأ المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب المرتكبة فى النزاعات بين الدول»، ودعا «البلدان التى تعارض ما يجرى فى غزة، مثل إفريقيا الجنوبية وإسبانيا، إلى فعل ما فعلوه تماما فى مجال المجاعة لسد هذه الفجوة، وضمان إمكانية محاكمة مرتكبى أعمال التدمير الشامل للمساكن فى غزة»، ملاحظا أن التدمير واسع النطاق للمنازل فى غزة «ليس نتيجة عرضية للحرب، بل هو هدف فى حد ذاته، وذلك استنادا إلى الحقائق وكلمات القادة الإسرائيليين».
تجدر الإشارة فى هذا السياق إلى أن حكومة جنوب أفريقيا ذكرت، فى دعواها التى اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب أفعال إبادة جماعية، أن «هناك قدرا هائلا من المنازل المدمرة فى قطاع غزة، وأن هذا قد يفى بالتالى بالمعيار الثالث من معايير الإبادة الجماعية، المتمثل فى إخضاع الجماعة المتعمد لظروف معيشية يقصد بها أن تؤدى إلى تدميرها المادى كليا أو جزئيا».
حول جيش الاحتلال غزة إلى «خربة»! «مشارح مكتظة بالعائلات المكلومة، وسكان مرهقون ومذعورون، وأحياء تحولت إلى غبار، ونظام صحى راكع على ركبتيه»؛ هكذا وصفت صحيفة «لوماتان» الفرنسية، فى عددها الصادر فى 11 يناير الحالى، الأوضاع فى قطاع غزة، بعد مائة يوم على الحرب التدميرية التى تشنها إسرائيل عليه».

النص الأصلي

التعليقات