يبلغ عدد منشآت القطاع غير الرسمى مليونى منشأة تمثل 53% من إجمالى عدد المنشآت الاقتصادية فى مصر، بينما يقدر عدد المشتغلين بمنشآت القطاع الخاص غير الرسمى بـ4 ملايين شخص، حسب نتائج التعداد الاقتصادى لعام 2018 لجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
هؤلاء الـ4 ملايين مشتغل يعملون دون عقد عمل رسمى، أو لا يحصلون على نظام تأمين صحى أو تأمينات اجتماعية/معاش (يعتمدون على الأولاد عند الكبر من ثم ترتفع معدلات الإنجاب وتسوء المشكلة السكانية)، كما أنهم لا يساهمون فى النظام الضريبى ويمكن إنهاء خدماتهم فى أى لحظة دون الامتثال لقانون العمل، وهم أكثر عرضة للسقوط فى دائرة الفقر عند الأزمات الاقتصادية وارتفاع البطالة.
وعلى الرغم من محاولات الدولة فى تقديم حوافز وإعفاءات ضريبية للمشتغلين فى الاقتصاد غير الرسمى، لكن ظل الخوف من الرسوم والضرائب قائما.
بدون شك أن أزمة الكورونا واحدة من أصعب الأزمات الاقتصادية التى مر بها العالم، وأظهرت الجائحة أن هناك حاجة لتطوير برامج الحماية الاجتماعية (مثل بطاقة تموين وتكافل وكرامة وغيرها من البرامج)، التى تستخدمها الحكومة للقضاء على الفقر حتى تلائم الظروف الاقتصادية الجديدة التى فرضتها الجائحة، كما دفعت الدولة 500 جنيه شهريا للعمالة غير المنتظمة فى ظل أزمة كورونا، وهنا السؤال الذى يطرح نفسه: ألا يمكننا البناء على ذلك وتطوير الفكرة حتى تتحول لجزء ثابت من نظام الرعاية الاجتماعية وتعمل بشكل تلقائى فى أوقات الأزمات، وهذا ما يطلق عليه صندوق النقد الدولى، أدوات الضبط التلقائى للاقتصاد Automatic Stabilizers التى من دورها أن تكسب الاقتصاديات مزيدا من الصلابة أمام نوبات التراجع الاقتصادى.
فى ضوء هذه المُسلَمات، فى رأيى يمكننا أن نبتكر نظاما ضريبيا غير تقليدى يشجع المشتغلين أكثر على الدخول فى الاقتصاد الرسمى طوعيا، ويفيد الدولة وينظم العمل تحت مظلة القوانين، فإذا وجد المشتغل فائدة مباشرة تعود عليه من الدخول فى القطاع الرسمى مثل الحماية من العوز فى نوبات الهبوط الاقتصادى سيتشجع على الدخول فى الاقتصاد الرسمى.
لدى هنا اقتراح غير تقليدى للنقاش هو نظام ضريبة الدخل السالبة Negative Income Tax، هى فكرة اقتراحها الاقتصادى المعروف ملتون فريدمان الحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد، وأيدها العديد من الاقتصاديين مثل دران اسيموجلو وغيره للقضاء على الفقر فى أمريكا، هى سياسة ضريبة مطبقة فى الولايات المتحدة تحت اسم Tax Credit أو الاسترداد الضريبى لمحدودى الدخل، ولكنها قد تكون أكثر أهمية وإفادة فى حالة المجتمع المصرى عن الأمريكى.
عزيزى القارئ أرجو منك قراءة الفكرة حتى النهاية، والتى تتلخص فى رد مبلغ محدد من الخصومات أو البدلات إلى دافعى الضرائب فى حالة انخفاض الدخل السنوى عن مستوى معين، ليعادل هذا المستوى حد الإعفاء من ضريبة الدخل (15 ألف جنيه).
على سبيل المثال، ليكن لكل ممول لضريبة الدخل رصيد بـ15 ألف جنيه سنويا عند مصلحة الضرائب، ولتكن ضريبة الدخل على الأكثر احتياجا تساوى سالب 40%، فإذا كان أجر العامل السنوى 12 ألف جنيه (ألف جنيه شهريا)، يتطبق عليه نظام الضريبة السالبة، بحيث يسترد مبلغا يعادل الفرق بين أجره السنوى (12 ألف جنيه)، وحد الإعفاء الضريبى السنوى (15 ألف جنيه) مضروبا فى 40% ضريبة الدخل السالبة، وبالتالى يتحصل الفرد على 1.200 جنيه من مصلحة الضرائب لتحسين مستوى معيشته.
أما فى حالة خسارة العامل لوظيفته فى أوقات الأزمات الاقتصادية فتتطبق عليه فكرة الضريبة السالبة بحيث يسترد قيمة 40% من رصيده الضريبى (15 ألف جنيه)، فيحصل على 6 آلاف جنيه من مصلحة الضرائب أى 500 جنيه شهريا، ما يعادل قيمة المنحة التى صرفتها الحكومة للعمالة غير المنتظمة فى الأزمة، ويتم الاستمرار بالنظام التقليدى لمن يزيد أجره عن حد الإعفاء، على أن يستفيد المشتغل من نظام الضريبة السالبة بعد سنة أو اثنتين من انضمامه للاقتصاد الرسمى.
فوائد تلك السياسة، أولا تشجيع الأفراد على الانضمام للقطاع الرسمى، خاصة أن المشتغل فى القطاع غير الرسمى يجد فائدة مباشرة تعود عليه من الانضمام لنظام ضريبى يحميه ويستره من الفقر المدقع إذا فقد وظيفته؛ ثانيا فائدة على الدولة، بتنظيم القطاع غير الرسمى بشكل قانونى واستفادة المالية العامة فى الدولة من انضمام ممولين جدد لضريبة الدخل من ثم يستخدم التمويل الجديد لتمويل الضريبة السالبة أو من برامج رعاية اجتماعية أخرى أقل فعالية، ثالثا توفير حد أدنى من الدخل وتخلص من الفقر المدقع حيث إن 500 جنيه شهريا تزيد عن خط الفقر المدقع.
رابعا، تغيير نظرة المجتمع نحو الضرائب، بحيث إن الضرائب ليست فقط لتحصيل الأموال من الأفراد، ولكن أيضا لمساعدة وقت الاحتياج، خامسا مبلغ الـ500 جنيه شهريا والذى يمثل حدا أقصى للضريبة السالبة هو مبلغ صغير لا يدفع الناس إلى التكاسل عن العمل أو عدم البحث عن وظيفة ولكن فقط يكفى لسد احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب، وهذا اقتراح من خارج الصندوق أضعه تحت تصرف وزارة المالية لدراسة والتفكير.
أتذكر جيدا عند ولادة ابنى حسن فى ألمانيا اثناء دراستى الدكتوراه، كان أول رسالة استلمتها من الحكومة ألمانية بعد أسبوعين من ولادته هى رقمه الضريبى فى الدولة!
* أستاذ الاقتصاد المساعد وزميل بحوث بمنتدى البحوث الاقتصادية
Twitter: @ahmshoukry