الأعداء الكُثر لحركة فتح - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 5:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأعداء الكُثر لحركة فتح

نشر فى : السبت 23 سبتمبر 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : السبت 23 سبتمبر 2023 - 8:45 م
نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب مايكل يونج، تناول فيه التحديات الداخلية والخارجية التى تواجهها منظمة التحرير الفلسطينية، سواء من جانب أمريكا وحلفائها أو إيران وحلفائها، فى ظل تأزم الأوضاع السياسية الفلسطينية... نعرض من المقال ما يلى:

إن منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح اليوم محاطتان بالأعداء. والمُربك أن هؤلاء الخصوم يكنّون العداء لبعضهم البعض. من جهة، تقف بعض الدول العربية وإسرائيل التى أبرمت، بدعمٍ من الولايات المتحدة، اتفاقات سلام أو تدرس إمكانية ذلك، بغضّ النظر عن كيفية تأثير هذه الخطوة على الفلسطينيين. ومن جهة أخرى، تقف إيران، وإلى جانبها حلفاؤها أو وكلاؤها، حزب الله وحماس والجهاد الإسلامى والمجموعات المسلّحة فى العراق واليمن، التى تعتبر أن نسج روابط بين الدول العربية وإسرائيل يشكّل تهديدًا استراتيجيًا، وتسعى بالتالى إلى تشكيل ائتلاف من القوى المعارضة للتطبيع لمواجهة هذه الديناميكيات. أما حركة فتح فهى عالقة فى قلب هذه المعمعة، وقد بدأت تتكبّد خسائر لصالح الطرفَين.
بالفعل، يبدو أن التشنّجات المتواصلة فى مخيم عين الحلوة الذى يُعدّ أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين فى لبنان، مرتبطة بشكل وثيق بهذا التطور. لقد نفى كلٌّ من حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامى أى ضلوع فى الاشتباكات الدائرة منذ أسابيع فى المخيم بين فتح ومجموعات مسلّحة إسلامية أصغر، حتى إن حماس والجهاد الإسلامى أصدرتا بيانًا مشتركًا للتنديد بهذه الأحداث. لكن الاستنتاج الأكثر واقعيةً هو أن حلفاء إيران يحاولون بشكل غير مباشر الحدّ من هيمنة فتح فى المخيمات الفلسطينية فى لبنان، فى ظل الوضع المأزوم الذى تعيشه السلطة الفلسطينية والمعركة قيد التشكّل حول خلافة عباس.
فى هذا السياق، ترى إيران وحلفاؤها أن بإمكانها تحقيق فائدة كبرى من تعزيز نفوذها فى أوساط فلسطينيى الشتات، الذين لا تزال حركة فتح تتمتّع بشعبية كبيرة لديهم. ففى لبنان، من شأن ذلك أن يمنح حزب الله هامش مناورة أكبر لاستهداف إسرائيل، وسط حديثه عن «وحدة الساحات وترابط الجبهات» ضدّ العمليات التى تنفذّها القوات العسكرية وقوات الشرطة الإسرائيلية، وأن يتيح له أيضًا درجة من الإنكار.
يدرك حزب الله المخاطر التى تنطوى عليها هذه الاستراتيجية، والتى قد تؤدّى إلى إطلاق شرارة حريق أوسع يدمّر لبنان. ولكن ذلك لن يدفعه إلا إلى تغيير تكتيكاته فقط لا غير. وهكذا يجب على جميع مَن اعتقدوا أن الاتفاق الذى جرى التوصل إليه قبل عام حول الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سيقود إلى التهدئة فى الجنوب، أن يعيدوا النظر إزاء هذا الواقع. يريد حزب الله أن يضمن قدرة لبنان على الاستفادة من احتياطياته من النفط والغاز، فى حال ثبُت وجودها فعلًا، ولكنه يبحث عن طرق بديلة للاستمرار فى ممارسة الضغوط على إسرائيل من دون أن يؤدّى ذلك بالضرورة إلى وقوع نزاع مباشر.
فى الجانب الآخر من المعادلة، تسعى إسرائيل إلى دفن المشكلة الفلسطينية بصورة دائمة، فيما تُظهر الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية تناقضًا فى علاقاتها مع الفلسطينيين. لقد أكّد الكثير من هذه الدول تكرارًا دعمه للحقوق الفلسطينية، فيما يتجاهلها فى سياساته. أما بالنسبة إلى الأمريكيين، فقد أعادت إدارة بايدن فتح القنصلية الأمريكية فى القدس بعد أن أغلقها دونالد ترامب، علمًا بأنها غيّرت اسمها ليصبح مكتب الشئون الفلسطينية. وعمدت واشنطن أيضًا إلى زيادة التمويل للأونروا، أى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى. ولكن سعيها للتوصّل إلى اتفاقات سلام منفصلة بين الدول العربية وإسرائيل، وآخرها مع السعودية، لا يسهم إلا فى تصدّع الدعم السياسى الإقليمى للفلسطينيين.
لقد أظهرت الولايات المتحدة، فى مرحلة ما بعد أوسلو، أنها تدرك أن منح اللاجئين الفلسطينيين حق العودة إلى ما كان ديارهم فى العام 1948 يشكّل تهديدًا ديمغرافيًا لإسرائيل. فى ديسمبر 2000، ورد فى مقترحات السلام الإسرائيلى الفلسطينى التى قدّمها الرئيس الأمريكى آنذاك بيل كلينتون أن الفلسطينيين بإمكانهم العودة إلى ديارهم، أى الأراضى المحتلة التى أعادتها إسرائيل إليهم، ولكن «ليس هناك حق محدّد فى العودة إلى إسرائيل نفسها». وجاء فى الاقتراح: «تستطيع إسرائيل أن تشير.. إلى أنها تعتزم اعتماد سياسة يتم بموجبها استيعاب بعض اللاجئين فى إسرائيل بما يتفق مع قرار إسرائيل السيادى»، ما عنى على الأرجح أنه لن يُسمَح لأحد تقريبًا بالعودة. ومن البدائل التى طُرِحت فيما يتعلق باللاجئين «إعادة تأهيلـهم فى الدولة المضيفة».
نقضت مقترحات كلينتون، التى جاءت نتيجة سنوات من التفكير الأمريكى فى مشكلة اللاجئين، التى هى بمثابة القلب النابض للقضية الفلسطينية، قرار الجمعية العامة 194 الذى ترك للاجئين أنفسهم خيار العودة أو الحصول على تعويضات. ولكن فى مسعى لإجهاض القرار 194، لم يتورّع كلينتون عن إدراج بند فى مقترحاته يشير إلى أن القبول بها هو تنفيذ للقرار 194. فى ضوء ذلك، وحتى لو اختلفت إدارتا ترامب وبايدن بشأن بعض المسائل الشكلية، لم يُبدِ الأمريكيون مطلقًا اهتمامًا فعليًا بحلّ النزاع الإسرائيلى الفلسطينى بطريقةٍ تمنح اللاجئين أكثر من مجرّد الحد الأدنى من الحقوق.
تبعًا لذلك، تواجه حركة فتح خطرًا كبيرًا، من أمريكا وإيران وحلفاء كلٍّ منهما. مما لا شك فيه أن ما تعانى منه السلطة الفلسطينية من ضحالة مثيرة للشفقة كانت عاملًا مسهِّلًا لما آلت إليه الأمور. ولكن لا تلقوا اللوم فقط على الفلسطينيين. فثمة كثرٌ ممّن يريدون طمس القضية الفلسطينية أو السيطرة عليها. والعائق الأول الذى يجب التخلّص منه فى عملية التصفية السياسية هذه هو منظمة فتح التى تُعتبر تجسيدًا للحركة الوطنية الفلسطينية.

النص الأصلى:

التعليقات