هذا المقال لا يتكلم عن الذكاء الاصطناعى كما قد يوحى به العنوان، ولكنه يتكلم عن الكمبيوتر بعامة بكل برمجياته سواء ذكاء اصطناعى أو غيره، نريد أن نتكلم فيما لا يستطيع الكمبيوتر عمله، هذا قد يهم الكثير من الناس التى تخشى على عملها من أن يتم استبدالهم بجهاز كمبيوتر. الحديث فى موضوع ما يستطيع وما لا يستطيع الكمبيوتر عمله مهم أيضا لمعرفة قدرات هذا الجهاز وبرمجياته حتى لا نخاف من هذه التكنولوجيا ولا نُخدع بما يتم التسويق له من قبل بعض مؤلفى الكتب العلمية المبسطة الموجهة للعامة (أو ما يطلق عليه pop science) أو حتى بعض الشركات.
الكمبيوتر كجهاز هو اختراع عمره يقترب من الثمانين عاما وكنظرية عمره أطول من ذلك بقليل. كلمة الكمبيوتر معناها «الذى يحسب»، أى إن ما يفعله الكمبيوتر هو مجرد عمليات حسابية بسيطة (جمع وطرح وضرب وقسمة) حتى وإن بدا للناظرين أنه يفعل الأعاجيب مثلما نرى فى برامج المحادثة (chatbots) هذه الأيام أو التميز فى ألعاب تطلب بعض الذكاء مثل الشطرنج، فى النهاية هى عمليات حسابية، والمهارة فى البرمجيات هى استخدام تلك العمليات الحسابية للقيام بتلك المهمات التى توحى بأن الكمبيوتر ذكى أو له مشاعر إلخ. نستنتج من ذلك أن مهمة مهندسى الكمبيوتر هى جعله يقوم بتلك العمليات الحسابية بسرعة أكثر وباستخدام طاقة أقل وبدون أن يعطل وبدون أن يتم اختراقه وبتكاليف أقل ما يمكن. لكن هل يستطيع مهندسو البرمجيات عمل أى شىء بالكمبيوتر؟ وهنا نفرق بين هندسة الكمبيوتر (computer engineering) ومتخصصى علوم الكمبيوتر (computer science). الإجابة على هذا السؤال هى بالطبع لا.
هناك ثلاثة أنواع من الأشياء متعلقة بالكمبيوتر: الأول هو ما يستطيع الكمبيوتر عمله، الثانى هو ما لا يستطيع الكمبيوتر عمله الآن لكنه قد يستطيع ذلك فى المستقبل مع التقدم التكنولوجى، أما الثالث فهو ما لا يستطيع الكمبيوتر عمله أبدا. هذه التقسيمة يرجع الفضل فيها لعالم الرياضيات البريطانى آلان تيورنج (Alan Turing) وهو يعتبر من الآباء المؤسسين لعلوم الحاسب. لنتكلم عن كل نوع باختصار.
النوع الأول معناه أن علماء الكمبيوتر يستطيعون أن يحولوا المهمة التى يراد من الكمبيوتر إتمامها إلى مجموعة من العمليات الحسابية، الأمثلة على ذلك كثيرة جدا: نظم المحاكاة للعلوم الفيزيائية والكيميائية والطبية والكثير من ألعاب الكمبيوتر ومعالجة الصور والفيديو والصوت وبرمجيات التواصل مثل زووم وسكايب إلخ.
النوع الثانى شبيه بالنوع الأول لكن العمليات الحسابية كثيرة جدا لدرجة أن الكمبيوتر لن ينتهى منها قبل وقت طويل للغاية، مثلا برنامج لن يعطيك النتائج قبل مائة عام أو أن تأتى النتيجة بعد أن تكون الحاجة لها قد انتفت، وهنا نتذكر أن أول برمجيات تحاول التنبؤ بحالة الطقس (كان ذلك فى أربعينيات القرن العشرين) كانت تأخذ نحو ثلاثة أيام للتنبؤ بحالة الطقس غدا، أى إن النتيجة ستكون غير مهمة، مع التقدم فى التكنولوجيا (زيادة سرعة الكمبيوتر) والتقدم فى علوم البرمجيات (الوصول لنفس النتيجة بعمليات حسابية أقل) يصبح ممكنا ما كان فى الماضى غير ممكن، أمثلة ذلك هى برمجيات الذكاء الاصطناعى التى غزت العالم منذ نحو سنة 2012 مع أنه لم يحدث تقدم كبير فى تلك البرمجيات وقتها لكن أجهزة الكمبيوتر أصبح أكثر قدرة على عمل تلك العلميات الحسابية بسرعة أكبر (نعم برمجيات الذكاء الاصطناعى هى فى النهاية عمليات حسابية).
أما النوع الثالث فهى الأشياء التى لا يمكن تحويلها إلى عمليات حسابية، من أهم الأسباب التى تمنع علماء الكمبيوتر من تحويلها إلى عمليات حسابية أننا لا نعرف كيف تعمل، أنت لا تستطيع أن تقول للكمبيوتر كيف يحسب شيئا إذا كنت أنت شخصيا لا تعرف كيف تحلها، الأمثلة على هذا النوع كثيرة: كيف نجعل الكمبيوتر يشعر بالسعادة أو الحزن أو الاضطهاد إلخ، نستطيع أن نجعل الكمبيوتر «يبدو» أنه يشعر لكنها ستكون مجرد مظهر. مثال آخر هو كيف نجعل الكمبيوتر واعيا، إننا لا نعرف تعريفا دقيقا للوعى حتى الآن.
هناك نوع بين الثانى والثالث وهى المهمات التى لا نستطيع إيجاد إجابات دقيقة لها لكن سنكتفى بإجابات تقريبية وتسمى فى لغة أهل علوم الحاسب (heuristics)، أمثلة ذلك التنبؤ بالطقس، لا يمكننا كتابة برمجيات تتنبأ بالطقس غدا بدقة مائة بالمائة لأن الحسابات التى نحتاجها كثيرة للغاية، لذلك نتغاضى عن بعض الحسابات حتى نحصل على نتيجة سريعة مع نسبة خطأ محتملة، لكن كما فى النوع الثانى أعلاه كلما زادت سرعة الكمبيوتر كلما زادت الدقة.
ننهى هذا المقال بسؤال: برمجيات مثل (chatGPT) تستطيع كتابة رواية، لكنها ستكون رواية بدون روح كما يقول الأدباء والفنانون، فما هو تعريف الرواية التى بها روح ومشاعر؟ ترى هل يستطيع الكمبيوتر كتابة الشعر؟ أو تلحين قصيدة؟