الجامعات في عصرنا الحالي - محمد زهران - بوابة الشروق
الإثنين 30 ديسمبر 2024 7:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجامعات في عصرنا الحالي

نشر فى : الجمعة 29 مارس 2024 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 29 مارس 2024 - 7:28 م

فى مقال بتاريخ (13 يناير 2024) تكلمنا عن الجامعات فى الداخل والخارج، وكان التركيز على الدراسات العليا والبحث العلمى. فى مقال اليوم سنستكمل حديثنا عن الجامعات لكن من زاوية التعليم. نريد أن نتحدث عن حال الجامعات فيما يتعلق بمرحلة البكالوريوس (أو الليسانس فى التخصصات الأدبية). عنوان المقال يشير إلى الجامعات بعامة ولا يفرق بين الجامعات فى الداخل والخارج لأنه بعكس البحث العالمى تشترك الجامعات كلها فى نفس الصفات والمشاكل فيما يتعلق بالعملية التعليمية.
كاتب هذه السطور قضى أكثر من عشرين عاما فى التدريس فى السلك الجامعى، وهذه المدة الطويلة جعلته يعاصر عدة أجيال من الطلاب فى الداخل والخارج وأيضا لاحظ التغير الذى لحق بالجامعات من عدة زوايا، وهذا ما سنتحدث عنه فى مقالنا اليوم.
...
أول موضوع هو تصنيف الجامعات، الأسر عادة تريد جامعات ذات تصنيف مرتفع لأبنائهم، وهذا شىء طبيعى. لكن هناك مشكلتين:
• تصنيف الجامعات (وقد تكلمنا عنه فى مقال سابق منذ عدة سنوات) يعتمد على عوامل كثيرة أغلبها متعلق بالبحث العلمى وليس التدريس. توجد بعض العوامل المتعلقة بالعملية التعليمية، ولكن التأثير الأكبر للبحث العلمى. لذلك فالأهل يستخدمون تصنيفا غير دقيق.
• أغلب الناس تعتمد على التصنيف العام للجامعات وهذا ليس دقيقا. الجامعة قد يكون لها تصنيف عام متوسط لكن تصنيفها مرتفع جدا فى تخصصات معينة. التصنيف العام يعتبر أقرب إلى العملية التسويقية والقوة الناعمة للدول لكن لا يعتد به حين تختار الجامعة التى تود الالتحاق بها.
لذلك عندما تريد أن تختار جامعة للدراسة (ولا نتكلم عن البحث العلمى هنا) يجب أن تنظر إلى شيئين: تصنيف الجامعة فى التخصص أو التخصصات التى ترغب فى دراستها، وأن تحاول الوصول لرأى الطلاب فى هذه الجامعة، بالبحث فى الإنترنت ستجد مواقع عدة يتناقش فيها الطلاب عن الجامعات ويتبادلون الخبرات، وهذا سيعطيك فكرة عن تلك الجامعة. جدير بالذكر أن فى دولة مثل أمريكا مثلا توجد بها جامعات مخصصة للتعليم فقط وليس البحث العلمى، وهذا الجامعات لا توجد بها درجة الدكتوراه، ولكن يوجد بها أساتذة تركيزهم على العملية التعليمية، لذلك قد يكون التعليم فى بعضها أفضل من الجامعات الكبرى. لكن فى التعليم ما قبل الجامعى والتعليم حتى البكالوريوس فإن الكثير من الدول الأوروبية أفضل من أمريكا. أمريكا تتفوق فى الدراسات العليا.
هذا يأخذنا للمرحلة التالية وهى التقديم للجامعات.
...
كاتب هذه السطور عاصر مرحلة التقديم للجامعات عن طريق «البوسطة». الآن التقديم للجامعات أصبح أونلاين وبالتالى أسهل. لكن هذه السهولة لم تأتِ مجانا، لأن عدد الطلاب المتقدمين للجامعة زاد بطريقة كبيرة وبالتالى أصبح القبول أصعب والحصول على منح أصعب. لذلك يجب على الجيل الحالى من الطلبة التقديم فى جامعات عدة حتى يضمن القبول. طبعا كلامى لمن يرغب فى الدراسة فى الخارج أو الجامعات الخاصة أو الأهلية حيث تقل أو تنعدم سيطرة مكتب التنسيق، أو الذين لم يدخلوا الثانوى العام أصلا. هؤلاء كان عددهم محدودا حتى أوائل القرن الواحد والعشرين ثم أصبح العدد أكبر بكثير الآن. العائلات القادرة ماديا أصبحت لا تثق كثيرا فى التعليم الحكومى وبالتالى يتجهون ناحية الدراسة فى الخارج أو الجامعات الخاصة أو الأهلية فى الداخل. هناك نقطة من المهم توضيحها: هناك جامعات أجنبية تفتح فروعا فى دولنا. يجب أن نعى شيئين:
• ما هو تصنيف تلك الجامعات فى بلادها؟
• هل الأستاذة التى تقوم بالتدريس فى تلك الفروع الخارجية على نفس مستوى الأساتذة فى البلاد الأصلية لتلك الجامعات؟
أم الموضوع مجرد اسم أجنبى لأنه يجعل الكثير من الطلبة تسعى للالتحاق بتلك الفروع من باب «عقدة الخواجة»؟
وهذا يأخذنا إلى النقطة التالية: كيف تعلن الجامعات عن نفسها؟
...
ظهر الأمر فى الخارج ثم وصل عندنا. الجامعات أصبحت تعلن عن نفسها كأنها فنادق خمس نجوم. تجد صورا أو فيديوهات للملاعب والمطاعم والحفلات أكثر مما تجدها عن المعامل أو المدرجات أو الندوات. أصبحت الجامعات عبارة عن جامعات ونوادٍ. هذا قد يكون مفهوما فى دولة مثل أمريكا حيث الربح أهم شىء ولا توجد عندهم نوادٍ. أما عندنا فتوجد نوادٍ وتوجد جامعات. أنا أتفهم أن الجامعة هى تجربة إنسانية متكاملة حيث يتعلم الطالب المادة العلمية وينمى شخصيته وثقافته فى هذه السن التى تشكل حياته المستقبلية. لذلك أتفهم بالطبع وجود ندوات ومحاضرات عامة فى الجامعات وأيضا المنافسات الرياضية، لكن أن تتحول الجامعات إلى «مول» والطلبة فى الداخل تتكلم الإنجليزية أكثر مما تتكلم العربية من باب أن هذا «أكثر شياكة» فهذا تحول خطير فى الأجيال القادمة. وهذا يحيلنا للنقطة التالية: الطلبة.
...
مقال ظهر منذ عدة سنوات فى أمريكا يقارن بين الجيل الحالى من الطلبة بالجيلين السابقين عليه، وجد كاتب المقال (وبالبحث على الإنترنت وجدت بعض المقالات الأخرى التى تتفق فى الرأى معه) أن الجيل الحالى يدفع مصاريف أعلى ويبذل جهدا أقل ويحصل على درجات أعلى. ما معنى هذا؟ معناه أن الجيل الحالى يريد الشهادة والدرجات العالية حتى يجد وظيفة بمرتب كبير، وليس الهدف هو التعلم. والنظام الرأسمالى الأمريكى وبعض دول أوروبا يشجع ذلك بإظهار أن أكثر الناس نجاحا هم رواد الأعمال الذين ربحوا من شركاتهم ملايين الدولارات، وأغلبهم لم يكمل دراسته أو تخرج بتقديرات ضعيفة. ملخص القول فى الوقت الحالى: المال هو الأهم وإذا لم يكن التعليم سيجلب المال «فبناقص».
...
هناك بعض الأمور ظهرت عندنا فى العقدين الأخيرين وأعتقد أننا يجب أن نفكر فى طرق للتغلب عليها لأن لها تأثيرا سيئا على الأجيال القادمة. كل نقطة من تلك النقاط تحتاج مقالا وحدها لمناقشة لماذا هى سيئة، وما الذى أدى إليها، وكيف نتغلب عليها. هذه الأمور يمكن أن نلخصها فى الآتى:
• اللغة العربية ليست مهمة. يجب أن نتعلم وندرس بلغة أجنبية حتى نجد وظيفة فى الشركات الدولية بمرتب كبير.
• أهم شىء الشهادة والدرجات المرتفعة حتى نجد وظيفة. التعليم نفسه «نخليه بعدين».
• الشهادة من بره ليها بريقها، ولا يهم «منين من بره».
• أنا أدفع مصاريف مرتفعة لذلك يجب أن أحصل على درجات مرتفعة.
• أهم حاجة فى أية جامعة هو أن تربح.
التعليم الصحيح هو الطريق لمستقبل مشرق وبالتالى فهو أمن قومى.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات