على عبدالعزيز سليمانبينما يتعرض الاقتصاد المصرى لضربات موجعة بسبب غياب الأمن وتراجع السياحة وتوقف إنتاج بعض المصانع، كان خبر تحويل مستحقات المصريين العاملين السابقين فى العراق، والتى تقدر بما يزيد على 400 مليون دولار، مثل نسمة من الهواء المنعش التى انعشت آمال المصريين أن هناك من يرعى مصالحهم فى الخارج، وأن الدول العربية الصديقة تقدر الظرف الصعب الذى نعيشه.
وعلى جبهة أخرى تواترت الأنباء على أن هناك من دول الخليج من أوقف إصدار تأشيرات جديدة للعمال المصريين، ولقد جاءت هذه الضربة فى وقت حرج، وقت تعيد فيه مصر تشكيل علاقاتها الخارجية، وقت يعرف فيه العدو من الصديق.
ولم تكن التبريرات التى صدرت عن بعض تلك الجهات مقنعة، فهناك من يقول إن هذه الدول تخشى من تسرب عناصر إجرامية إلى بلادها بسبب الانفلات الأمنى الداخلى، كما لو أن مصر الدولة التى صمدت بشكلها الواحد المتماسك لآلاف السنين قد أصبحت فجأة دولة من قطاع الطرق والفوضويين. هذا بينما تواصل السفارات الأجنبية فى القاهرة عملها بالشكل المعتاد، وتتدفق وفود الدبلوماسية، بل والسائحين إلى مصر دون حوادث أو مشاكل.
***
وتعتبر تحويلات المصريين فى الخارج أحد أعمدة الاقتصاد المصرى الأساسية، وتقدر التحويلات السنوية بحوالى 12 مليارا، أى ما يقرب من 8% من الناتج المحلى الإجمالى المصرى، وهى بذلك تفوق إيرادات السياحة والبترول وقناة السويس. وفى الماضى القريب كان ينظر إلى هجرة المصريين للعمل فى الخليج كأحد دعائم تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية. ذلك أن الجالية المصرية فى الخليج من أكثر الجاليات استقرارا وأقلها إثارة للمشاكل، وهم يساهمون فى تحقيق التنمية فى هذه الدول بأقل التكلفة. ذلك أن المصرى يندمج بسهولة فى ثقافة هذه الدول ويستطيع أن ينقل رسالته ويقوم بعمله بيسر وفاعلية. ومن فى الخليج يستطيع أن ينسى دور المدرس أو الطبيب أو المهندس المصرى؟
ولقد اشتكى لى أحد رؤساء الجامعات الخليجية أنه لا يستطيع تقديم برنامجه التعليمى بشكل مناسب لاستحالة استقدام أساتذة مصريين جدد لإحلال من ترك العمل، وحتى محاولته لتعيين مصريين مقيمين فى ذات الدولة ويعملون فى أماكن أخرى باءت بالفشل وذلك لعدم موافقة سلطات الجوازات على نقل الكفالة. ولقد اضطر إلى تعيين أساتذة من الأردن وتونس والمغرب فقط لأن هذه الدول أكثر قبولا سياسيا. ولست أدرى منذ متى أصبحت مصر غير مقبولة سياسيا، مصر التى لم تبخل على أشقائها العرب فى السراء والضراء. مصر التى حافظت على تراث العرب، وحمت الثقافة العربية ضد غزو الصليبيين والمغول. مصر التى فتحت جامعاتها، ومجانا، للإخوة العرب عندما كان التعليم الجامعى بعيد المنال فى معظم الدول العربية، مصر التى حاربت للحفاظ على استقلال الدول العربية وحمت الخليج من مطامع الطامعين.
وكان من المؤمل أن تنظر دول الخليج فى زيادة العمالة العربية والعمالة المصرية بالذات بعد أن تعرضت هويتها العربية للتهديد نتيجة زيادة تدفق العمالة الهندية ومن جنوب شرق آسيا، التى تزيد نسبتها إلى إجمالى السكان إلى أزيد من 60% فى كثير من هذه الدول.
لقد دعت «منظمة العمل العربية» منذ سنوات طويلة إلى أن تلتزم الدول المستقدمة للعمالة بالسعى إلى زيادة نسبة العمالة العربية إلى 30% من العمالة الوافدة. ولقد أعلنت بعض الدول الخليجية نيتها تطبيق سياسة «العرب أولا» فى استقدام العمالة من الخارج، مع ذلك سرعان ما تراجع هذا الالتزام أمام طوفان العمالة الآسيوية الرخيصة التى تحسن دولها تبادل المنافع والضغط لتحقيق مصالحها.
***
لقد عانى المصريون لسنوات طويلة من إهمال حقوقهم فى ظل نظام حسنى مبارك الذى كان يهتم فقط بتقوية علاقاته الشخصية مع حكام الخليج، ولو أن ذلك كان على حساب مصالح المصريين وحقوقهم. لقد انتهى العصر الذى كانت تفخر فيه وزيرة القوى العاملة بحصولها على عقود لتصدير الخادمات المصريات إلى دول الخليج بينما كرامة الأستاذ والطبيب المصرى يداس عليها كل يوم. ولا يملك أصحاب القرار فى مصر أن يتعاملوا مع ملف العمالة المصرية فى الخليج على أنه ملف يمكن تأجيله، فلقد قامت الثورة المصرية ليستعيد المواطن كرامته فى الداخل والخارج.
ومن المناسب أن تبدأ الخارجية المصرية جولات ومناقشات حثيثة مع الأشقاء العرب للحصول على تفسيرات مرضية، بل ولوقف هذه السياسة التمييزية ضد العمالة المصرية، هذه السياسات التى لا تتناسب مع ما هو قائم من علاقات جيدة مبنية على الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وإذا لم تكف محاورات المصالح والمنافع المشتركة، ناهيك عن متطلبات المودة وحسن الجوار، فمن الواجب تذكير دول الخليج ليس فقط بإلتزاماتها فى إطار جامعة الدول العربية، ومنظمة العمل العربية، ولكن أيضا بالتزاماتها فى إطار منظمة التجارة العالمية التى تدعوا إلى فتح الأسواق والمعاملة المتساوية لجميع الشركاء التجاريين.
دعونا نرعى الأوزة التى تبيض ذهبا!