للجسور معى أو لى مع الجسور قصص وحكايات شىء يشبه الارتباط الروحى.. ابحث عنها فى الأماكن وبين صفحات الكتب والمجلات.. هى تشبه كل شىء جميل كان قد تحول إلى مجرد وسيلة للنقل والانتقال.. والجسور ليست كلها واحدة بل تختلف، كل له طابعه الخاص جدا.. والجسور تختلف من مكان إلى آخر فهى ليست الحديثة التى تنتمى إلى ثقافة الكونكريت المعلبة، تسقط على الماء كالجسم الغريب فيبعد الماء عنها خوفا من أن يتلوث بها.. الجسور منها المعتق فى قلب نهر بمدينة يمتد تاريخها إلى مئات السنين..
كلما حللت فى مدينة أبحث عن الجسور وأبدأ فى المقارنة بينها وبين جسور و«كبارى» أخرى كانت هناك استقرت فى مكان ما فى الذاكرة.. ربما هى للحكايات التى تصاغ عند الجسور فوقها أو تحتها.. لقصص الغرام المعتق عند مياه الأنهر الهادئة، بل وربما أيضا لأن الكثير من الغناء الأصيل والجميل ــ وليس الزعيق المنتشر الآن ــ كان عن الجسور التى تدعو العشاق يوميا للتوافد وتكون لهم «ستر وغطى» لحبهم الذى أنكرته العادات وحرمته الأنفس المريضة!!!
•••
فى الطفولة الاولى كانت وعلى جسر «المسيب سيبونى» تصدع فى كل بيت ويرددها الكثيرون حتى اولئك الذين لم يعرفوا ابدا معنى ان تكون المدينة دون جسر أو معنى أن يأتى احدهم فى العام ٢٠٠٤ ليفجر نفس ذاك الجسر المسيب عندما انتشر وباء الكراهية التى لا تعرف معنى أن تفقد المدينة جسرها!!!
للجسور حكايات لو نطقت لكتبت عن الأحبة الذين تشكل لهم إلهاما للبوح بذاك الأكثر قدسية ألا وهو الحب حتما، الحب بكل تنوعاته وألوانه فلا حدود ولا شروط للحب ولا قواعد سوى للعشق كما تحدث عنها الرومى وتناولتها بشكل رائع الكاتبة التركية اليف شافاق فى روايتها «قواعد العشق الاربعون»... الجسور تسجل اللمسة الأولى والقبلة الأولى أيضا تلك التى تخزن فوق صفحة مياه الأنهر تنقلها مياهه من ضفة لأخرى. والجسور كما الأنهار تعيش بالقرب من الحضارات الكبيرة ولها حياة خاصة بها وتاريخ شفهى لو حكى لكان هو ربما التاريخ أو الحلقة المفقودة فى بعض كتب التاريخ الممله بصورتها الأحادية لتاريخ يكتبه المنتصرون أو القابعون فوق صدر الوطن.
كانت الجسور عربية حتما ككل العالم الذى صنعته منذ سنين حتى كان وشاهدت فيلم «جسور مدسن كونتي» وازددت تعلقا بعد قراءة تلك الرواية.. حينها أصبح للجسور لغات أيضا وفتحت لى تلك الرواية نافذة لجسور أخرى من اقصى الشرق المغمس بالزعفران حتى الغرب الذى تحت قشرته المادية بعض من الانسانية الباقية.
•••
للجسور ثقافاتها فهى ترسخ التواصل والترابط وربما تعنى الولادات الأولى.. هى عكس الانقطاع والتقوقع والخوف من الآخر.. هى الانسياب من حضن إلى حضن ومن مفهوم لاخر دون قطرة دم.
الجسور هى الولادات لأنها ربما بالنسبة لى فهى مرتبطة بتلك الليلة من ذات العام البعيد جدا، وأم فى حالة وضع يحملها الأهل كعادة أهلنا كلنا إلى أقرب مستشفى والليل يوشك على الرحيل والنهار يرسل ببعض من بصيص من نور.. يزداد اضطراب الأهل فهذا موعد فتح الجسر لمرور السفن الكبيرة وهذا يعنى الانتظار والطفل أو الطفلة تركل بكل قوة مستعجلة الظهور من رحم الأم إلى عالم أوسع!!! حينها يقرر الأهل العودة والبحث عن طبيبة فتولد الطفلة فى المنزل وتبقى حتى اليوم دون شهادة للميلاد؟؟؟
ولا تبقى الجسور حبيسة المحبين بل هى أيضا حاضنة لمحبى الوطن الذين كانت الجسور مرحلة انطلاق لنضالاتهم وثوراتهم.. لأن النهر يعرف معنى الثورة هو الآخر يثور بين فترة وأخرى فيفيض بمائه على الأرض العطشى.. هى الطبيعة تسقى الجفاف.
•••
بل ربما أيضا لقصص النضال الذى تواصل عبر الجسور.. فالجسور تحكى عن قصص العبور نحو الحرية عبر جسر ليس أولها كبرى العباس ولا آخرها كبرى قصر النيل فى ٢٥ يناير ٢٠١١ تلك الصور المتداعية والتى استقرت فى النفوس قبل أن تكون مجرد صور يعاد تكرارها على قنوات التلفزة.. صور بالأسود والأبيض تتداعى بعضها فوق مياه بحار وليست كلها فوق الأنهر فقط.. فهناك فى تلك الجزيرة وفى الخمسينيات من القرن الماضى تعانق الزاحفون من ضفة لأخرى كان العدو أوضح والصديق أيضا ليس كحالهم اليوم حيث انقسموا إلى جزر متعددة متناهية الصغر فيما انتشرت الجسور المصطنعة كل يحمل اسما ليس بينها أى اسم للوحدة والوطن فكانت أو أصبحت مجرد جسور من الكونكريت وسيلة اخرى من وسائل النقل المشمعة الخالية من أى احساس أو معنى.. كلها جاءت لتخليد القائد المبجل كلها سترحل حين رحيله أو ستتحول إلى اسماء أخرى تحمل معانى أكبر للوحدة وليس للتشتت فى جزر منعزلة.
كاتبة من البحرين