اليوم وفى هذه المرحلة الصعبة من تاريخ بلداننا لا يزال التعليم عند حافة الهاوية ولا يزال تحت سيطرة المقاسمات والتجاذبات والمصالح السياسية.. ندرك أن الحكومات على تنوعها وانتماءاتها وتفاصيلها هى مجرد لعبة فى يد الأقوى سواء كان الحزب أو القبيلة أو الفئات المختلفة المتقاسمة للسلطة.. وقد يكون الكثير من العرب فى منطقتنا قد تعايشوا مع ذلك وربما بدأ الخوف ينخر دواخلهم من القادم لأن الحاضر أكثر صعوبة وسريالية من أن يستوعبه العقلاء.
يدرك الجميع ذلك وقد يتحملون الكثير من أجله ولكن ما لا نستطيع استيعابه هو الاصرار على أن تكون مسئولية التعليم ضمن قائمة توزيع الغنائم بمعنى ألا تكون هناك إرادة أو رغبة أن تربح الطبقة الحاكمة وتعمل كما تشاء ولكنها تترك بعض المساحة للمستقبل ولسكان هذه البلدان ولن أقول مواطنيها لأننا لا نزال بعيدين جدا عن معنى المواطنة الحقة.
أن توضع وزارة المالية والداخلية والخارجية والأمن والبنك المركزى وكل ما يسمى بالوزارات السيادية فى أيديهم فهذا أمر لا نستطيع أن نفعل الكثير بالنسبة له سوى أن نتقبله ببعض من الصعوبة والحزن المعتق، ولكن أن تترك مسئولية التعليم والصحة فى أيدى الجهلة من القوم أو المتأخرين حتى لا نستخدم لفظ متخلفين فهذا أمر لا نستطيع إلا أن نقف أمامه بكثير وشديد من الحزم..
***
فدون التعليم تزداد عتمة المستقبل ودونه يصبح الواقع اليوم أكثر مرارة ودونه يتحول أطفالنا إما إلى جماعات واسعة من المستهلكين أو إلى مشاريع أحزمة ناسفة.. دونه يصبح الشاب أو الشابة ريشة فى مهب الإحباط وانحطاط الأخلاق والقيم.. انظروا إلى شوارعنا وهى أبسط المؤشرات وطريقة سواقة السيارات وكيفية إدارة المرور كلها كما يقول ذاك القادم من ألمانيا مؤشر أنكم لن تتقدموا وأنكم «فاشلون» فى كل شىء! محزن أن تسمع ذلك من الزائر القادم الذى يحمل الكثير فى تجربته ليقدمه لمنطقتنا ثم ما يلبث وأن يلملم أمتعته وبعض ذكرياته الجميلة ويرحل يأسا من أجيال قادمة تخضع لأنظمة تعليمية متخلفة، فاسدة لا تربى سوى أجيال من أشباه المتعلمين أو أشباه الجهلة.. والجاهل عدو نفسه قبل أن يكون عدو مجتمعه أو عدو الآخر..
***
المسئولون عن التعليم هم المسئولون عن ارتفاع منسوب الجريمة وعن انعدام الأخلاق وعن انزلاق الشباب والشابات إلى شبكات الارهاب وآخرين إلى الهروب من جحيم أوطانهم بحثًا عن فرصة عبر البحر الذى لن يرحم كثيرا منهم.. التعليم والمسئولون عن التعليم أنصاف الجهلة هم من ينشرون ذاك الداء الخطير الذى اسمه انعدام الأخلاق والجهل والأكثر خطورة هو انعدام الأمل لجيل واسع من الشباب هم أكثر المجتمع اليوم.. هؤلاء هم من يحملون المباخر للحاكم أولا غير مدركين أنهم بذلك يدمرون وطنا بأكمله ويخنقون التنمية الحقيقية لسنوات قادمة ويعيدون مجتمعاتهم إلى النقطة صفر..
انظروا إلى بعض دولنا التى تميزت بتعليم أبنائها قبل أى ثروة أخرى... قبل النفط ولعناته كان هناك الإنسان الذى تعلَّم فى المدرسة الأولى تعليما لا تمييز به، تعليما يشهد له أنه خرَّج مجموعات من الأفراد المستنيرين لم يلبثوا أن قاموا بتربية أجيال مستنيرة ومنفتحة على الآخر.. نفس تلك المجتمعات تشهد اليوم ردة حقيقية فى مجال التعليم على أيدى أشباه متعلمين حملة شهادات الدكتوراه الممسوخة فما معنى لفظ دكتور إن كان هو أو هى لا يملكون سوى صفة الولاء المطلق للحاكم أيا كان جل اهتمامهم هو فى فرض الرقابة والشروط وعرقلة نفاذ الجميع لفرص التعليم المتكافئة وهى الحق الأساس لكل فرد فى أى مجتمع.
***
أيها المسئولون فى دولنا العربية المنكوبة ارفعوا أيديكم عن وزارات التعليم واتركوها للأكثر جدارة ومعرفة وإلا خسرنا الحاضر وكل المستقبل.