نحن والعالم والمناظرة الأمريكية! - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الأربعاء 3 يوليه 2024 1:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحن والعالم والمناظرة الأمريكية!

نشر فى : الأحد 30 يونيو 2024 - 6:00 م | آخر تحديث : الأحد 30 يونيو 2024 - 6:00 م

 «جو بايدن احترق تمامًا».

كان ذلك تلخيصا نشرته صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية منقولًا عن عضو بارز فى الحزب الديمقراطى للصورة الكارثية التى بدا عليها الرئيس الحالى فى المناظرة المبكرة مع خصمه اللدود الرئيس السابق «دونالد ترامب».

لم يكن «بايدن» قادرًا صحيًا وذهنيًا على إقناع غالبية الأمريكيين بقدرته على قيادة البلاد لفترة رئاسية ثانية يبلغ عمره عند نهايتها (86) عامًا.

بدت عليه علامات الوهن وغابت عنه فى بعض الأوقات قدرته على التذكر والتدفق، حتى إنه لم يتمكن من أن يستخدم حقه فى الوقت المخصص له لشرح برنامجه الانتخابى أو إحراج منافسه.

تحدث «بايدن» لـ(35) دقيقة فيما تمكن الطرف الآخر فى المناظرة من الحديث لـ(40) دقيقة بفارق (5) دقائق كاملة.

عقب المناظرة، التى أدارتها محطة «سى. إن. إن»، الأميل إلى المعسكر الديمقراطى أوضح استطلاع رأى أجرته أن (67%) رأوا أن «ترامب» قد ربحها.

لم يكن «ترامب» مقنعًا بقدر ما كان «بايدن» سيئًا.

كانت الصدمة مدوية داخل الحزب الديمقراطى كأن الانتخابات قد حسمت من الجولة الأولى.

اعترفت نائبة الرئيس «كاميلا هاريس» بحجم الصدمة وأثارها السلبية، لكنها عزت الصورة التى بدا عليها فى بداية المناظرة إلى نزلة برد ألمت به!

إذا افترضنا أن «ترامب» قد نجح فى العودة إلى البيت الأبيض فإنه سوف يصل عمره عند نهاية الفترة الرئاسية إلى (82) عامًا، لكنه بدا أثناء المناظرة أكثر انضباطًا مما هو منتظر وأكثر تدفقًا فى إجاباته قياسًا على خصمه.

إننا أمام وضع غير مسبوق فى أية انتخابات أمريكية، رئيسان حالى وسابق متقدمان فى العمر ينسب كل منهما إلى الآخر أنه أسوأ رئيس فى التاريخ.

مشكلة العالم مع أمريكا أنها حاضرة فى كل أزمة وصراع وحرب كالملح فى كل طعام.

بأى نظر واعتبار لا يمكن تجاهل الأدوار الأمريكية فى الصراع على مصائر الإقليم الذى نعيش فيه وتشتعل النيران فى جنباته ولا على الرسائل المبكرة للانتخابات الأمريكية الوشيكة.

فى المناظرة تسابق الرجلان بدرجتين مختلفتين فى الانحياز إلى إسرائيل.

بدا «ترامب» أكثر استعدادًا لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية حتى تحقق كامل أهدافها فى الحرب على غزة دون نظر إلى العواقب المروعة التى تلحق بالمدنيين الفلسطينيين من إبادة جماعية وتجويع منهجى.

كلاهما تجاهل الاحتجاجات التى عمت المدن الكبرى وجامعات النخبة الأمريكية تضامنًا مع عدالة القضية الفلسطينية، كأنها لم تكن.

وكلاهما أكد إنهاء حماس.

بعدوانية مفرطة ضد كل ما هو إنسانى وعادل وصف «ترامب» خصمه الانتخابى بـ«الفلسطينى السيئ والضعيف فى التعامل مع إسرائيل».

تهرب من الإجابة عن سؤال «حل الدولتين»، قائلًا: «إنه سوف يفكر ما إذا كان يمكن له أن يوافق على إنشاء دولة فلسطينية».

لم تكن عند «ترامب» أية تصورات لليوم التالى باستثناء الدعم المطلق لحكومة بنيامين نتنياهو الأكثر يمينية وعنصرية فى تاريخ الدولة العبرية.

إنه مشروع تقويض كامل لحق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم بأنفسهم.

بصياغة أخرى، إنه مشروع صدام آخر يلوح فى الأفق المسدود.

بالمخالفة للحقيقة أعفى «بايدن» إسرائيل من مسئولية إجهاض خطته لوقف إطلاق النار فى غزة وتبادل الأسرى والرهائن.

حمل المسئولية لـ«حماس» وحدها، لكنه أردف: «ما زلنا نضغط عليها لتقبل الخطة المقترحة».

«ينبغى على إسرائيل أن تكون حذرة فى استخدم القنابل الثقيلة فى المناطق المأهولة».

كان ذلك الحد الأقصى الذى وصل إليه فى الحديث عن جرائم الحرب المروعة التى ترتكب فى غزة.

فى موضع آخر، قال: «نحن دولة تحافظ على كلمتها».

هذا الادعاء يصعب تصديقه بالنظر إلى الضعف والاهتزاز، الذى تعانيه السياسة الأمريكية فى إدارة الحرب على غزة أمام أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية وعنصرية.

تبدو الفوارق بين «بايدن» و«ترامب» فى القضية الفلسطينية، كما لو كانت خيارا بين السيئ والأسوأ.

كان مستلفتًا إشارة «بايدن» للدور، الذى لعبته القوات الأمريكية فى حماية إسرائيل من الصواريخ والمسيرات الإيرانية.

بدت المساحات ضيقة فى المسألة الإيرانية.

فى الحالة الأوكرانية اتسعت الفوارق بصورة كبيرة.

«لو كان لدينا رئيس يحترمه العالم لما جرت الحرب الأوكرانية ولا جرى إهدار الأموال فيها».

استغرق النزيف الاقتصادى مداخلة «ترامب» لاجتذاب قطاعات واسعة من الرأى العام الأمريكى، لكنه أكد بنفس الوقت عدم استعداده لتقبل شروط «بوتين» تجنبًا لأية شبهات تحاصره فى ذلك الملف.

بدا أكثر تحديدًا فى توصيف موقفه من الحرب الأوكرانية، واصفًا السياسات العسكرية لـ«بايدن» بأنها «خرقاء».. «وقد تقود العالم إلى حرب عالمية ثالثة».

بالمقابل حاول «بايدن» أن يشرح سياسته باعتبارها دفاعًا عن العالم الحر، وإنه إذا كان قد صمت على الغزو الروسى لأوكرانيا فإنه سوف يتمدد إلى دول أوروبية أخرى.

أخذ صدام المواقف مداه فيما يتعلق بمستقبل حلف «الناتو».

عاد «ترامب» إلى مقولاته القديمة التى تقلل من أهمية الحلف فيما وصفها «بايدن» بأنها عبثية مشيرًا إلى أن (50) دولة أيدت موقفه فى هذه الحرب.

مستقبل «الناتو» قضية تقلق أوروبا وتطرح تساؤلات جدية عن مستقبل الأمن فيها.

تمويل الحرب سوف ينخفض باليقين مع الصعود المرجح لـ«ترامب» والتسليم بالهزيمة مسألة وقت.

على مدى الساعة والنصف الساعة تحدث كلاهما عن إنجازاته فى فترة ولايته، والماضى غلب المستقبل.

المناظرة تطرقت إلى الملفات الداخلية، التى تشغل أولويات الأمريكيين وتعبر عن الخلافات التقليدية بين الجمهوريين والديمقراطيين كالإجهاض والضرائب والتضامن الاجتماعى والتأمين الصحى وعجز الموازنة وأوضاع السود والأقليات.

بإلحاح بالغ طرح سؤال الديمقراطية الأمريكية ومستقبلها على خلفية الدور الذى لعبه «ترامب» فى التحريض على اقتحام مبنى «الكابيتول»، لمنع إعلان فوز «بايدن» بالانتخابات الرئاسية الأخيرة.

رفض «ترامب» إبداء أدنى استعداد لتقبل نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة «إذا لم تكن نزيهة وعادلة»، كأنه يقول مجددًا: «أنا أو الفوضى»!