نشرت مدونة الديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتب مروان المعشر، يقول فيه إن القضية الفلسطينية كانت الضحية الأولى فى زيارة الرئيس جو بايدن الأخيرة إلى الشرق الأوسط. وأن الصراع العربي ــ الإسرائيلى عاد إلى جذوره وأصبح صراعا فلسطينيا إسرائيليا، وما من أمل للشعب الفلسطينى سوى انتظار الواقع الديمغرافى لإنهاء مأساتهم... نعرض من المقال ما يلى.
لم يخصص الرئيس الأمريكى جو بايدن سوى ثلاث ساعات من وقته للجانب الفلسطينى خلال زيارته إلى الشرق الأوسط التى استمرت أربعة أيام فى وقت سابق من هذا الشهر. والتقى بايدن فى إطار جولته رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وزار مستشفى فى القدس.
لقد ولى الزمن الذى كانت فيه عملية السلام تقع فى صُلب أولويات الرؤساء الأمريكيين خلال زياراتهم إلى الشرق الأوسط. فقد اكتفى بايدن بتجديد التزامه الباهت بحل الدولتَين باعتباره السبيل لإنهاء الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلى، فى إطار «إعلان القدس» بشأن الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل الذى وقعه كلٌ من الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى. وتُغدق هذه الوثيقة المديح على إسرائيل وتمنحها ضمانات أمنية من دون أن تأتى مرة على ذكر انتهاكات حقوق الإنسان التى ارتكبتها ضد الشعب الفلسطينى. كذلك، لم تتضمن هذه الوثيقة التزاما إسرائيليا بحل الدولتَين، بل أشار بايدن قائلا: «أُدرك أن (هذا الحل) لن يتحقق فى المدى القصير». لكن دعم واشنطن المتواصل للاتفاقات الإبراهيمية التى تعزز دمج إسرائيل فى المنطقة من دون الحاجة إلى تحقيق السلام مع الشعب الفلسطينى، سيحول دون إمكانية تطبيق حل الدولتَين فى المدى البعيد أيضا.
أدى إحجام بايدن عن توجيه انتقادات، وإن طفيفة، إلى الاحتلال إسرائيلى إلى تبديد آمال الرأى العام العربى خصوصا بأن الولايات المتحدة سوف تولى قيمها الأولوية نفسها التى تعطيها لمصالحها. فقد أدلى بايدن فى بداية ولايته فى فبراير 2021 بتصريح حول مكانة أمريكا فى العالم، مفاده: «يجب أن نبدأ بانتهاج دبلوماسية متجذرة فى القيم الأمريكية التى نعتز بها أيما اعتزاز، والمتمثلة فى الدفاع عن الحرية، ودعم تكافؤ الفرص، وصون الحقوق العالمية، واحترام سيادة القانون، ومعاملة كل شخص بكرامة».
لكن إدارة بايدن أخلت بهذه المبادئ فى تعاملها مع الشرق الأوسط. ويرى معظم الشعب الفلسطينى والعرب عموما، أن السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي ــ الإسرائيلى لم تشهد تغييرا يُذكر مقارنة مع النهج الذى اتبعته إدارة ترامب، إلا على المستوى الخطابى. وإذا كانت واشنطن عاجزة حتى عن إعادة فتح قنصليتها فى القدس الشرقية، التى أغلقتها إدارة ترامب فى العام 2019، فهل من أمل للشعب الفلسطينى بأنها ستعمل جديا على إعادة إحياء عملية تُتوَج بحل الدولتَين؟
الحقيقة المرة اليوم هى أن حل الدولتَين قد مات، بيد أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولى يرفضان الاعتراف بهذا الواقع. وجُل ما تفعله واشنطن، من خلال تكرار التزامها بهذا الحل من دون أن تحاول حتى إعادة إطلاق المسار الدبلوماسى الكفيل بتحقيقه، هو منح إسرائيل متسعا من الوقت لبناء المزيد من المستوطنات والقضاء على أى أمل بإعادة إحياء حل الدولتَين.
هل هذا النهج يتسم بالحكمة؟ وهل يسهم فى تحقيق الأهداف الأمريكية المُعلَنة؟ تشير الوقائع على الأرض إلى عكس ذلك. فمن خلال تأجيل هذه العملية على أمل أن تصبح الظروف أفضل مما هى عليه الآن، لا تسهم الولايات المتحدة فى دفن حل الدولتَين فحسب، بل أيضا فى الإبقاء على الوضع الراهن فى المناطق الواقعة تحت سيطرة إسرائيل، حيث تخضع غالبية فلسطينية عربية إلى حكم أقلية إسرائيلية يهودية فى ظل نظامَين قانونيَين مختلفَين. وقد أطلق عددٌ من المنظمات الحقوقية الإسرائيلية والدولية، ومن ضمنها بتسيلم وهيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، على هذه الممارسة تسمية «أبارتايد» (أى نظام الفصل العنصرى). كذلك، لا يمكن أن تتغاضى واشنطن إلى أجل غير مسمى عن انتهاكات حقوق الإنسان التى ترتكبها إسرائيل يوميا ضد الشعب الفلسطينى، مفترضة أن حل الدولتَين سيُفقد هذه المسألة جدواها. ولا يمكن إخفاء هذه الحقيقة الصارخة، لا من خلال تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية ولا من خلال محاولة تحسين الظروف الاقتصادية للشعب الفلسطينى من دون توفير حل سياسى لهم.
واقع الحال أن الصراع العربي ــ الإسرائيلى عاد اليوم إلى جذوره، أى إلى كونه صراعا فلسطينيا ــ إسرائيليا. ولم يصدر عن الولايات المتحدة والعالم العربى والمجتمع الدولى الأوسع سوى كلام لا طائل منه تجاه الشعب الفلسطينى، الذى لم يعد لديه من أمل سوى البقاء فى أرضه بانتظار أن يفعل الواقع الديموغرافى فعله. فلن يستطيع العالم أن يواصل إلى الأبد حرمان الشعب الفلسطينى من إقامة دولته فى الأراضى المحتلة ومن التمتع بحقوق متساوية، ومحاولة القيام بذلك هى بمثابة إيجاد مبررات لنظام الأبارتايد.
إذا أرادت الولايات المتحدة والمجتمع الدولى العمل جديا من أجل التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، فعليهما التخلى عن الحديث الفارغ عن حل الدولتَين والبدء بمعالجة تداعيات الاحتلال الإسرائيلى. فالسبيل الوحيد لإحراز أى تقدم فعلى على مستوى الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلى يتمثل فى تبنى نهج قائم على الحقوق يضمن المساواة الكاملة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.
النص الأصلى: