دروس الخمسين - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الخميس 19 سبتمبر 2024 4:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس الخمسين

نشر فى : الجمعة 30 أغسطس 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الجمعة 30 أغسطس 2024 - 7:40 م

أكتب هذا المقال قبل إتمام عامى الخمسين بأيام قليلة. وليسمح لى القارئ بمناسبة بدء عقد جديد على هذه الأرض أن أتفلسف قليلا مشاركا إياه أهم الدروس التى تعلمتها فى حياتى العملية.

الدرس الأول فى إدارة المخاطر - وهنا أقصد أيضا إدارة الفرص – أن هناك فرصا تأتى فى الحياة يجب محاولة إدراكها كاملة ولكنها فى أغلب الأوقات تكون غير واضحة المعالم مما يستوجب الحرص. فى هذه الأوقات أذكر نفسى دائما أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فإذا كنت محقا فأدرك جزءا من المكاسب وإذا كنت مخطئا فحجم الخسائر يكون فى نطاق المقبول والمعقول والممكن تعويضه فى فرص لاحقة أخرى.

الدرس الثانى أن يكون لديك القدرة على التعلم المستمر. هذه القدرة على التعلم والتطور والشغف للمعرفة هى ما يبقى الإنسان شابا مهما شاب. لسنوات ظللت كل عام أحاول أن أتعلم شيئا جديدا فى مجالى، مهما كان غريبا أو غير معتاد. فلم أحرم نفسى من تعلم أى شىء: من أصول التقييم التى صاغها بنجامين جراهام المعلم الأول والأهم فى حياة وارين بافيت، إلى دراسة تأثير دورة القمر على سيكولوجية المتعاملين فى الأسواق المالية؛  بغض النظر عن عدم اقتناعى التام بها.

الدرس الثالث أن يكون لديك قناعات دون التمسك الشديد بها، يقولون بالإنجليزية Loosely held convictions وهو تناقض لفظى حيث أن القناعات عادة ما تستلزم التمسك بالضرورة. مما يجعله الدرس الأصعب تنفيذا خاصة للمتعاملين فى الأسواق. فالاستثمار يستدعى أن تكون مقتنعا باستثمارك حتى وان كانت حركة السوق ضدك لفترة، ولكن ذلك يستدعى أيضاً أن تدرك متى تغير قناعاتك فى الوقت المناسب حتى لا تتأثر محفظتك بشدة. هى مثل المشى على الحبل حيث يكون الهدف التوازن يمينا ويسارا حتى الوصول لبر الأمان فى آخر كل عام. قرأت مؤخرا حكمة أعجبتنى عن إدارة الأصول فى الأسواق المالية تقول أن مدير الأصول لا يتقاضى أجرا ليكون محقا ولكنه يتقاضى أجرا طبقا لقدراته فى التجاوب مع متغيرات الأسواق. والأعوام من ٢٠٢٠ حتى اليوم كانت أكبر مثال على ذلك.

الدرس الرابع عن إجراء تغييرات كبيرة. فى أواخر عام ٢٠٢٣ قررت أن أغير استراتيجية إدارتى للأصول، متجاوبا مع المتغيرات التى طرأت على الأسواق منذ وباء الكوفيد، وكانت النتائج بحمد الله ممتازة. والتغيير جاء بعد الكثير من التعمق والتفكير ونقد الذات؛ دون جلدها. التغييرات المهمة فى الحياة يجب أن تكون محسوبة بدون تسرع ولكن أيضا بدون تردد ويجب أن تبدأ بتغييرات صغيرة بعضها رمزى. بالنسبة لى كان عدد من التغييرات الرمزية حافزا يذكرنى كل يوم باتجاهاتى الجديدة مثل تغيير نوع ولون الأجندة اليومية التى استخدمها وهى عادة اكتسبتها من جدى كمال قنديل، رحمه الله، وكذلك تغيير نوعية الموسيقى التى أستمع إليها أثناء عملى وهكذا كلها تغيرات صغيرة ولكنها ساعدتنى على تغيير وتيرة عملى.

الدرس الخامس والأخير فى مقال اليوم أن يكون لدى الإنسان هدف بل حلم لا يحيد عنه إلا قليلا. الحياة مليئة بالمصاعب والشىء الأهم الذى مكننى من التغلب على معظمها حتى الآن - غير مساندة الأهل والأحباب - هو وجود هذه الرؤية أو الحلم الذى جعلنى دائما أبقى شيئا من مجهودى ومواردى للبناء للمستقبل. ينسب للفيلسوف الرومانى سينيكا مقولة تعرف الحظ بأنه ما يحدث عندما تتاح لك الفرصة بعد فترة من الاستعداد. بالإنجليزية يقولون Luck is what happens when preparation meets opportunity أى أن تكون جاهزا طوال الوقت بحيث، عندما تسنح الفرصة تستطيع استغلالها بكل حواسك وجوارحك. ولا يكفى أن يكون لديك الحلم وأن تتحضر له بل كما يقول كتاب «السر» The Secret يجب أن تستدعى تحقق الحلم إلى درجة أن تصل لدرجة الحمد عليه رغم عدم حدوثه بعد. هى فكرة غريبة ولكنها تستدعى نظرة الدين للتفاؤل ونتذكر أقوال الإمام على كرم الله وجهه: «كل متوقع آتٍ إن شاء الله منتظر الفرح سيحصل عليه، صاحب اليقين بفكرته ستتحقق، مسىء الظن سيناله، فتوقع ما تتمنى». وقوله «تفاءل فالصبح يأتى مشرقا من بعد ليلٍ مظلم القسمات، كن واثقا كن مؤمنا كن آمنا كن لينا كن دائم البسمات».

 

 

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات