غالبا ما نخلط فى تحليلاتنا بين الممارسات القمعية والسلطوية، فعلى حين تميل الاولى إلى تجاوز الاعراف المقبولة فى أنماط احتكار الدولة للعنف عبر أجهزتها الأمنية، تتبنى الثانية منحى مختلفا ألا وهو تقنين عمليات إلحاق الأجهزة العامة والمنظمات الاجتماعية إلى رؤيا النظام للعالم والمصلحه العامه ولطبيعته العلاقات الاجتماعية والسياسية.
فى هذا السياق، ركز العديد من المحللين على الميل المتنامى للقمع للنظام السياسى الجديد بقيادة الاخوان وأهملوا لحد ما يمكن تسميته بإعادة انتاج السلطوية. المقصود بهذه العملية هنا هو رصد ثلاث خطوات يتبناها الحزب الحاكم عبر تماهيه مع الحكومه ومع الغالبية فى مجلس الشورى فى تثبيت سيطرته على القطاعات الحيوية قانونيا. تتمثل الخطوة الاولى فى تعيين خبراء جدد يدينون له بالولاء فى معظم الوزارات المفتاحية، وتتركز الخطوة الثانية فى التجهيز لترسانة قوانين من شأنها تدعيم وضع النظام السياسى كقطب قادر على الحكم والضبط مع أقرانه الإقليميين والدوليين، وتهتم الثالثة باستدعاء العديد من الخطط التى راجت ايام العهد البائد كمحاولات لتحديث الدولة المصرية، واعادة تسويقها عبر مسودات قانونية وقرارات رئاسية تؤسس لواقع جديد يستطيع فيه الاخوان المراوحة بين أداتى القمع والتسلط باسم القانون.
هنا يأتى، مشروع القانون الذى طرحته لجنة التعليم بمجلس الشورى كمثال قح على كيف يستخدم النظام الناشئ سيطرته على السلطة التشريعية وخبرائه فى مختلف قطاعات السلطة التنفيذية لإرساء واقع جديد قانونيا وسياسيا. ويهدف هذا المشروع إلى انشاء مجلس وطنى للتعليم والبحث العلمى مكون من ٣٥ عضوا ترشحها جهات تعليمية وتقرها هيئة استشارية تابعة لمجلس الشورى، وينفرد الرئيس باختيار رئيس المجلس الذى يعنى منذ لحظة إنشائه بإعادة النظر فى المنظومة الكاملة للتعليم بكل أشكاله وقطاعاته، واقتراح سلسلة من القوانين واللوائح المنظمة لهذا القطاع بكل تقسيماته.
●●●
ويتبادر إلى الذهن هنا عدد من الأسئلة. يتعلق السؤال الاول بالعناية التى يفردها النظام السياسى الجديد للتأكيد على شرعية إجراءاته من الناحية القانونية وهو بعد لم يتم الالتفات إليه بما يكفى كسمة من سمات أداء النظام السياسى الناشئ والذى يمكن توصيفه عن حق بالسلطوية القانونية وليس القمعية فقط. اما السؤال الثانى فيهتم برصد مدى جدة هذة المبادرة مقارنة بما عرفه قطاعا التعليم والتعليم العالى منذ نهاية خمسينيات القرن الماضى من اهتمام النظم الحاكمة المتعاقبة بأحكام قبضتها على المؤسسات والسياسات التعليمية وتطويعها لتصب فى اتجاه دعم الهيمنة السياسية عبر اشكال مؤسسية من قبيل المجلس الاعلى للجامعات أو لجان القطاع وغيرها من مستويات هرمية معنية بتصميم وتطبيق السياسات. هنا لابد من التنويه بملمح الاستمرارية اكثر بكثير من القطيعة: استمرارية فى استخدام ادوات سلطوية تقلص مجالات التعبير والتغيير من اصحاب المصلحة لصالح خبراء الحزب الحاكم سواء اتخذ شكل الاتحاد الاشتراكى او الحزب الوطنى وحزب الحرية والعدالة. ويهتم السؤال الثالث بفهم قدرة الشبكات الإخوانية، فى مجلس الشورى ووزارتى التعليم والتعليم العالى، على «اقتناص» أفكار تم طرحها ضمن مبادرات الاصلاح اثناء حكم مبارك واعادة تسويقها كخطط مرتبطة بمشروع النهضة. هنا ايضا يجب التشديد على ان من طرح الفكرة منذ عدة سنوات كان اعضاء مجموعة استقلال الجامعات سعيا لمواجهة السياسات النيو ليبرالية للوزارتين والمجلس الاعلى للجامعات وعبر قواعد ترشيح لا علاقة لها بما تم طرحه مؤخرا من لجنة التعليم فى مجلس الشورى كمشروع قانون. ويطرح السؤال الرابع استفسار عن ملاءمة المجالس الوطنية والقومية عموما، على تمثيل قطاعات طالما تم تقنين تكوين هذة المجالس من اعلى وعبر القاعدة الذهبية المطبقة منذ نصف قرن بأولوية اهل الثقة على ما عداهم وعلى تجاهل مطالب اصحاب المصلحة المباشرين بطرح تصورات عن اشكال تقنين إصلاح سياسات قطاعاتهم من اسفل وعبر تنظيمات قاعدية ديمقراطية تتمتع بالاستقلالية والشرعية المؤسسية فى ذات الوقت.
●●●
بعبارة اخرى، الخبر الجيد هنا هو ان الاخوان يسيرون بخطى ثابتة على النهج المباركى ذى القانونية الشكلية وسياسة الاقصاء لكل اشكال المعارضة المطالبة بمناقشة سياسات بديلة. اما الخبر السيئ فهو أن تكوين كل من السلطة التنفيذية والتشريعية الحالى لا يسمح بمواجهة وقص العشب من تحت أقدام هذا التوجه لإعادة انتاج السلطوية باسم القانون تحت مظلة الحكم الإخوانى.
أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأكاديمية مصرية مقيمة فى فرنسا