محمد مدكور: كتاب «صحوة المحكومين» امتداد لتجارب نادرة تتناول تاريخ مصر العميق - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 6:39 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد مدكور: كتاب «صحوة المحكومين» امتداد لتجارب نادرة تتناول تاريخ مصر العميق


نشر في: السبت 8 يونيو 2024 - 8:13 ص | آخر تحديث: السبت 8 يونيو 2024 - 8:13 ص

قال المترجم الدكتور محمد مدكور إن كتاب "صحوة المحكومين في مصر الحديثة"، للمؤلف محمود حسين، الصادر عن دار الشروق، يعد امتدادًا لتجارب نادرة حاولت أن تتناول تاريخ مصر العميق العابر للقرون، حيث حاولت أن تجس نبض الضمير المصري وتلمس روح مصر.

تأتي هذه المحاولات على غرار مؤلفات مثل: "في أصول المسألة المصرية" لصبحي وحيدة، الذي صدر عام 1950، "سندباد مصري/ جولات في رحاب التاريخ" لحسين فوزي، الذي صدر عام 1961، و"شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان" لجمال حمدان، الذي صدر عام 1967.

وتابع: هذه النوعية من الأعمال صعبة التنفيذ على المستوى الفكري. فقد نجد الأثر المنشود في أعمال روائيين، شعراء، ملحنين، وفنانين، حيث تلمس أعمالهم جوانب لا شعورية. بينما المجال الفكري يحتاج إلى مواهب خاصة ليبلور مثل هذه المعاني. وقد استقر في يقيني أن تلك المواهب موجودة عند محمود حسين، فما يميز كتاب محمود حسين هو قدرتهم على تحديد مجموعة مفاهيم تسمح لنا بتتبع هذه الروح.

واستكمل: أول مفهوم هو ثنائية المحكومين والحكام، كثنائية جدلية تحدد مجرى التاريخ على المدى الطويل. وتتميز بتسليط الضوء على مسيرة المحكومين بالذات، وهي مهملة تماماً في أغلب الأعمال الفكرية، سواء كانت اجتماعية أو سياسية. محمود حسين يقول إنه في المجتمع المصري، شأنه شأن جلّ المجتمعات التقليدية، المحكومين عاجزين عن توجيه الأحداث وظلوا يجتهدون لبلوغ ذلك دون جدوى. لماذا فشلوا؟ لأن الحكام ظلوا مهيمنين ليس فقط على أجساد المحكومين وعلى ثمار عملهم، إنما أيضاً على عقولهم. الحكام ظلوا عبر القرون يتمتعون بشرعية مقدسة، وما دام المحكومين يقدسون الحاكم فهم بالتبعية يذعنون لاستعبادهم من منطلق اعترافهم بشرعية إلهية للحاكم.

وأفاد بأن محمود حسين درس كل أنماط هذه الشرعية المقدسة: النمط الأول والذي ظل سائداً لعقود طويلة في بلاد مثل مصر، هو شرعية الحاكم بأمر الله، سواء في صورته الفرعونية أو المسيحية أو الإسلامية. وإن ظهرت، فيما بعد، صور أخرى تبلورت، وأبرزها صورة الزعيم الوطني المتشابكة مع صورة الأب الروحي للأمة، والتي تمثل في الواقع امتداداً لصورة شيخ الجماعة التقليدية المتأصلة في النفس المصرية. إذن، فالسؤال أصبح كيف يمكن تخطي هذه الغلالة، والرد عند محمود حسين هو في عملية الانتقال التدريجي من التقليد إلى الحداثة. ليتأكد مفهوم الحداثة كنقيض لمفهوم التقليد.

قامت الحداثة على مبدأ التغيير أو التجديد، بينما يقوم التقليد على مبدأ الثبات أو التكرار. ينفر التقليد من البدعة، بينما تحبذ الحداثة تخطي الأزمات بالحلول المتجددة دائماً، فتشجع روح الابتكار. ليصبح السؤال ما هي الشروط للانتقال من التقليد إلى الحداثة؟ ويحدد محمود حسين شرطين أساسيين متداخلين، مؤداهما تحول في ضمير المحكومين: الأول هو التمييز بين البعد الإلهي الأبدي للحياة وبعدها الدنيوي الزمني، والشرط الثاني هو بزوغ الفرد بانفصاله عن الجماعة التقليدية.

وواصل: لو أخذنا كبداية للدراسة صورة رعية السلطان، سنجد أن الحيز الروحاني لدى رعية السلطان ينحصر في عقيدة دينية تُسَلِّم بسيطرة الله المباشرة على كافة شؤون الدنيا. تفرض الخضوع المطلق لإرادة الإنسان للإرادة الإلهية، ومن ثَمَّ طاعته غير المشروطة للسلطان الذي يحكم باسم الله. بينما ينحصر الحيز الدنيوي لرعية السلطان في الجماعة التقليدية، أي القرية أو القبيلة أو الحي أو الحرفة، حيث يشكل مجموع الجماعة وحدة عضوية تدين بالولاء غير المشروط للأب أو للشيخ. ويقودنا التمييز بين هذين الحيزين الروحاني والزمني، إلى التمييز بين مفهومين أساسيين: الذاتية والفردية. فتتأكد ذاتية كل شخص بقدر استحواذه على أفكاره وأفعاله، أي بقدر إدراكه أنه هو نفسه مصدر أفكاره وصاحب القرار في أفعاله. ذلك بعد أن اعترف بحيز دنيوي زمني منفصل عن حيز الخلود الإلهي تُسَيّره قوانين موضوعية يمكن للعقل البشري أن يلم بها اعتماداً على حواسه وعقله.

ومن ناحية أخرى، تتأكد فردية كل شخص بقدر انسلاخه عن الجماعة العضوية التقليدية واعتماده على نفسه كفاعل متميز، يمارس جانباً متزايداً من حياته خارج إطار الجماعة ويتحرر تباعاً من وصاية الأب أو الشيخ.

وهكذا يشخص محمود حسين الانتقال من ذات تابعة عاجزة إلى ذات مستقلة فعّالة خلّاقة. لنصل إلى المفهوم الجوهري الأخير الذي يقدمه محمود حسين: في هذا الانتقال من ذات تابعة إلى ذات مستقلة، مثلت الانتفاضات والثورات الشعبية لحظات تاريخية متميزة تبلورت فيها تدريجياً هذه الذات المستقلة. ومن هنا، نضرب كأمثلة الثورات الأولى التي قامت ضد بونابرت وكليبر إلى الثورات الكبرى الحديثة. لنعي مفهوم الوعي الذاتي الذي بدأ يكتسبه المحكومين خطوة بخطوة، وهم ينسلخون من هيمنة الشرعية المقدسة.

لتكون البداية بتبلور الضمير المصري لثورة عرابي، ليليها تبلور الضمير الوطني الديمقراطي العلماني أثناء ثورة 1919 وما بعدها، وأخيراً تبلور الضمير المواطني خلال ثورة 2011. حيث يمثل بلوغ الضمير الوطني تتويجاً للمسيرة الكبرى التي خاضها المحكومون منذ ثورة القاهرة الأولى، إذ قضى على آخر صورة من صور شرعية الحاكم المقدسة، وهي صورة الأب الروحي للجماعة، فأصبحت أخيراً علاقة المحكوم بالحاكم علاقة سياسية، أي علاقة حديثة.

وأضاف: رغم أن الرعايا المصريين لم يحسوا أن فتوحات محمد علي وإبراهيم باشا تمثل بالنسبة لهم "إمبراطورية مصرية"، فإن الضمير "المصري" تأجج مع عرابي في مواجهة الحاكم "الچركسي"، بينما انفجر الضمير "الوطني" لطرد المستعمر "الإنجليزي"، لتكتمل الدورة بانتفاضة الضمير "المواطني" في مواجهة نظام شاخ وفقد آخر مصوغات بقائه، صفة "الأبوية".

واختتم: الكتاب بين أيدينا يفتح آفاق جديدة للقارئ، من خلال تقديمه لأسلحة فكرية تسمح له بطرح أسئلته الذاتية والبحث عن أجوبته الذاتية التي قد تتناقض مع بعض ملاحظات أو أطروحات المؤلف نفسه. فالكتاب الاستثنائي ليس هو العمل الذي يجعلك تقول "كم هو ذكي هذا المؤلف" إنما هو الكتاب الذي يجعلك تعيش لحظة "ما أذكاني وأنا أقرأ هذا الكتاب".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك