حمدى أبو جليل: لا أتعمد السخرية فى أعمالى وإنما أستخدمها لفهم المتناقضات - بوابة الشروق
الخميس 27 يونيو 2024 11:03 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حمدى أبو جليل: لا أتعمد السخرية فى أعمالى وإنما أستخدمها لفهم المتناقضات

حوار - أسماء سعد
نشر في: الجمعة 16 سبتمبر 2022 - 9:18 م | آخر تحديث: الجمعة 16 سبتمبر 2022 - 9:18 م
ــ لا أعتمد على العامية كليا وإنما أوظفها فى سياق الفصحى
ــ الأزمات الحقيقية تصنع الكتّاب.. والمعاناة تجعلهم أقرب للكتابة الروائية
ــ نجيب محفوظ نقل الرواية المصرية من الإنسان للقضية

لغة مغايرة وخبرات حياتية ممزوجة بإحكام فى نص لا يتوقف عن إثارة الدهشة، هكذا إحساس القارئ عند مطالعة أعمال الكاتب حمدى أبو جليل، والذى يملك مجموعة من الإبداعات المميزة، فى هيئة روايات ومجموعات قصصة، وقد صدر له حديثا عن دار الشروق روايتا «لصوص متقاعدون» و«الفاعل».
يملك أبو جليل الجرأة الأدبية التى تمكنه من اقتحام عوالم خصبة، متعمقا فى فهم شخصيات وأبطال تتصاعد الأحداث ما بينهم لتمنح القارئ وجبة أدبية تتكامل فيها العديد من العناصر، وخلال حضوره كأحد ضيوف الشرف لملتقى الشارقة للسرد، كان لـ «الشروق» معه هذا الحوار، الذى قال فيه: «نشأت فى بيئة لا تعرف الكتب، ولكنها تعتز بأن يصبح فيها الفرد «فارسا» أو «مالكا لأحد الأراضى»، لم يكن من السهل الحصول على الكتب فى قريتى فليس هناك أى مكان للحصول على الكتب أو الإطلاع والمعرفة، ولكنى كنت مغرما بشدة بجمع الكتب وتنظيمها بشكل لافت متباهيا بها طيلة الوقت، كنت أعتز بجمع الكتب ووجوها معى اعتزازا شديدا ربما يفوق اعتزازى بقراءتها. و«رواية البؤساء لفيكتور هيجو».. كانت المدخل الذى جعلنى أقرر فيما بعد أن أصبح «كاتبا»، لقد قرأتها دفعة واحدة، وشعرت فور الانتهاء منها أننى لدى المقدرة على كتابة مثل هذه الرواى، شعرت بعدها أن مهنة «الكاتب» من أسمى المهن، وأننى أستطيع أن أعبر بشكل جيد عن نفسى من خلال الكتابة والكلمات، وتعد أول قراءاتى الأدبية بعد البؤساء «مجلة فصول».
> البعض قد تزعجه اللغة العامية فى النص وآخرون يعتبرون العامية عربية خالصة لماذا تنحاز إلى العامية فى سرد العديد من أعمالك؟
ــ لكى أكون صادقا معك، أنا أشعر طوال الوقت بأننى أريد الكتابة بالعامية تماما، لكنى إلى الآن لم أستخدم اللغة العامية بشكل كلى فى السرد، ولكنى دائما ما «أستخدم تضمين العامية داخل سياق الفصحى».
ألجأ للعامية عندما أجدنى لا أستطيع التعبير بالفصحى بالشكل الدقيق الخفيف الحيوى الطلق المتضمن فى العامية، ثم إننا لا نتحدث الفصحى فعليا فى البيت والشارع والمفارقة أن الأدب هنا ما زال مصمما عليها، حتى مع وجود مرادفات بالفصحى فى النص لابد من استخدام العامية.
نظرا لأننى بدوى فى الأصل، ولهجتى الأولى بدوية، لذلك قد أصبح وافدا على لهجة القاهرة، واللهجة المصرية العامية، هى لهجة عريقة لها تاريخ طويل من المدنية جعلها أكثر رفاهة ودقة وبالنسبة لكاتب ساخر لابد أن يستخدم العامية.
استخدامى للعامية فى رواياتى، هدفها التعبير عن لغة تشبه لغة «الكلام»، أقصد فى سهولة الكلام ويسره وقدرته على الإقناع، أشعر بسعادة كبيرة عندما يقولون لى «كنا نسمعك ونحن نقرأ لك».
فى رواية «قيام وانهيار الصاد شين»، تجرأت تماما فى استخدام العامية، هذه الطريقة أرهقت الكثيرون خصوصا أننى قمت بإضافة «ألفاظ» ليست مجرد «بدوية فقط» ولكن ألفاظ خاصة جدا لكل «عزبة» ولكل «قرية» من مجتمع البدو، ولذلك كان «هامفرى ديفيز» الذى قام بترجمتها هو الوحيد الذى كان يستطيع ترجمتها لأنه متعمق فى العامية المصرية جيدا.
> كيف أمكنك فى روايتك الفاعل أن تحتفظ بشغف القارئ من البداية وحتى النهاية.. هل السبب هو طريقة السرد أم الكتابة عن تجربة حقيقية؟
ــ لا أعرف تحديدا ولكن فى «الفاعل» عندما شرعت فى كتابتها، كنت أريد أن أكتبها بشكل تقليدى مثل روايات نجيب محفوظ، وهذا كلفنى استغراق فترة طويلة لأطوع هذا العالم العشوائى للعالم المنظم مثل نجيب محفوظ، ولكنى فشلت فى النهاية وقررت أن أجعلها مثلما أريد، أستاذى العظيم خيرى شلبى قالى أفضل رأى فى رواية الفاعل قال لى نصا «أنت عبيط، كان معاك جوهرة وضيعتها»، وفعلا أرى أن الأستاذ معه حق، جوهر رواية «الفاعل» فى التقنية، فى الحل الدرامى المستخلص من القيد الدرامى.
> نجد فى رواية لصوص متقاعدون، وباقى أعمالك تعمد توظيف السخرية، هل تقصد ذلك؟
ــ السخرية فى الأدب ليس معناها أن أتعدى على أحد بالنقد، ولكن السخرية فى الأدب وسيلة مناسبة لفهم متناقضات الإنسان دون الانحياز، السخرية ليست مع الخير أو الشر ولكنها تكشف المفارقة بينهم.
لا أتعمد السخرية، ولكنى أحب السخرية وهى غير متاحة دائما حتى لى، أقصد الزاوية الساخرة، تلقى الحياة من الزاوية الضاحكة متاح لكنه عصى المنال فى نفس الوقت، صرحت سابقا أننى «لا أريد من الرواية إلا أن يضحك القارئ»، أقصد أن يبتسم القارئ وهو يقرأها.. ربما فى كثير من الأوقات أستغرق وقتا كبيرا فى الكتابة بحثا عن هذه النبرة الساخرة الملائمة للانطلاق فى الكتابة.
> كيف يمكن للأدب أن يطرق عوالم غير مألوفة للقارئ ويعرفه عليها كتعبيرك الدائم عن عالم البادية والتحولات الاجتماعية التى طرأت على «البدو»؟ ما دور الأدب فى حفظ التراث الشفوى غير المحفوظ؟
ــ هذا «هم» تملكنى مؤخرا مع رواية قيام وانهيار الصاد شين خصوصا، أردت أن أحفظ الشعر البدوى من الاندثار، لأنه «تراث»، اللهجة البدوية انقرض عدد كبير ممن يتحدث بها بشكل كبير خصوصا فى شمال الصعيد، آخر جيل حرص على استخدامها بشكل دائم هو جيل والدتى مثلا، فأنا فى الكثير كمن الأحيان لا أستخدمها وهكذا الأجيال التى أتت بعدى، فبالفعل قصدت توثيق اللغة البدوية والشعر البدوى فى رواياتى خوفا وحرصا عليه من الانقراض.
أصنف نفسى بأننى كاتب «شبه عدمى» ولكنى شعرت بمسئولية كبيرة أننى لابد أن أطوع تراث اللغة البدوية العظيم ما يمكن استخدامه فى الرواية، وحتى فى استخدامى للشعر البدوى أحاول أن أضعه بشكل لا يؤثر على الفهم العام للسياق بأكمله.
> فى يدى الحجرية.. عبرت عن ثنائية سردية جمعت بين الغرب والشرق فى رأيك ما هى أبرز المتناقضات بين العالمين؟ وهناك مساحات التقاء مشتركة؟
لم يشغلنى التناقض بين الشرق والغرب، ولا أن أضع الشخصيتين فى مواجهة بعض، لم أقصد الاختلاف عن معظم الكتابات العربية التى كتبت فى هذه المنطقة من أول «قنديل أم هاشم، وعصفور من الشرق لتوفيق الحكيم، وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، رأيى أن الطيب صالح بهذه النظرة للغرب كان موقفه ونظرته «بائسة إلى حد ما».
انشغلت أثناء كتابة «يدى الحجرية» فى تقديم نفسى وشركائى فى التجربة، وليس ممثلى الثقافة المصرية والغربية، فالإنسان فى حد ذاته لا يختلف عن أى إنسان فى أى مكان، وهذا ما يهمنى ويشغلنى بالفعل الكتابة عن «الإنسان نفسه عموما».
الرواية المصرية، فى بدايتها الكبيرة الزاهية، بدأت بالإنسان، توفيق الحكيم كتب عن نفسه وهو نائب فى الأرياف فى روايته «يوميات نائب فى الأرياف» وطه حسين كتب عن نفسه فى كل أعماله، وكان الكاتب المصرى على مصاف كبار الكتاب فى العالم، روايات توفيق الحكيم كانت تترجم فور طباعتها بل فور كتابتها وطه حسين كان ينافس سارتر وكامو على جائزة نوبل.
ثم جاء نجيب محفوظ بتركيبته الخاصة وحذره المعهود واعتباره حياته الخاصة قدس الأقداس، وطبعا باخلاصه العظيم وانتاجه الضخم المتنوع ــ ونقل الرواية المصرية من الإنسان للقضية، من الإنسان كغاية للرواية فى حد ذاته إلى وسيلة لإثبات قضية أو فكرة أو رأى أو مرحلة، وهذا ما سارت عليه الرواية المصرية حتى اليوم.
> هل تعتبر رواية يدى الحجرية سيرة ذاتية؟
ــ أتخيل كثيرا أننى أريد أن أصبح كاميرا ناقلة لكل الأحداث عند الكتابة، أن أنقل الواقع بكل تفاصيله ولكن ذلك لن يحدث، لأن الخيال يفرض نفسه بشدة عند الكتابة ورسم الشخصيات وسرد الأحداث، ولكننى أرجو أن لا ألجأ إليه وأتمكن من نقل الواقع بحذافيره.
فى الوقت الحالى، لم يعد أمام الروائى إلا نفسه فكل أنواع الروايات تم تقديمها سواء تاريخية أو خيال علمى، فالكاتب يستطيع أن يقدم نفسه ولكن هذا يحتاج مرانا وتدريبا ليتمكن من الوصول إلى النفس بشكل صحيح.
> ما وقع الإشادات البالغة التى وجهها إليك مجموعة من رموز الأدب فى مصر؟
أكتسب من أساتذتى «الإيمان» رأيت فى عيونهم تصديقهم الشديد بأننى سأصبح كاتبا عظيما، لو كنت أمنت بنفسى وصدقت كلام خيرى شلبى ربما كنت عملت باجتهاد أكبر بكثير من الآن.
> إلى أى مدى يمكن أن تساهم معاناة الكاتب وتحدياته فى أن تثرى نصوصه وتثقلها بالخبرات الحياتية؟
ــ أكرر دائما أن الإنسان الذى نشأ فى بيئة يتوافر فيها كل شىء يكون له الاختيار والرفاهية فى أن يكتب رواية أم لا، أما الإنسان الذى نشأ فى بيئة فقيرة وواجه مأساة ومعاناة، فإن قدره أن يكتب فهو أقرب بالفعل للرواية، فالكاتب لابد أن يكون صاحب أزمة حقيقية وعلى درجة من الإحساس والشعور بكل ما حوله، من يملك المعاناة يكون أقرب للكتابة الروائية، لأنه خاض تجارب أكثر وأثقل.
> ما الدور الذى يلعبه الوسط الثقافى أو وسط المثقفين فى إضفاء أهمية على أعمال كاتب من عدمه؟
ــ هناك ظلم طبعا فيما أسميه «الإجراءات» حول الأدب عموما، ظلم أحيانا يتمثل فى الجوائز أو المؤتمرات أو الترجمات أو حصر الكاتب نفسه، ولكنى أؤمن أن العمل الجيد سيفرض فرض نفسه لا محالة، الفيصل الوحيد هنا هو «القراءة»، لذلك فإن ثقل الكاتب والمحتوى الذى يقدمه حضوره بين القراء يفرضون نفسهم بقوة، ولا تؤثر عليها «جوائز ولا دراسات نقدية».
> صرحت فيما سبق «أننا نكتب لمجتمع لا يقرأ» لماذا؟
ــ دعينا نعترف أن دوائر القراءة اتسعت الآن، أصبحت تتخطى نسب القراءة أيام جيل أساتذتى الكبار خيرى شلبى وإبراهيم أصلان ومحمد مستجاب، الإنترنت لم يؤثر على القراءة بشكل سلبى ولكنه ساهم فى زيادة نسب القراءة. وبالطبع نسب القراءة أصبحت فى تزايد نظرا للسمات الفنية التى باتت عليها الرواية الآن من: سهولة اللغة، السخرية، تغير موقع الكاتب بدلا من الاعتماد على «الكاتب الضمير» أصبح اهتمام الكاتب الآن لا يتجاوز احتياجاته الشخصية!.
> ما الذى تمثله الصحافة بالنسبة إليك؟
ــ التحقت بالعمل فى الصحافة باعتبارى موظفا مصريا يعيش فى فترة لابد فيها من عمل إضافى للوظيفة حتى يستطيع أن يعيش والصحافة كانت الوظيفة الأقرب للكاتب. على الرغم من أننى أنتجت فى الصحافة ــ كتاباتى فى جريدة الاتحاد الإماراتية ثلاثة كتب هى الأكثر توزيعا بين أعمالى.
> هل يمكن أن تحدثنا عن قادم أعمالك؟
ــ أعمل على رواية تدور أحداثها وتقوم بشكل أساسى على «غيط والدتى».


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك