بداية فإن المقصود بتعميم الدعم أن يكون الدعم متاحا لكل من يطلبه وفق شروط عامة تشمل محدودى الدخل بمفهوم واسع دون قيود تفرض على طالبى الحصول على بطاقات التموين، وقد يكون الدعم معمما من خلال الدعم المباشر لأسعار سلع محددة يحصل عليها الجميع بنفس السعر كما يحدث مثلا لسعر البنزين الذى يحصل عليه الجميع بنفس السعر المدعم، بينما استهداف الدعم المقصود به تحديد الأفراد المستحقين للدعم من خلال تطبيق معايير محددة، وبالتالى لا يحصل على الدعم إلا المقيدون بالقوائم التى تضم هؤلاء المستحقين للدعم وباقى المواطنين يحصلون على السلع والخدمات بأسعار السوق والتى من المؤكد أنها ستكون أعلى فى الأسعار.
بالطبع فإن تعميم الدعم يحتاج إلى مخصصات مالية كبيرة تتناسب مع عدد السلع والخدمات المدعومة وعدد المواطنين الذين يطلبون هذه السلع والخدمات، بينما فى استهداف الدعم ستقتصر النفقات المطلوبة على الأفراد الذين تم تحديدهم كمستحقين للدعم الذين تنطبق عليهم الشروط المحددة مسبقا وبالتالى تستطيع الحكومة تحديد هؤلاء المستحقين وفق المخصصات المالية التى تستطيع الموازنة توفيرها.
وكما سبق القول (ما كتبناه عن الدعم النقدى أم العينى) فإن الحكومات المتعاقبة ترى أن مخصصات الدعم تتزايد وتلتهم نحو ثلث الموازنة وتؤدى إلى المزيد من زيادة عجز الموازنة مما يتطلب ضرورة خفض هذا الدعم، وبالتالى تعمل الحكومة على تحقيق هذا الهدف من خلال ما أسمته «تنقية بطاقات التموين» من غير المستحقين وكانت المرحلة الأولى تنقية البطاقات من المتوفين والأسماء المكررة.
فى نوفمبر 2016 صرح وزير التخطيط السابق بأنه سيتم تنقية البطاقات التموينية من خلال التعاون بين وزارات التخطيط والإنتاج الحربى والتموين وحذف غير المستحقين للدعم، ثم فى مارس 2017 ووفق تصريحات وزير الاتصالات أنه تم البدء فى تنفيذ برنامج بالتعاون مع وزارة التموين لتنقية البيانات، وكانت هناك محاولة قبل ذلك وأدت إلى حذف عدد كبير من أصحاب البطاقات ولم يعلن عن هذا العدد، ولكن شكاوى الكثير من المواطنين الذين أضيروا من هذا الحذف جعل الحكومة تفتح المجال لتصحيح ذلك، وبالتالى غير معروف ما هى نتيجة هذه التنقية للبطاقات أم أن وزارة الاتصالات ستبدأ المحاولة من جديد.
***
فى ظل عدم الشفافية وعدم وضوح الإجراءات التى تنوى الحكومة اتخاذها، نلاحظ أن الحكومة تحاول معرفة رد فعل المواطنين من خلال مجموعة من التصريحات التى تتحدث عن إجراءات لتحديد مستحقى الدعم ولكن لا نعرف مدى صحة هذه التصريحات.
من أمثلة التصريحات الخاصة بما تنوى الحكومة فعله من أجل تحديد مستحقى الدعم، ما أعلنته فى نوفمبر 2016 لجنة العدالة الاجتماعية المشكلة من 4 وزارات هى وزارة التموين والتخطيط والمالية والتضامن الاجتماعى بما أسمته المعايير الخاصة لتنقية بطاقات التموين وأسباب استبعاد غير المستحقين لبطاقة التموين ودعم السلع الأساسية المدعمة، حيث أعلنت عن وضع 10 معايير لتنقية البطاقات وهى كالتالى:
1– استبعاد الأسر التى يزيد إجمالى دخلها الشهرى عن 10 آلاف جنيه.
2– استبعاد الأسر التى تلحق أبناءها فى مدارس دولية.
3– وكذلك استبعاد الأسر التى تلحق أبناءها فى مدارس خاصة ويتجاوز مصروفات الطالب الواحد 20 ألف جنيها سنويا.
4– الأسر التى تمتلك عقارين فأكثر وأحدهما فى المناطق الجديدة أو المناطق السياحية.
5– حذف الأسر التى يزيد معدل استهلاكها من الكهرباء شهريا على 650 كيلو وات.
6– استبعاد أصحاب فواتير المحمول التى تزيد على 6 آلاف جنيه مصرى سنويا.
7– استبعاد من يملكون أراضى زراعية تتجاوز 10 أفدنة على أن يتم احتساب قيمة المحاصيل الزراعية وفقا للأسعار المقررة.
8– كما سيتم استبعاد أصحاب السجلات التجارية التى تتجاوز مبالغ مالية كبيرة سيتم تحديدها.
9 ــ كما تضمنت المعايير استبعاد أصحاب الضرائب الأعلى.
10– التواجد خارج البلاد للهجرة أو العمل فى سفارات وقنصليات الدول الأجنبية.
وبالطبع فأعتقد أن هذه المعايير وهذه التصريحات هى مجرد بالون اختبار لمعرفة ردود أفعال المواطنين ومدى تقبلهم لذلك، وخصوصا أنه لم يتم الإعلان عن أية خطوات تنفيذية لذلك، وهو ما يوضح ما نعرض له فى هذه المقالات عن تناقضات سياسة الدعم وكيف أن الحكومة ترغب فى تنفيذ إجراءات تخفض من فاتورة الدعم ولكنها تخشى غضب الفقراء وبالتالى تحاول تمرير ما تريد من خلال مجموعة من الإجراءات التى تعتقد أنها تحقق لها هدفها ولكن الأوضاع الاقتصادية تزداد سواء وبالتالى لا تستطيع تمرير ما تريد وتزداد فاتورة الدعم التى تريد تخفيضها بسبب تعويم العملة، وهكذا نستمر فى هذا التخبط فى السياسات مع التكرار الممل لتصريحات السعى الحكومى لتوصيل الدعم إلى مستحقيه.
***
يبقى السؤال هل يمكن تنفيذ سياسة استهداف الدعم؟ من الواضح أن استهداف الدعم يتطلب أولا تحديد المعايير التى تستخدم فى تحديد المستحقين، وإذا تم العمل بالمعايير العشرة التى أعلنتها لجنة العدالة الاجتماعية فسنجد أن تطبيق هذه المعايير يحتاج إلى قاعدة بيانات ضخمة غير موجودة وتحتاج لفترة ليست قليلة لإنشائها، والدليل على ذلك أن الحكومة لم تنجح فى وضع قواعد بيانات سليمة لحائزى بطاقات التموين مما جعل المستفيدين من هذه البطاقات يصلون وفق تصريحات حكومية إلى 60 مليون مواطن، ثم هناك عقبة أخرى فى تطبيق هذه المعايير أنه يمكن التحايل عليها فكيف يمكن معرفة الأسر التى يزيد دخلها عن عشرة آلاف جنيه شهريا إذا كانوا من غير الموظفين، ثم سيحتاج تطبيق هذه المعايير إلى جيش من الموظفين ستكون تكلفة مرتباته وحوافزه كبيرة بحيث تلتهم جزءا كبيرا مما يتم توفيره، وهناك أيضا مشكلة الحراك المستمر لحالات الفقر فمن لا تنطبق عليه المعايير حاليا قد يتحول إلى محتاج للدعم بعد فترة مع زيادة الأسعار والبطالة.
لذلك على الحكومة إدراك صعوبة التحول إلى استهداف الدعم وعليها البحث عن كيفية إصلاح نظام الدعم الحالى.