بعد وقع مفاجأة نتيجة الانتخابات الرئاسية والتى أصابت الغالبية بالإحباط، بدأت محاولات التصدى لإعادة إنتاج نظام مبارك من خلال محاولة الحصول على ضمانات من الإخوان مقابل التصويت لمرشحهم، ويلاحظ أن الاجتهادات المختلفة للقوى السياسية تقتصر على ما يمكن تسميته ضمان الحصول على مناصب وعدم استئثار الإخوان بالمواقع القيادية وتحديد أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، وعلى الجانب الآخر أطلق مرشح الإخوان العديد من التصريحات التى تطمئن كل القوى بداية من المرأة التى ضمن لها حريتها فى ارتداء ما تشاء من ملابس ومرورا بالأقباط الذى غازلهم بإمكانية أن يكون منهم نائبا للرئيس ونهاية بالتلويح بزيادة المعاشات والضمان الاجتماعى وإسقاط ديون الفلاحين.
واعتقادى أن المشهد السياسى ما زال مرتبكا بالعديد من المبادرات التى تتحدث فى الأهداف والعموميات دون محاولة لوضع قواعد وآليات يمكن المحاسبة عليها، كما أن التركيز على الجانب السياسى لا يعد من الأولويات التى يهتم بها المواطن العادى الذى سيذهب للتصويت لمن يرى أنه سيخفف عنه مشكلاته الحياتية.
●●●
لذلك أعرض فيما يلى مجموعة من التعهدات الاقتصادية المطلوبة من الإخوان لضمان أن يكون هناك توافق حول الإجراءات الاقتصادية المطلوب اتخاذها خروجا من تردى الأحوال الاقتصادية التى تزداد وطأتها، ومن ذلك:
1ــ التوقف عن المواقف غير الاقتصادية التى يتخذونها أو يسكتون عنها فى البرلمان مثلما حدث عند مناقشة اتفاقية بقرض عندما رفضها البعض لأنها محددة الفائدة ولأن الفائدة حرام فلا يمكن الموافقة على الاتفاقية، لأن السير فى هذا الاتجاه سيجعل مصر تتوقف عن إبرام القروض التى هى فى أشد الحاجة إليها لأنها جميعا تحتوى على تحديد سعر للفائدة.
2ــ وضع معايير محددة لاختيار القيادات حتى لا يكرر الإخوان ما فعله الحزب الوطنى من فرض رجاله على كل موقع وان يكون لدينا هيئة تتولى مراقبة ذلك والبحث فى الشكاوى التى تقدم لها بعدم الحصول على الحق فى منصب نتيجة للواسطة والمحسوبية.
3ــ الإعلان عن استمرار العمل بالنظام المصرفى الحالى لأننا فى مرحلة لا تتحمل خوض تجارب فى تحويل النظام المصرفى التقليدى إلى نظام المصارف الإسلامية، مع دراسة مجالات العمل التى لا تتفق مع الشريعة وكيفية التعامل معها وأن يتم ذلك من خلال دراسة متأنية وشاملة لكل الظروف وليس مجرد إطلاق شعارات دون أن نعرف كيف نطبقها فى زمننا.
4ــ أطالب بأن تكون الوظائف التقليدية للدولة وهى العدالة ممثلة فى القضاء، والدفاع ممثلا فى القوات المسلحة، والأمن ممثلا فى الشرطة، أن يشترط فى الالتحاق بهم عدم الانتماء إلى أية تنظيمات سواء سياسية أو دينية حتى تظل هذه المؤسسات حيادية فى تعاملها مع الجميع وأن تكون مصلحة الوطن هى ما يشغلها وتترفع عن الانحياز لفئة دون آخرى وهو ما يتطلب أن يكون من يلتحق بها من غير المنتمين إلى أى تنظيمات رفعا للحرج، ولدينا الملايين ممن يصلحون لذلك دون انتماءات وعلينا أن نضع قاعدة فى مصر الثورة أن هذه المؤسسات خارج نطاق الاقتسام الحزبى أو الطائفى.
5ــ عدم فرض تنفيذ مشروع النهضة الذى أعلنته جماعة الإخوان كبرنامج لمرشحها والحوار حوله لأن هذا البرنامج يركز على الجانب الريعى للاقتصاد وهو نفس توجه الحزب الوطنى، وعلينا التركيز على الصناعة باعتبارها الركيزة الأساسية لتطوير الاقتصاد والقضاء على البطالة، وهو ما يستدعى الاهتمام بإنقاذ القطاع العام وليس السير فى سياسة بيع المتبقى منه.
6ــ لمواجهة الاختلاف فى الرؤى وحتى لا تتأخر مواجهة المشكلات والأزمات الاقتصادية، يمكن دعوة مجموعة صغيرة من الاقتصاديين من ذوى التوجهات المختلفة، ويقومون بدراسة أهم المشكلات الاقتصادية والاتفاق على سبل مواجهتها، وهذا الاقتراح يحقق الفوائد التالية:
● أن يطرح كل اتجاه رؤيته للمناقشة وبالتالى يتم تصويب ما يراه الآخرون من نقائص
● محاولة التوصل إلى توافق حول سبل المواجهة، مع ملاحظة أن المشكلات الاقتصادية يسهل التوصل إلى حلول لها لو خلصت النوايا للبحث عن الصالح العام.
● عدم ضياع وقت الحكومة الجديدة فى التصدى للآراء المخالفة حيث تقوم بتنفيذ سياسة توافقت عليها غالبية القوى والتوجهات السياسية مما يسهل عليها التركيز فى تنفيذ السياسات المتوافق عليها.
● تفويت الفرصة على من يحاولون استمالة الجماهير بطرح أفكار وسياسات يصعب تنفيذها أو ليست للصالح العام، مما يخلق مشكلات لمن يتولون التنفيذ ويحاولون هم أيضا المزايدة على الآخرين مما يؤدى إلى انهيار للاقتصاد.
●●●
هذه مجموعة من القضايا الاقتصادية التى تحدد اتجاه بوصلة الاقتصاد فى المجتمع وعلينا التوافق حولها وليس فرض رؤية حزب يرى أن أغلبيته تعطيه الحق فى تغيير قواعد الاقتصاد بغض النظر عن حجية الآراء الأخرى، فهل يستمع الإخوان لذلك وتكون لديهم الرغبة الصادقة فى المشاركة أم تأخذهم الرغبة فى اقتناص موقع الرئاسة للموافقة على كل ما يطرح ثم يعودون لما يشتكى منه السياسيون المتعاملون معهم بالنكوص عما وافقوا عليه ودائما لديهم المبررات لذلك؟ هذه المرة ليست مواقفهم هى التى على المحك بل المجتمع هو الذى على المحك نتيجة لمواقفهم فهم الذين سيحددون هل ستتجه الأصوات التى تبحث عن ضمان المستقبل لهم أم لن يقنعوها بذلك.