الاقتصاد وتغيرات المجتمع - صفوت قابل - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاقتصاد وتغيرات المجتمع

نشر فى : الأحد 2 ديسمبر 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الأحد 2 ديسمبر 2018 - 9:15 م

انقضى عامان على تعويم الجنيه والذى أحدث زلزالا فى المجتمع المصرى من حيث تأثيره الضخم على الأفراد وقطاعات الاقتصاد، وهو ما يزال الجميع يعانون من تبعاته وخاصة الارتفاع المستمر للأسعار والذى لا تظهر له نهاية، بل هناك من التصريحات ما يمهد للمزيد من زيادات الأسعار سواء فى أسعار وسائل النقل مثل المترو وقطارات السكك الحديدية أو زيادة أسعار البنزين بحجة زيادة الأسعار العالمية (على الرغم أن هذه الأسعار تزيد فترة وتهبط أخرى) وكذلك ما اعتدنا عليه سنويا من زيادات فى أسعار الكهرباء وهو ما ينعكس بالزيادة على كل الأسعار.
ونتيجة للسياسات الحكومية نجد أننا نتعايش فى ظل ثلاث من المسلمات: الأولى أن ظاهرة ارتفاع الأسعار والغلاء ظاهرة مستمرة وأنه مهما كان معدل التضخم منخفضا بالنسبة لفترة سابقة فإن تراكم الزيادات السعرية يفوق طاقة دخول غالبية المصريين، وثانيا أنه مع كل موجة فى زيادة الأسعار يضج المواطنون بالشكوى ويطالبون بالعودة إلى الأسعار السابقة وهى التى كانوا يشتكون منها أيضا، وهو ما أسميته فى كتابات سابقة بالحنين إلى ما كنا نشكو منه من أسعار، وثالث هذه المسلمات هو دور الحكومة الذى يقتصر على التصريحات بالضرب بيد من حديد على التجار الجشعين وتشديد حملات مراقبة الأسواق وهو ما يعرف الجميع أنه مجرد تصريحات لا سند ولا نتيجة لها.
وفى ظل هذا الواقع علينا أن نعرف ماذا فعل الغلاء بالمصريين، لأنه من المؤكد أن هذا الغلاء قد أحدث تأثيرات عميقة على النواحى الاقتصادية والاجتماعية بل وتكوين القيم للأفراد، وهو ما يتطلب الدراسة لتحديد السياسات التى تواجه التغيرات السلبية فى المجتمع.
***
وفى اعتقادى أن طوفان زيادات الأسعار يمكن أن نصف مرحلته الأولى بمرحلة الصدمة، حيث كانت الزيادات فى الأسعار للمحروقات والسلع الأساسية ثم كل السلع نتيجة انخفاض قيمة الجنيه وتبع ذلك ضريبة القيمة المضافة وهو ما أحدث صدمة للمواطنين وانشغل الجميع بماذا حدث وماذا يفعل وتراجع الاهتمام عن كل القضايا إلا صدمة زيادة الأسعار، وحدثت الفوضى فى الأسواق من انفلات لكل الأسعار بحجة تعويم الجنيه.
وكانت المرحلة الثانية والتى أسميها مرحلة التكيف بمعنى أن كل فرد يحاول التكيف والتأقلم مع هذه الموجة من الغلاء بطريقته بعد أن تأكد للجميع عدم رغبة الدولة فى مواجهة هذا الغلاء بل أن جزء كبير من هذا الغلاء صناعة حكومية، وهكذا وجدنا أصحاب المهن المختلفة مثل الأطباء والمدرسين والمحامين يطلبون زيادات مقابل خدماتهم، وتبعهم الحرفيين بكل طوائفهم ومبررهم ما حدث من غلاء، ثم كانت هناك الفئات المتميزة فى المجتمع مثل القضاة والبنوك ورجال الشرطة والجيش حيث حصلوا على بدلات تحاول أن تواجه ما حدث من غلاء، ولم يتبق إلا الموظفون وأصحاب المعاشات الذين وقعوا فى بئر الفقر، ومن لم يستطع زيادة دخله لمواجهة الغلاء أخذ فى البحث عن وسيلة للحصول على المال حتى ولو بطرق غير شرعية، مما زاد من حجم الفساد والرشوة، وعلى الرغم من هذا التدهور فى العلاقة بين الدخل والأسعار ظلت فئة ليست بالقليلة تعانى وتستمر فى الحياة من خلال ما اصطلح المصريون على تسميته بالستر، فهناك الأسر المستورة التى تعانى من عدم قدرتها على سداد نفقاتها والتى تتحملها بعيدا عن خدمات الدولة المتدهورة، وهم عماد الطبقة الوسطى التى تكافح من أجل عدم السقوط فى برائن الفقر.
***
ويمكن رصد ما يلى من آثار الغلاء على النشاط الاقتصادى:
1ــ زيادة محاولات إنتاج السلع الرديئة والفاسدة لطرح سلع رخيصة يستطيع الفقراء شراءها.
2ــ مع الغلاء ونقص السلع يكون الحل هو الاستيراد وليس محاولة زيادة الإنتاج المحلى، ومن الغريب أنه على الرغم من القول أننا بلد زراعى من آلاف السنين فإن زراعة الكثير من المحاصيل وخاصة الخضراوات تعتمد على استيراد التقاوى من الخارج ووفقا لتصريحات وزير الزراعة أمام مجلس النواب (نوفمبر 2018) فإن مصر تستورد بنحو مليار دولار سنويا تقاوى للخضر، ويتحكم محتكرو الاستيراد فى أسعار هذه التقاوى مما يؤدى إلى زيادة التكاليف وبالتالى زيادة الأسعار، ويضاف لذلك قيام هؤلاء المحتكرين باستيراد أصناف رديئة وفاسدة كما حدث لمحصول الطماطم، وهو ما أدى إلى صدور قرار من وزير الزراعة بمنع استيراد هذا الصنف من التقاوى، ولكن مما يوضح مدى سيطرة المحتكرين فلقد تقدم المستورد بطلب باستيراد نفس الصنف بحجة أنه قد دفع جزءا من ثمنه وبالتالى لا يريد خسارة ما دفعه، بينما لا توجد مشكلة فى خسارة الفلاحين ونقص الإنتاج وزيادة الأسعار.
3ــ وبدلا من أن تواجه الدولة المحتكرين وتوسع من قاعدة الإنتاج وتسهل الإجراءات أمام الدخول للأسواق حتى يزداد عدد المستوردين مما يقلل من سلبيات الاحتكار، قامت الدولة باستيراد السلع عن طريق شركات القوات المسلحة وانضم لها شركات وزارة الداخلية، لتعرض السلع بأسعار أقل ولكنها لن تستطيع تغطية الطلب عليها.
***
أما آثار الغلاء على البنيان الاجتماعى للمجتمع فيمكن ملاحظة ما يلى:
1ــ وضوح انقسام المجتمع المصرى إلى طبقتين: الطبقة الغنية التى استفادت من الغلاء بحكم سيطرتها على الأسواق وتستطيع مواجهة الغلاء، وبالتالى فمن الخطأ النظر إلى المتسوقين فى المحال الكبرى وحجم مشترياتهم الكبير واعتبار ذلك عينة على سلوك المصريين، بينما هو فى الحقيقة سلوك طبقة الأغنياء والتى لا تتعدى 1 % من الشعب المصرى، بينما هناك الطبقة الوسطى والتى تحاول تدبر معيشتها من خلال عروض التخفيضات على السلع أو البحث عن أنواع رديئة عما كانوا يستهلكون، أما الطبقة الدنيا فأصبحت تسلك أحد مسلكين إما الشكوى لاستدرار العطف والحصول على المعونات وإما التحايل للحصول على المال بوسائل غير قانونية مثل افتراش الأرصفة لعرض سلع رديئة أو فرض الإتاوات على أصحاب المحال والسيارات وغير ذلك من المهن الهامشية.
2ــ تزايد أطفال الشوارع الذين خرجوا للبحث عن احتياجاتهم نتيجة عدم قدرة آبائهم على الإنفاق عليهم، بل تزايد حالات هجر الأزواج لعائلاتهم والطلاق، وتزايد الجرائم فى العائلة الواحدة نتيجة الصراع على النقود.
3ــ تزايد الجرائم والسرقات ودخول مجرمين جدد غير معروفين للشرطة نتيجة الفقر والغلاء، ومن ذلك جرائم خطف الأطفال وبيع الأعضاء البشرية بكل ما يعنيه ذلك من دخول فئات ذات مستوى تعليمى مرتفع فى هذه العصابات.
أما أثر الغلاء على القيم وسلوكيات المواطنين فيمكن ملاحظتها فى السلوك العدوانى فى تعامل الأفراد مع بعضهم، فلم يعد الحوار وسيلة للنقاش بل العراك والشتائم وسيلة للتعامل، وعدم الاهتمام بالمحافظة على الممتلكات العامة وتلاحظه فى القمامة التى ملأت الشوارع وتقبل الأفراد لذلك، وفوضى المرور، ورغبة الشباب فى الهجرة ولو على قوارب الموت وهو ما يوضح تراجع الانتماء وعدم الاهتمام بأى قضايا ومشكلات مجتمعية.
على المسؤولين إذا كانوا يعتبرون سكوت المواطنين على الغلاء علامة على النجاح فعلى المدى الطويل سيجدون أن الغلاء له آثاره المدمرة على هيكل المجتمع.

صفوت قابل

أستاذ الاقتصاد ــ عميد تجارة السادات سابقا

صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات