نشر موقع «على الطريق» مقالا للكاتب نصرى الصايغ، جاء فيه ما يلى:
هل من خطوة إلى الأمام؟
بعد أزمنة التراجع، يتفاءل الأغبياء فقط. يتوقعون أن يكون بؤسهم القادم، وحفنة معيشتهم، وترويضهم على القليل ثم أقل، بأن التقدم يقتضى حتما القليل من التراجع.
اللبنانيون، ليسوا أغبياء، يعرفون أن شياطين السياسة، ماضون بالوطن إلى جهنم. يدركون أن ما يخطط لهم، وبواسطة خبراء الأرقام، هو المزيد من الإفقار والتفاوت، والمزيد من الصفقات المخزية والمعلنة.
أنهم ليسوا أغبياء البتة. حفظوا عن ظهر قلب أسماء الفاسدين والمفسدين. يسمون الأشياء بأسمائها. يحددون السارق وحجم المسروقات. لا يعلنون ذلك، خوفا من الانتقام المريع بواسطة القانون وأنظمة شبيحة القضاء.
اللبنانيون اختصاصهم فى قول الحقيقة: هذه الطبقة السياسية المتوازنة. نهبت البلد. أفلسته. دفعته إلى الهاوية، وهى تتقدم الصفوف حاليا، للإصلاح المالى (كذب) والإدارى (فجور) والسياسى (عهر) والاجتماعى (نهب).
إنهم كلبنانيين أذكياء، يتنبأون بمستقبل بائس، بفقر، بجوع، بهجرة، و… بمزيد من الفساد والإفساد والفجور. آخر الأدلة على الفجور الاستفحالى، شراء مبنى «تاتش»، ولووو! الناس عرفوا وعاينوا وشهدوا، ومع ذلك، لم نسمع ضربة كف، ليكفوا عن هذه الصفقة.. عادة سخيفة. اللبنانى يشك كثيرا. ثم لا شيء. قد يشتم ويلعن ويكفر، ولكنه لا يذهب إلى أبعد من ذلك. ولووو! ضربة كف لم نسمع.
الوطن ماضٍ إلى الخلف، بذريعة أن الاصلاح يقتضى تشليح اللبنانيين، ما يستر عورتهم الاقتصادية. البطالة يا ناس، جريمة لبنانية ارتكبتها هذه الحفنة الدسمة، فسادا وإفسادا.
حكمة السلطة: ضحوا اليوم أفضل من أن يُضحى بكم. عجيب. الضحية اللبنانية مطلوب منها أن تضحى. الذين ارتكبوا أفعالا شنيعة كان من أثرها هذا الوضع السافل، لن يضحوا بشيء. الذين هدموا هذا البلد، منذورون لإعادة بنائه… من يصِّدق ذلك؟ من هو الغبى الذى بدل أن يصافح يد هؤلاء، أن يخرمشها بأظافره أو بعضها بأسنانه، أو أكثر من ذلك، إذا استطاع إلى ذلك سبيلا.
إذا كان اللبنانيون يعرفون كل ذلك، فلماذا لم يتحركوا؟ وقد لن يتحركوا. لماذا هذا الهوان والخمول واللا جدوى؟ صحيح أن الإصلاح غير ممكن، والتغيير مستحيل، والتحسين بعيد المنال، وإبقاء الحال على ما هو عليه نحس خبيث.. ولكن لماذا هذه الاستقالة؟ هذه الغفوة؟ هذا التسامح؟ هذا اليأس.
لا رغبة لدينا، فى اتهام الطائفية والطائفيين. هؤلاء أوفياء جدا لطوائفهم وزبانيتها. لا حرج عليهم. إنهم مستنفرون دائما. برغم مهانتهم ومذلتهم، للدفاع المستميت عن ناهبيهم ومستغليهم.. هؤلاء هم هراوات الأحزاب الطائفية والتيارات المطوَّفة.. لا عتب على هؤلاء، باعوا كرامتهم وشرفهم برتبة تابع فقط. هؤلاء، أشد الأعداء شراسة فى المواجهات، دفاعا عن عقيدة السطو والسلطة… أخرجوا هؤلاء من حساباتكم. إنهم الأعداء الحقيقيون، وجلاوزة سفلة السلطة والمال والطائفة والارتهان.
هذا معروف، ولا ضرورة لتكرار هذه المعزوفة… إنما، السؤال الذى يظل بلا جواب دائما، أين هى البقية الكثيرة التى هى حقا مدنية ولا طائفية ووطنية ويسارية وعلمانية؟ أين هم هؤلاء الكثر الذين يتمتعون بالجبهة العالية، ونظافة الكف والضمير، والذين يريدون لبنانا جديدا، أكثر إنسانية وعدالة؟
لا أعرف عن جد. إنهم موجودون بصفة غائبين، مع أنهم يكثرون الكلام والرفض والتذمر والتحسر.
هل المسألة هى فى فقدان قيادات مدنية؟
لا. لبنان غنى جدا بكفاءات قيادية، إنما مستقيلة. لبنان غنى بمن أيديهم ناصعة وعقولهم نظيفة ومنطقهم سليم وإحساسهم مرهف، وأكثر من ذلك، لديهم الكفاءة فى قول الحقيقة، وصفا للداء، ووصفا للدواء. هؤلاء القلة، متقاعدون.
اذهبوا إليهم. اقرعوا أبوابهم. ادعوهم لممارسة دورهم.
فتشوا عنهم. إنهم موجودون، ولكن بصفة متقاعد، أو بذريعة «فالج لا تعالج».
لن أذكر أسماء بعضهم. ولكن، عندما يحين الوقت، وتدق الساعة، سندعوهم ليكونوا فى الطليعة. إذا استجابوا، كان ذلك بداية مشجعة، وإذا تلكأوا، فليذهبوا إلى النسيان.
لبنان بانتظار هؤلاء. المعركة بحاجة إلى ميدان، وهو موجود، على امتداد 10500 كلم2. وبحاجة إلى من يشير بأصبع الاتهام ويصيب، والى من يشير إلى الأمام، ويدل، وإلى من يرسم خريطة طريق، نص عليها اتفاق الطائف، ولكن كتبته وورثته خانوه، عندما أخفوه عن الناس.
أول الغيث يبدأ من هذه القبضة القوية، ومن هذه البوصلة الأمينة.
طغمة الشياطين تطالبنا بالتراجع لتتقدم. أذكياء برتبة محتالين. الصح. البداية تبدأ بغير الكلام. الإقدام، عندما تمشى، تعبر أكثر من اللغة.. فإلى الأمام، متى نسمعها ونطيعها ونمضى بها إلى النهاية؟
هذا صعب، ولكنه غير مستحيل.
هذا هو إيماننا. فنؤمن بذلك، ولنكفر بسواه.