نشر موقع 180 مقالا للكاتب سميح صعب، ذكر فيه أن الحرب التى لطالما بقيت فى الظل بين إيران وإسرائيل (مجرد استهداف لمواقع عسكرية إيرانية، واستهداف سفن إسرائيلية فى بحر العرب)، قد لا تبقى كذلك فيما بعد، خاصة بعد زيادة تخصيب اليورانيوم لـ84 فى المائة، وإجراء مناورة جوية واسعة بين واشنطن وتل أبيب لردع طهران. يقول الكاتب أيضا إنه رغم تأزم المشهد الداخلى فى إسرائيل وفى الضفة الغربية، إلا أن هذا قد لا يمنع نتنياهو من الاصطدام بإيران خاصة بعد استياء أمريكا من التقارب الإيرانى الروسى بشأن الحرب الأوكرانية... نعرض من المقال ما يلى.تمر العلاقات الأمريكية ــ الإيرانية بأدق مرحلة منذ عام 2018، تاريخ انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمى للاتفاق النووى لعام 2015)، وتنشيط «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران مؤشر ينذر بتطورات قد تكون أخطر هذه المرة، نظرا إلى الأوضاع الداخلية السائدة فى كل من الجمهورية الإسلامية وإسرائيل.
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام عن العثور على آثار يورانيوم مخصب بنسبة 84 فى المائة فى منشأة فوردو الإيرانية المدفونة تحت جبل جنوب طهران، كان بمثابة جرس إنذار عبّر عنه مساعد وزير الدفاع الأميركى كولن كال بأن المدة الفاصلة بين طهران والقنبلة تقلصت إلى 12 يوما، علما بأنه لم ينسَ التذكير بأهمية الاتفاق النووى الذى أبرمه باراك أوباما وجعل المسافة بين إيران والقنبلة عاما بكامله.
ويهرع رئيس الأركان الأمريكى الجنرال مارك ميلى إلى إسرائيل، ويلحق به وزير الدفاع لويد أوستن. سبقت ذلك زيارات لوزير الخارجية أنطونى بلينكن ومستشار الأمن القومى جيك سوليفان ومدير الاستخبارات المركزية الأمريكية (سى أى إى) وليم بيرنز.
صحيح أن غليان الضفة الغربية يضعها على شفا انتفاضة ثالثة فى توقيت سيئ للولايات المتحدة، لكن الملف الإيرانى هو الأرجح ما يرمى إليه تكثيف التنسيق العسكرى بين أمريكا وإسرائيل. وفى يناير الماضى، وتحت ضجيج الحرب الروسية ــ الأوكرانية، أجرت واشنطن وتل أبيب أوسع مناورة جوية بعيدة المدى حتى الآن.. ولا شك أن الرسالة وصلت إلى طهران.
ثم أتى بعدها تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن العثور على اليورانيوم المخصب بنسبة 84 فى المائة، أى أقل بـ6 فى المائة فقط عن نسبة الـ90 فى المائة الضرورية لحيازة مواد انشطارية تصنع منها القنبلة النووية. إيران قالت إن الأمر ناجم (عن تقلبات لا إرادية) خلال عملية التخصيب، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطالب بإيضاحات أوفى. ولهذه الغاية، طار المدير العام للوكالة رافييل جروسى إلى طهران وقابل الرئيس إبراهيم رئيسى ونظيره الإيرانى محمد إسلامى.
إذا استطلعنا الحيثيات التى سبقت العثور على اليورانيوم المخصب بنسبة 84 فى المائة، فإن هذا التطور أتى بعد استئناف حرب الظل، والتى فى سياقها قصفت مُسيّرة مصنعا عسكريا فى أصفهان فى 29 يناير الماضى، وفى 18 فبراير اتهمت إسرائيل إيران بقصف ناقلة نفط يملكها رجل أعمال إسرائيلى فى بحر العرب. وفى اليوم التالى، شنّت إسرائيل غارة على حى كفر سوسة بدمشق، قيل إنه استهدفت اجتماعا لخبراء إيرانيين وسوريين معنيين بملف المُسيّرات.
وناهينا عن اقتراب إيران من عتبة القنبلة النووية، فإن حرب الظل هذه المرة محفوفة بمخاطر الانفلات إلى حرب إقليمية أوسع، وفق ما كتبت داليا داسا كاى فى فصلية الفورين أفيرز الأمريكية. هناك المأزق الداخلى الذى يعيشه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بسبب الإصلاحات القضائية التى يحاول تمريرها لكف يد المحكمة العليا وجعل الكنيست يحكم فى القضايا الأكثر مثارا للجدل. هذا يضع إسرائيل على فوهة بركان داخلى لم تشهده منذ التأسيس. وإذا ما أضيفت التطورات المتسارعة فى الضفة الغربية التى تدفع باتجاهها حكومة أقصى التشدد الدينى والقومى فى إسرائيل، وصولا إلى اقتحام المستوطنين لبلدة حوارة قرب نابلس والمخاطر التى قد تترتب على إطلاق يد المستوطنين كى يعيثوا فسادا فى مدن الضفة وقراها، فإن مأزق نتنياهو يزداد تعقيدا. حوارة أنهت مفاعيل الاجتماع الأمنى الإقليمى فى العقبة.
• • •
بين الداخل الإسرائيلى والضفة الغربية، قد يختار نتنياهو الذهاب إلى إيران، فى وقت يلمس تعاظما فى الاستياء الأمريكى من طهران، فى ضوء توسع العلاقات العسكرية الروسية ــ الإيرانية، ولا سيما تزود موسكو بالمُسيّرات الإيرانية. وفى هذا السياق، كتبت صحيفة الجارديان البريطانية أن «روسيا فى سبيلها إلى الحصول على المزيد من المُسيّرات المتقدمة، التى تُقارَن بمُسيّرات «بيرقدار تى بي2» التركية، لأن أوكرانيا نجحت فى التصدى للمسيرات الانتحارية الأصغر، التى كان يتعين عليها الطيران على ارتفاع منخفض قبل أن تصل إلى أهدافها».
وترى مجلة «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكية أن «الأكثر أهمية، هو أن الطموح إلى مبادلة المُسيّرات وربما الصواريخ الباليستية الإيرانية بمقاتلات «سوــ35» الروسية المتطورة، يشكل حسابا قاتما بالنسبة إلى الغرب. إن المبادلات العسكرية الحالية بين طهران وموسكو قد كشفت عن مشهد جيوسياسى جديد. إن واشنطن وحلفاءها يواجهون الآن محورا أكثر نشاطا وعدائية من أى وقت مضى».
ولا ينحصر التعاون الروسى ــ الإيرانى فى الجانب العسكرى، بل إن البلدين اللذين يرزحان تحت وطأة عقوبات غربية قاسية، عمدا فى الأشهر الأخيرة إلى إقامة قنوات اتصال مالية مباشرة بين المصارف فى الجمهورية الإسلامية وأكثر من 800 مؤسسة مالية فى روسيا. ويأخذ تكثيف التنسيق العسكرى الأمريكى ــ الإسرائيلى هذا البعد العسكرى المتنامى بين روسيا وإيران، فى الاعتبار، لما يُمكن أن يترتب عليه مستقبلا فى المنطقة.
ومنذ سبتمبر الماضى، عندما اندلعت احتجاجات هى الأوسع فى إيران منذ عام 1979، على خلفية وفاة الشابة مهسا أمينى بعد أيام من احتجازها فى مركز للشرطة بسبب الوضعية «غير المناسبة» لحجابها، لم يعد البرنامج النووى والنفوذ الإقليمى هما الملفان الخلافيان فقط بين الولايات المتحدة وإيران. أضيف إلى ذلك القيود التى فرضتها إيران على الاحتجاجات، من الإعدامات إلى الاعتقالات، ثم تفاقمت الأمور بعد تزوُد روسيا بالمُسيّرات الإيرانية.
يجرى كل ذلك وسط غياب أى تواصل دبلوماسى أمريكى ــ إيرانى منذ توقف المفاوضات النووية غير المباشرة بين الجانبين فى العام الماضى، باستثناء ما تسرب عن أكثر من اجتماع جمع مسئول الملف الإيرانى فى الإدارة الأمريكية روبرت مالى بالسفير الإيرانى فى الأمم المتحدة سعيد إيروانى، فى نيويورك، مطلع السنة الحالية. وفى واشنطن، ثمة من يلوم إدارة جو بايدن على ترددها فى التوقيع على اتفاق يحيى خطة العمل المشتركة الشاملة، لأنه مع وجود هكذا اتفاق، كان من الصعب على إيران أن تذهب إلى حد تزويد روسيا بالمُسيّرات.
فى المقابل، أمعنت العقوبات الغربية الجديدة فى تردى الوضع الاقتصادى فى إيران وهوت بالريال إلى مستويات قياسية فى مقابل الدولار الأمريكى. يحدث ذلك برغم أن صندوق النقد الدولى أعلن قبل فترة قصيرة أن الصادرات الإيرانية من النفط قد زادت أكثر من الضعف منذ عام 2020، بعدما كانت بلغت أدنى مستوى لها عام 2020. ويذهب معظم النفط الإيرانى إلى الصين، البلد الذى يعارض حملة الضغط الأمريكية على الدول الأخرى. وبدّدت زيارة الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى أخيرا للصين ما اعترى العلاقات الصينية ــ الإيرانية من تساؤلات، عقب زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج للرياض فى ديسمبر الماضى، وما تخللها من تأسيس لعلاقات شراكة استراتيجية بين بكين ودول الخليج.
ومع ذلك، زادت الاضطرابات الداخلية فى إيران من مخاوف الذهاب إلى صراع إقليمى أوسع فى حال زادت وتيرة الضغوط الغربية عليها. كما أن الاهتزازات الداخلية جعلت القيادة الإيرانية حساسة حيال أى تطور إقليمى. مثلا، عبّرت طهران علنا عن الانزعاج حيال استثنائها من عملية تطبيع العلاقات التركية ــ السورية برعاية روسية. فكيف يُمكن أن يكون الرد الإيرانى فى مثل هذه الظروف الدقيقة على عملية إسرائيلية قد تعتبرها طهران تغييرا فى قواعد اللعبة وخارج نطاق «المعركة بين الحروب»؟
• • •
إن الرفع «غير المقصود» لنسبة تخصيب اليورانيوم، قد يكون من بين الرسائل التى ترد بها طهران على رسائل التنسيق العسكرى الأمريكى ــ الإسرائيلى المتزايد وعلى العقوبات الأمريكية التى تلحق ضررا فادحا بالاقتصاد الإيرانى.
كل هذه العوامل تساهم فى احتدام الصراع الإقليمى وتُشرّع باب التساؤلات عما سيلى موت الدبلوماسية بين أمريكا وإيران، إلا إذا برزت تطورات مفاجئة يُمكن أن ترسم مسارات جديدة، خاصة أن زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافييل جروسى إلى طهران ما كان لها أن تحصل فى هذا التوقيت الذى يسبق اجتماع مجلس محافظى الوكالة الدولية، إلا فى ضوء (مؤشرات إيجابية) رفعها خبراء الوكالة الذين يزورون طهران منذ الحادى والعشرين من فبراير الماضى، وهى المؤشرات التى استدعت توجيه دعوة إيرانية إلى جروسى لزيارة طهران. ولعل البيان المشترك بين منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، السبت الماضى، بمضمونه الإيجابى، يصب فى هذا الاتجاه، فضلا عن إعلان جروسى أنه لمس خلال الزيارة وجود إرادة جدية لدى الإيرانيين لإعادة إحياء الاتفاق النووى.
النص الأصلي