تكرار الربط بين النساء والضرب.. وتأثيره على مكانة النساء - جيهان أبو زيد - بوابة الشروق
الخميس 10 أبريل 2025 8:08 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تكرار الربط بين النساء والضرب.. وتأثيره على مكانة النساء

نشر فى : الثلاثاء 8 فبراير 2022 - 8:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 8 فبراير 2022 - 8:40 م

 

يبدو الحرص المريب على إثارة قضية ضرب الزوجات كل عدة أشهر كما لو كان حرصا على صيانة الفكرة فى العقل الجمعى. كما لو أنه تَعمدُ لإبقاء تلك العلاقة يقظة فى ذاكرة المجتمع. يتكرر التطرق لضرب الزوجات وكأن جُل مشكلات الأسرة المصرية قد عولجت، وقضى على الفقر الذى يضرب أعناق ثلث المجتمع، والفساد الذى يمتص كل إنجازات التنمية، والجريمة التى تبدع يوميا فى إدهاشنا كاشفة عن خلل اجتماعى ونفسى ضارب فى أرواح البعض. يستعذب البعض تكرار طرح «ضرب الزوجات» فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة ومؤسساتها إلى مراجعة شاملة للقوانين والسياسات لتنقيتها من الكثير والكثير من مظاهر التمييز واللا مساواة بين النساء والرجال.

يكشف التأمل فى ذلك الإصرار على إعادة الربط بين «النساء والضرب» عن رغبة دفينة فى ترويض العقل الجمعى عبر ترسيخ أفكار بعينها وإعادة إنتاجها لإبقائها حية فى الوعى العام، بل طرحها فى انفصال تام عن واقع تتقاذفه تحديات جادة ومصيرية تحتاج إلى عقول نقدية يقظة قادرة على التحرك للمستقبل، عقول تملك ملكة المراجعة والانتقاء من التراث ومواجهة الظلامية.
يعمل تكرار الربط بين النساء والضرب على بناء اعتقاد عام مفاده جواز ضرب النساء، وهنا تقع الخطورة حين تتحول الفكرة القابلة للنقد والرفض إلى اعتقاد راسخ فى عقول البعض؛ حيث يسهل أن يُسَلِم الإنسان القيادة إلى الاعتقاد، متجاهلا العقل فى منظومة لا تعزز من اللجوء للعقل أساسا. يستمد الاعتقاد قوته من الكثرة وكلما ازداد عدد معتنقى رأى ما أو فكرة ما كلما ترسخ حضورها وبات من السهل طغيانها حتى لو كان اعتقادا جائرا وغير إنسانى.
هذا ويتمتع البعض بقدرات أكبر فى تشكيل الوعى الجمعى، ويقع رجال الدين ونساؤه على رأس القائمة لما لهم من مكانة وقداسة فى المجتمع، كما تلعب بعض الشخصيات الإعلامية دورا لا يقل تأثيرا عن دور رجال الدين فى تشكيل أو توجيه العقل الجمعى. يستمد الفاعلون فى مداعبة العقل الجمعى قوتهم من البقاء بقرب النصوص الدينية والتاريخ الدينى وحتى الأساطير الدينية، فهى من تفتح الآذان أولا وتضمن جذب المستمعين والمستمعات. وتشغل قضايا النساء مكانة استثنائية وسط قائمة القضايا مداعبة المخيلة الأبوية العتيقة؛ حيث يسمح الحفاظ على أبوية المجتمع بالإبقاء على امتيازات محددة وفرتها الثقافة للرجال لعقود طويلة، على أن تلك الامتيازات تتعرض للتحدى فى العصر الراهن، الأمر الذى يستدعى إعادة التذكير بالاعتقادات القديمة والتنبيه بأحقية الرجال فى الامتيازات ذات الصبغة المقدسة ومن بينها ضرب النساء.
كذلك يساهم تجديد الربط بين النساء والضرب فى السماح للرجال بتوظيف أدوات غير مرفوضة كليا من قبل الثقافة، بل إن لها فرقا مناصرة، وبالتالى فإن تكرار التذكرة بالضرب من شأنه أيضا أن يعيد الانتباه إلى حالة السماح بالضرب. يعيد هذا تغذية هذا الفهم المختل للرجولة وتحويلها إلى مجموعة من السلوكيات العنيفة التى بدورها تفصل الرجال عن إنسانيتهم.
• • •
يدعم الربط بين النساء والضرب العلاقات المتسلطة القائمة على امتلاك الرجال للسلطة والقوة والتى يجدر الحفاظ عليهما بامتلاك المهابة الضرورية للإبقاء على تلك السلطة، وتُصنع المهابة بخلق المسافات بين البشر والتمسك بالصورة الجامدة لصاحب اليد العليا والتحلى بسلوكيات محددة تؤكد بلا كلل تفوق أحدهما على الآخر وامتلاكه لناصية القرار. يحقق الربط بين النساء والضرب هذا الهدف بجدارة، فالضارب لابد وأن يتمتع بموقع أعلى والمضروب عليه أن يتذكر أنه ضعيف مفعول به دوما ومعرض للإهانة أيضا إن أساء التصرف أو أثار الغضب السامى. يغذى هذا الخطاب التوقعات الذكورية غير الناضجة التى تعمد لبناء عضلات الذكور وتدريبهم على كبح المشاعر وعلى الاحتفاء بالغضب والرعونة.
ثم يعمد هذا الربط بين النساء والضرب إلى زرع الخوف، بل إلى تعميق ثقافة الخوف أو زرعها أو كلاهما. للخوف تاريخ مضنٍ فى الجماعات البشرية ولا يحتاج إلى المزيد من العوامل لإيقاظه، بل صار العالم ذاته ماكينة لخلق المزيد والمزيد من مثيرات الخوف، ولسنا بحاجة إلى نفض غبار ثقافتنا لجلب جرعات إضافية، فالخوف تحديدا يغذى تاريخ النساء فى كل البقاع وبالأخص بقاعنا المشمسة التى لم تنقيها حرارة الشمس من فيروسات الخوف. يتم إرضاع الصغيرات الحليب ممزوجا بالخوف من المستقبل والخوف من الجسد والخوف من العار والخوف من الفقر والخوف من المجتمع ومن الرجال.. الخوف يغلق شرنقته على النساء، وعوضا عن تمزيق تلك الشرنقة ليتمتع المجتمع بأكمله بطاقة وعطاء نصفه، نفاجأ بالعكس تماما، بأصوات تعيده إلينا طازجا حيا مثيرا مرغوبا من قبل صاحب العصا ومرهوبا مفزعا من قبل تلك الواقعة بقبضة العصا.
• • •
لا توقظ العلاقة بين النساء والضرب الخوف فقط بل تصنعه صنعا لمن نجون منه ــ إن كان هناك ناجيات من الخوف. يصنع الخوف من الرجال وحوشا وهم شركاء الحياة، ويصنع منهم أعداء وهم رفقاء الدرب، ويصنع منهم قادة وما هم إلا أنداد، فالقيادة تحتاج إلى المهارات والخبرة والدراسة ولا تصنعها الهرمونات، يصنع الخوف أمراضا لسنا بحاجة للمزيد منها، فالحداثة وتلوث البيئة والفساد والجوع والحروب والصراعات والفقر تخلف الكثير من الأمراض المجتمعية التى لا يمكن مواجهتها إلا بجهود النساء والرجال، وفى ضوء علاقات إنسانية تعتمد وقبل أى شيء على الاحترام المتبادل وعلى العدالة والمساواة فى الفرص كافة. لسنا بحاجة لعلاقات يؤطرها الخوف من العصا، أو الخوف من التهديد أو الخوف من الإهانة، لسنا بحاجة لأرواح ميتة قتلها الخوف فى مرحلة ما من مراحل تدجينه، ولسنا بحاجة لقلوب جمدتها الغلاظة؛ فالأم الخائفة لن تنشئ جيلا حرا، والرجل العنيف لن يحظى بلحظة سلام ولن ينعم بإنسانيته أبدا. فلنكف عن دعم تلك الجسور المريضة بين النساء والضرب والنساء والعنف، فلن تجلب إلا عنفا وتفسخا فى العلاقات الأسرية والإنسانية.

باحثة بمركز جنيف للدراسات

جيهان أبو زيد باحثة بمركز جنيف للدراسات
التعليقات