ليس انتحارًا بل قتلا - جيهان أبو زيد - بوابة الشروق
السبت 28 ديسمبر 2024 12:54 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليس انتحارًا بل قتلا

نشر فى : الأحد 9 يناير 2022 - 6:45 م | آخر تحديث : الأحد 9 يناير 2022 - 6:45 م
ما الذى كان يدور برأس قاتلى بسنت وهم يلفقون صورا فاضحة بصبر واحتراف لابتزاز ابنة قريتهم الطفلة التى لم تتعد السابعة عشرة والتى خلقها حظها العاثر فتاة فى مجتمع لم يتعلم أبدا أن الإناث بشر؟! الطفلة المصرية التى قتلت غدرا بيد شابين ومجتمع كامل يرى فى النساء دمية وجسدا، مجتمع يعلم مسبقا أن التعدى على النساء مبرر بل مقدر فى سجل الذكورية الفجة التى تحتفل بفحولتها بقتل النساء وذبح كرامتهن إنسانيا ومجتمعيا.
قتلت بسنت بدم بارد وببطء مخيف انتقاما من أنوثتها التى خولت لشابين تدمير أمنها واختلاق فضيحة لها فى مجتمع لا يرى فى الإناث إلا عارا جاهزا للانفجار، مجتمع يصدق مسبقا أى فضحية تطال أية أنثى لأنه تعَلّم أن الأنثى عار وأنها عضو معوج سيجلب الفضيحة فى لحظة ما من حياته، تلك التنشئة التى استوعبها كلاهما جيدا جعلت الأمر سهلا ومُجازا، ثقتهم فى تصديق المجتمع لم تكن موضع شك، ولم يخذلهم المجتمع المحيط، بل ربما لم تخذلهم حتى عائلة بسنت نفسها، الجميع رضع من نفس القيم المسمومة ونفس الثقافة العارية من العدل والرحمة، نفس الثقافة التى لم ترق فيها الإناث إلى رتبة إنسان بعد.
قتلت بسنت وينتظر قاتلوها نصا قانونيا عطوفا يبلغ أميالا عن «الردع» ليكون دم الطفلة مقابلا لخمسين ألف جنيه مصرى، فوفقًا لنص المادة 18 من قانون العقوبات المصرى فإن التهديد بفضح شخص عن طريق تنفيذ جريمة الاعتداء على أى من المواقع، أو اختراق البريد الإلكترونى يترتب عليه عقوبات بالسجن لمدة لا تقل عن شهر واحد، أو يعاقب فاعله بدفع غرامة مالية لا تقل عن 50 ألف جنيه مصرى، ولا تزيد على 100 ألف جنيه مصرى. كما أن المادة 309 مكرر من قانون العقوبات تعاقب المبتز بالحبس مدة لا تقل عن عام فى حالة التقاطه لصورة أو نشرها من دون موافقة صاحبها.
قتلت بسنت بنص آمن لا يدين الذكور المعتدين بل يصنع منهم أبطالا فى بعض الأحيان، القوانين ذاتها تُعظم الجرائم ضد النساء، ولننظر إلى مصطلح «قتل الشرف»، مصطلح واحد يبيح القتل ويدعو له ويضع تاجا على رأس مرتكبيه، مصطلح مصنوع بمقاس الذكور مفصل عليهم تفصيلا دقيقا ولا يعمل أبدا إذا استخدمته النساء، فشرف الأنثى لا يهان وفق تلك المنظومة العقلية إذا شاهدت خيانة زوجها بأم عينها، فإن قتلته فهى قاتلة وليست بمدافعة عن شرفها وليس عليها أن تتطلع أبدا لتاج التكريم الذى يضعونه على رأس الرجال. ثقافة تجذر يوما بعد يوم من دونية الإناث وتعزز لبناء ذكورية مريضة تخرج الرجال من البناء الإنسانى ذاته، تصنع منهم عقولا مختلة مهووسة بالجسد وحتى قبل فهم ما هو الجسد وما هى الرغبة.
قبل أسابيع من انتهاء العام المنصرم طالعتنا الصحف بحادثة مفجعة لقتل طفلة لم تكمل عامها الثالث بعدما خطفت على يد ابنىِ عمومتها، الأكبر فيهما كان بعمر الثانية عشرة والأصغر فى الثامنة من عمره. كلا الطفلين ظنا أنهما سيلتقطان الرجولة بغزو جسد الطفلة الأنثى، من الذى زرع تلك الأفكار المريضة بعقل الطفلين؟ من الذى انتهك إنسانيتهما وهدرها بتحويلهما إلى كائنات أدنى من الحيوانية؟ من الذى انتزع من قلوبهما الفطرة النقية التى نولد بها جميعا ذكورا وإناثا لتقوم ثقافة ما وبيئة ما وسياسات ما بتشويهها حد الإمراض؟!
من أقنع الطفلين بقدرتهما على انتهاك جسد قريبتهما الطفلة هو ذاته من مَكّن الشابين من ارتكاب واقعة قتل بسنت وطعنها فى كرامتها وتشويهها فى مجتمع يقبل تشويه الإناث سريعا، هو ذاته من أنشأ المراهقين الذين أهدروا اسم مصر قبل أسابيع قليلة ــ العاشر من ديسمبر 2021 ــ من نهاية العام بعنوان مشين بالصحف الأوروبية لمراهقين ستة اقتحموا معسكرا للاجئين بجزيرة سيسيليا الإيطالية لاغتصاب الفتيات القصر بالمعسكر ثم تهديدهن إن أخبرن السلطات بوقائع الاغتصاب، أى تنشئة تلقاها هؤلاء لتمرر عقولهم ارتكاب جريمة بهذا الحجم وهم أنفسهم بموقع ضعف كلاجئين غير قانونيين؟!
أحداث متلاحقة وضحايا جدد كل يوم وآلام وموت تفجعنا به الصحف التى تبعث بنسب محدودة جدا مما يشهده الواقع. ألم يأنِ الأوان للاعتراف بوجود مشكلة عميقة تمس أمن النساء فى مصر وتضرب أمن الوطن وتعكر علاقة المواطنة ذاتها؟
ألم يأنِ الأوان للتصديق أن تنشئة الأطفال وفق تلك العلاقة المختلفة بين الإناث والذكور لن تجلب إلا عنفا وغضبا وهدرا للطاقات ولسمعة مصر؟
ألم يأنِ الأوان للتعامل بجدية تليق بإنسانية المرأة المصرية التى بلغت مبلغا هاما سياسيا واقتصاديا ومازالت تخشى على طفلتها وطفلها من الانتهاك الفعلى أو الإلكترونى والذى تزداد وتيرته يوما بعد يوم؟
ألم يأنِ الأوان لكى تعترف وزارة التعليم بضرورة التعامل مع الظواهر المريضة بالمجتمع ومواجهتها بشجاعة عبر مناهج تعليمية وأساليب تعليمية شجاعة وعلمية لا تختبئ خلف الأكشاك الدينية البعيدة كل البعد عن قيم الأديان ومبادئها الحرة؟
ألم يأنِ الأوان لتجريم العنف ضد الإناث بكل أشكاله ومظاهره وفى جميع المجالات تجريما رادعا وفاعلا لا يترك للجناة الإفلات؟
ألم يأنِ الأوان لإعادة تعريف الرجولة لتتضمن الرحمة عوضا عن العنف، والحماية عوضا عن الهتك، والبناء عوضا عن الهدم، والتعلم عوضا عن البلطجة، والفن عوضا عن الإسفاف، والمبادئ عوضا عن الغدر، والعطاء عوضا عن السرقة، والشجاعة عوضا عن الجبن والاختباء فى الظلام وخلف الشاشات؟
ألم يأنِ الأوان لإعادة الاعتبار لصورة ومكانة الرجل المصرى الذى كان المدافع الأول عن كرامة النساء؟ الرجل الذى تلقى الضربات الأولى لسؤاله عن إنسانية النساء، قاسم أمين ومحمد عبده وآلاف بل وملايين غيرهم عملوا ويعملون لدعم النساء لمساعدتهن لتبوء مكانة تليق بإنسانية المرأة وكرامتها التى منحها الله لها.
جيهان أبو زيد باحثة بمركز جنيف للدراسات
التعليقات