استيراد الأسمنت أفضل من استيراد الفحم - صفوت قابل - بوابة الشروق
السبت 12 أبريل 2025 4:36 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

استيراد الأسمنت أفضل من استيراد الفحم

نشر فى : الجمعة 9 مايو 2014 - 6:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 9 مايو 2014 - 6:45 ص

قررت الحكومة المصرية استيراد الفحم رغم معارضة وزارة البيئة وقطاعات واسعة من المثقفين، ورغم اعتراف الحكومة بالآثار السلبية لاستخدام الفحم على صحة المواطنين والبيئة إلا أنها تحاول مواجهة ذلك من خلال ما تقوله عن العمل على تطبيق الاشتراطات البيئية التى تقلل من الآثار السلبية لاستخدام الفحم، ولخطورة هذا التحول لاستخدام الفحم هناك العديد من الاستفسارات المطلوب الإجابة عنها بطريقة علمية وربط قواعد الاستخدام المطلوبة بطبيعة تنفيذ الأعمال فى مصر، فهناك دائما فجوة بين وضع اللوائح والاشتراطات وإمكانية تنفيذها، لذلك ليس المهم وضع الاشتراطات ولكن الأكثر أهمية هو إمكانية تطبيقها، ومن القضايا الخلافية والمطلوب دراستها قبل تنفيذ هذا القرار:

هناك دراسة لوزارة البيئة توصلت فيها إلى أن تطبيق المعايير البيئية على الفحم فى مراحل استقباله بالموانئ ونقله وتخزينه واستخدامه يجعله أكثر تكلفة من الغاز علاوة على الخسائر الفادحة التى ستتعرض لها مصر بسبب انبعاث الكربون، فإذا كانت هذه الدراسة صحيحة فلماذا الإصرار على استيراد الفحم، إلا إذا كان المسئولون يبيتون النية على عدم التنفيذ الكامل لهذه الاشتراطات وإن حديثهم عن توفير هذه الاشتراطات البيئية ما هو إلا وسيلة لطمأنة المهتمين ثم مع فرض الأمر الواقع باستخدام الفحم يتم تجاهل توافر هذه الاشتراطات، وخاصة فى ظل إمكانية التحايل على التنفيذ.

مما يؤكد أن التنفيذ غير مرتبط بالاشتراطات، أن المتخصصين يقولون إن تنفيذ هذه الاشتراطات يحتاج لسنوات، بينما شركات الأسمنت التى تسعى لاستيراد الفحم تقول إنها ستنفذ ذلك فى شهور، بل إن احدى الشركات قد استبقت وضع الاشتراطات وقامت بالفعل باستيراد الفحم وتخزينه فى الميناء دون أى اشتراطات صحية، فهل فى هذا المناخ من التسيب يمكن تصديق أنه سيتم تنفيذ أية اشتراطات صحية تقلل من إصابة المصريين بالأمراض؟.

من أهم الاشتراطات أن تكون المصانع بعيدة عن المناطق السكنية، وهذا غير متوفر فى مصر فغالبية المصانع تقع ضمن الكتل السكنية، مما يجعل تعرض السكان فى محيط عدة كيلومترات عرضة لاستنشاق الانبعاثات الكربونية، ولنا فى ما يحدث من مصانع حلوان عبرة حيث تحولت هذه المنطقة إلى أكثر المناطق من حيث عدد مرضى الصدر نتيجة ما يستنشقونه من مخلفات المصانع، ولم تهتم أى حكومة بعلاج هذه المأساة، فهل تضيف الحكومة إلى طوابير المرضى المزيد؟.

•••

يحتاج استخدام الفحم اتخاذ تدابير بيئية متشددة، تضع حدّا أقصى للانبعاثات الكربونية، ولكن الواقع ينبئنا أن الحكومة غير قادرة على إلزام المصانع بتنفيذ اشتراطات أقل تشددا فيما تطلقه من أبخرة، فكيف تنجح فى فرض اشتراطات أكثر تشددا، والدليل على ذلك أن جهاز شئون البيئة قد حرر مئات المخالفات لشركات الأسمنت ولكن الشركات لم تهتم ولم تنفذ أو تغير أيا من وسائل إنتاجها وعجزت الحكومة عن وقف هذه المخالفات.

نشرت وزارة الدولة لشئون البيئة على موقعها الرسمى عدة دراسات تؤكد أن استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت من المتوقع أن يسبب تكلفة مجتمعية نتيجة لتلوث الهواء بالكربون تتراوح بين 3،9 و 5 مليارات دولار فى العام الأول، فمن سيتحمل تكاليف علاج المواطنين؟، بالطبع لن تتحمل الحكومة شيئا بل ستترك المصريين ينهش السرطان فى أجسادهم كما تركتهم حتى أصبحنا نحتل المركز الأول على مستوى العالم فى أمراض الكبد.

فى حالة استيراد الفحم فسيتم نقله إلى مصانع الأسمنت بسيارات النقل التى ستنشر الغبار المتطاير على كل ربوع وطرق مصر، بالإضافة إلى تهالك شبكة الطرق والاختناقات المرورية التى ستجعل الفحم ينشر أمراضه على الجميع.

•••

بالطبع فكل قرار هناك من يستفيد منه ومن يضار، والحكومة عندما تأخذ قرارا لصالح فئة فمعنى ذلك أنها تنحاز إليهم، وهذا القرار من الواضح أنه لصالح رجال الأعمال أصحاب احتكارات الأسمنت فى الأساس، فعلى الحكومة قبل أن تتخذ قرارا له كل هذه الخطورة أن تتعرف على إمكانية تطبيقه وأن تراعى البسطاء من مواطنيها الذين أهلكتهم الأمراض فلا تضيف لهم المزيد من الهموم والأمراض التى لن يستطيعوا علاجها.

وحتى لا نكون مجرد رافضين لهذا القرار فإننى أعرض اقتراحا لمواجهة مشكلة نقص الغاز الذى تستخدمه هذه المصانع ويتمثل فى النقاط التالية:

وقف تصدير الأسمنت حيث لا تستطيع الحكومة توفير الغاز الذى يتطلبه إنتاج كميات تكفى الاستهلاك المحلى والتصدير.

تحديد الكميات من الغاز التى تستطيع الحكومة توفيرها لمصانع الأسمنت، وتحديد الكميات التى يمكن إنتاجها من الأسمنت بهذا الحجم من الغاز.

إذا حاولت الشركات خفض إنتاجها للضغط على الحكومة من أجل الموافقة على استيراد الفحم، فعلى الحكومة أن تسمح باستيراد الأسمنت من الخارج، وهناك تجارب سابقة فى ذلك حيث كان ثمن الأسمنت المستورد أقل من المحلى وأكثر جودة.

•••

من المعروف أن الأسمنت من الصناعات الملوثة للبيئة فلا تزيدوا من تلوثها باستخدام الفحم، كما أن الدول المتقدمة اتبعت سياسة نقل هذه الصناعات للدول المتخلفة ثم تستورد هى المنتج النهائى دون أن تتعرض بيئتها ومواطنيها للتلوث، فيكفينا ما نتعرض له من تلوث، ولنستورد الكميات التى تغطى فجوة الاستهلاك بدلا من استيراد الفحم، فمن المؤكد أن الحكومة لن تستطيع فرض الشروط البيئية المطلوبة ولن تستطيع علاج مواطنيها مما سيصيبهم من أمراض فهى لا تقدر على علاج أمراض اٌقل خطورة، فإذا كانت الحكومة تراجعت عن قرار هدم مبنى الحزب الوطنى وشكلت لجنة للدراسة ألا يستحق الشعب البائس أن تعيد الحكومة النظر فى قرارها مراعاة لصالح مواطنيها.

صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات