أى مسار بعد الأبرتهايد؟ - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 3:31 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أى مسار بعد الأبرتهايد؟

نشر فى : السبت 11 فبراير 2023 - 9:20 م | آخر تحديث : السبت 11 فبراير 2023 - 9:20 م

نشرت مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى مقالا للكاتبة زها حسن، تحدثت فيه عن تحركات الرئيس الفلسطينى محمود عباس غير المألوفة لتحديد موقف الحركة الوطنية تجاه نظام الأبرتهايد. تناولت الكاتبة ما أفضت إليه هذه التحركات، وكيف أنها تشكل تحولا كبيرا على صعيد النضال الفلسطينى... نعرض من المقال ما يلى:

أُدرجت بنود عدة على جدول أعمال وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى أثناء زيارته الأخيرة إلى إسرائيل والأراضى الفلسطينية المحتلة التى دامت يومَين: إيران، وروسيا، ومصير الديمقراطية الإسرائيلية. وفيما كان يهمّ بالمغادرة، أُضيف بندٌ آخر إلى القائمة على وقع تصاعد وتائر العنف فى الضفة الغربية، وتخلّلها شنّ الجيش الإسرائيلى هجومًا عسكريًا على مخيم جنين للاجئين أسفر عن مقتل عشرة فلسطينيين، فيما أطلق مسلّح فلسطينى النار على سبعة إسرائيليين فى القدس.
على خلاف الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين التى ما زالت حتى الآن أحداثًا متفرّقة ونادرة، يواصل العنف الذى تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين مساره التصاعدى منذ ربيع العام 2022 فى ظل حكومة نفتالى بينيت ويائير لابيد، إذ لا يكاد يمرّ يوم من دون أن تشهد البلدات الفلسطينية ومخيمات اللاجئين عمليات اقتحام إسرائيلية. وعلى الرغم من أن بلينكن دعا رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى خفض حدة التصعيد، لم يصدر أى مؤشر قبل جولته فى المنطقة أو بعدها على أن إدارة بايدن قد تفكّر فى تعليق مساعداتها الأمنية إلى إسرائيل حين تُستخدَم لتنفيذ هجمات ضد الفلسطينيين ــ وفقًا لما تنصّ عليه القوانين الأميركية ــ أو أنها قد تنزع غطاءها الدبلوماسى عن إسرائيل فى المحافل الدولية. إذًا، لا تزال واشنطن توفّر دعمًا غير مشروط لإسرائيل.
لكن هل ينبغى إبقاء هذا الدعم غير المشروط حين يواجه الفلسطينيات والفلسطينيون فى منطقتَين فى الضفة الغربية خطر التعرّض للطرد الجماعى ــ بعد أن صنّفت إسرائيل إحدى القرى الفلسطينية منطقة إطلاق نار وخطّطت لبناء مستوطنة يهودية فى منطقة أخرى، ما سيشقّ الضفة الغربية إلى نصفين وينهى التواصل الجغرافى اللازم لإقامة دولة فلسطينية؟ أو حين تواصل إسرائيل إفلاتها من المحاسبة عن قتلها مدنيين فلسطينيين، ومن ضمنهم نساء وأطفال، واستهدافها صحافية أمريكية ترتدى سترة وخوذة واقية مطبوع عليهما باللون الأبيض كلمة صحافة (Press)؟
• • •
يتساءل الفلسطينيون إذًا عن مدى التزام إدارة بايدن بقيم حقوق الإنسان فى القضايا المتعلقة بهم. ليس كافيًا أن تدعو الإدارة نتنياهو إلى خفض حدة التصعيد، ولا سيما حين يعتمد على شركائه فى الائتلاف كى يبقى خارج السجن. يُشار إلى أن هؤلاء الشركاء يتبنّون مفهوم التفوّق اليهودى ويعتزمون إنهاء سيطرة المسلمين على مجمّع المسجد الأقصى، ويريدون إطلاق يد القوات المسلحة الإسرائيلية أكثر فى قمع من تعتبرهم «إرهابيين». لكن إلغاء احتمال استخدام الضغط الأمريكى لإحباط أسوأ النزعات التصعيدية للحكومة اليمينية المتطرفة فى إسرائيل يؤكّد على أن وتائر العنف ستزداد وأن الشعب الفلسطينى سيتكبّدون الخسائر الأكبر باعتبارهم الشعب الخاضع للاحتلال.
فى غضون ذلك، يعوّل نتنياهو على غياب الانخراط الأميركى الفعّال فى المنطقة وعلى رفض إدارة بايدن إعادة تحديد أولوياتها فيها. فلم يوشك بلينكن على مغادرة المجال الجوى الإسرائيلى حتى صرّح نتنياهو لشبكة سى إن إن فى أول مقابلة أمريكية له بأنه لا يعتزم استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين لأن خططه لا تشمل إقامة دولة لهم. وقال إن فكرته حول «السلام العملى» تنطوى على السماح للفلسطينيين بإدارة شئونهم المدنية داخل أراضٍ خاضعة للسيادة الإسرائيلية الفعلية، من دون إمكانية منحهم أى حقوق سياسية. بعبارة أخرى، طرح نتنياهو بالفم الملآن التعريف القانونى لنظام الأبرتهايد (أو الفصل العنصرى) على أنه «السلام العملى» للفلسطينيين.
وما كان من المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إلا أن غيّر مسار الحديث عندما طُلب منه الردّ على هذه التصريحات، فأشار بدلًا من ذلك إلى إعلان بلينكن عن إرسال مساعدات إنسانية إضافية إلى الفلسطينيين بقيمة 50 مليون دولار، وإلى بحث الإدارة عن «طرق مبتكرة» لتعزيز قدرتهم على الحصول على تكنولوجيا الجيل الرابع فى الأراضى المحتلة، إضافةً إلى زيادة إمدادات الطاقة المتجددة. أتت هذه التصريحات وسط غياب أى إدراك ذاتى بأن إسرائيل هى التى تمنع الفلسطينيين من الحصول على تكنولوجيا الجيل الثالث والجيل الرابع والجيل الخامس، وتعمد بصورة منهجية إلى تدمير البنى التحتية للطاقة المتجددة التى يموّلها الاتحاد الأوروبى فى الضفة الغربية، وتُغلق الباب فى وجه دخول المواد اللازمة لتوسيع شبكة الطاقة الشمسية فى قطاع غزة.
• • •
لا بدّ إذًا من التساؤل حول مصير الشعب الفلسطينى فى ظل استبعاد حل الدولتين وغياب أى خطط إسرائيلية لمنحهم الجنسية والمساواة فى الحقوق فى إسرائيل. ربما بدأ الرئيس الفلسطينى محمود عباس ومن حوله يصدّقون أخيرًا كلام نتنياهو وحكومته الائتلافية. فبعد مرور أسابيع على الانتخابات الإسرائيلية، عقدت مجموعة من مسئولى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية سلسلة من الاجتماعات، بمشاركة ممثلين عن حركة «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها»، ومجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية التى تُعنى بالتنسيق بين الكثير من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية العاملة فى الأراضى المحتلة. وأفضت هذه الاجتماعات إلى انعقاد «المؤتمر الوطنى الفلسطيني« الأول لمناقشة موقف الحركة الوطنية الفلسطينية من الأبرتهايد. وكان القرار الذى توصّل إليه الأفرقاء تاريخيًا، إذ قلّل من أهمية حل الدولتين فى إطار نضال الشعب الفلسطينى التحرّرى، وتبنّى فهمًا أشمل لطبيعة التحديات التى تواجه الفلسطينيين والفلسطينيات.
ويؤكد القرار على حقّ «الشعب الأصلانى العربى الفلسطينى» فى تقرير مصيره على «كامل ترابه الوطنى»، ما يُعدّ خروجًا عن المألوف بالنسبة إلى مسئولى السلطة الفلسطينية الذين اعتادوا تضمين ملاحظاتهم إشارات إلى «دولة فلسطين على أساس حدود ما قبل 4 حزيران/يونيو 1967 والخط الأخضر، وعاصمتها القدس الشرقية»، وهى جملة شائعة فى مسألة حل الدولتين. ويدعو القرار أيضًا إلى منح الفلسطينيين المساواة ضمن «مناطق 1948» داخل إسرائيل. وبحسب القرار، يستوجب التوصّل إلى حلّ عادل ودائم تطبيق حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، ومحاسبتها على انتهاكات حقوق الإنسان التى ارتكبتها أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويُعدّ القرار، الموجّه إلى «الحكومات والبرلمانات والأحزاب فى الوطن العربى وحول العالم» والمنظمات الإقليمية والاتحاد الأفريقى، نقيض منتدى النقب المدعوم من الولايات المتحدة (والاتفاقات الإبراهيمية المرتبطة به)، الذى يدعو إلى دمج إسرائيل فى المنطقة كوسيلة لتحقيق السلام الفلسطينى الإسرائيلى.
• • •
ما لا تأخذه الولايات المتحدة فى الحسبان راهنًا هو احتمال أن يشكّل ذلك تحوُّلًا كبيرًا فى التوجُّه على صعيد النضال الفلسطينى. من المعروف عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أنها تتبنّى مبادرات جديدة، على غرار مساعى الحصول على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة فى 2011 ــ 2012، وسرعان ما تتخلّى عنها عند استئناف المفاوضات. لكن الوضع هذه المرة قد يكون مختلفًا، إذ إن الولايات المتحدة لا تريد أن تؤدى دور وسيط السلام، ولا خيار أمام الشعب الفلسطينى سوى مقاومة «السلام العملى» الذى خطّطت له إسرائيل، بطرق سلمية أو عنيفة ــ وهذا مرجَّحٌ الآن على نحو متزايد ــ وبدعم دولى.

التعليقات