نشر موقع درج مقالا للكاتب إيهاب زيدان تناول فيه معاناة الفلاحين فى أسيوط من التلوث الذى يسببه مصنع السماد هناك، إلى جانب محاولاتهم الاعتماد على السماد العضوى كنوع من الضغط الاقتصادى على المصنع، ويشير الكاتب أيضا إلى التحديات التى تواجه الفلاحين فى استخدام السماد العضوى.. نعرض منه ما يلى.
«المصنع أصبح كاللعنة التى حلت على المنطقة، أُصبنا بخسائر كبيرة فى كل شيء، أعانى من تليف رئوى وأغنامى مصابة بالنحافة الشديدة وتعانى من تساقط الصوف وحتى العلاج لا جدوى منه. توقفنا عن تربية المواشى منذ فترة بعيدة بسبب المصنع وانبعاثاته». هكذا تحدث المواطن محمود جعفر شاكيا لنا الوضع السيئ الذى آلت إليه أحوال البيئة المحيطة بمصنع سماد منقباد فى محافظة أسيوط.
يضيف جعفر، وهو مزارع مقيم فى قرية جزيرة الأكراد المجاورة للمصنع، أن الأهالى يعيشون كارثة صحية، يتسبب فيها تطاير الغازات السامة لحمض الكبريتيك منذ عشرات السنين، قضت على الأخضر واليابس، وأفقدت المزارعين مصادر دخلهم، موضحا أنهم كانوا يعتمدون على الزراعة ويقتاتون منها، بخاصّة بساتين الفاكهة. لكن المصنع قضى على هذه البساتين التى كانت تمثل مصدر دخلهم الوحيد، وكذلك على إنتاج أكثر من 7 آلاف نخلة كانت موجودة فى الجزيرة.
أضرار بيئية كبيرة للسماد الكيماوي
الدكتور حسام محرم مستشار وزير البيئة سابقا، أكد خطورة انبعاثات المصنع على البيئة المحيطة، فصناعة الأسمدة الفوسفاتية منتجة لحمض الفسفوريك الذى يسبب تلفا للمحاصيل، ويُشبع الهواء بأكاسيد الكبريت والكربون والجبس الفسفورى وحامض الفوسفوريك والآمونيا ونترات الأمونيوم، علاوة على ترسب المخلفات السائلة والصلبة، مثل الفوسفور والفلورايد والسيليكات والزرنيخ والأمونيا والكادميوم والرصاص، وجميعها عناصر لها تبعات صحية خطيرة على جميع الكائنات الحية التى تعيش فى محيط المصنع.
يحذر الدكتور خالد غانم، أستاذ الزراعة العضوية، رئيس قسم البيئة والزراعة الحيوية بجامعة الأزهر، من السماد الكيماوى، موضحا أن استخدامه يقتل الكائنات الحية الدقيقة النافعة، التى تُيسر العناصر التى يحتاجها النبات، «بالتالى قتل الحياة فى التربة ما يستوجب استعمال كميات أكبر من الأسمدة سنويا، وهذا الأمر يرهق المزارع ماديا، فضلا عن تبعاته الصحية على المستهلك، إذ يسبب أمراضا خطيرة للإنسان. إضافة إلى آثاره البيئية الخطيرة، إذ يزيد انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، سواء عند إنتاجها أو استخدامها، ما يفاقم أزمة احترار العالم وتغير المناخ وتأثيراتها السلبية على الإنسان والحيوان والنبات والبيئة».
15 ألف مواطن يشاركون جعفر معاناته، فهم يعيشون حول المصنع المنتج للسماد الفوسفاتى والمُحبب، والمُقام منذ عام 1971 على مساحة 65 فدانا بين جزيرتى الأكراد والطوابية، وتجاوره عزبتى الجندى والسلام، قبل أن يُعلقوا آمالهم فى الخلاص من هذا الكابوس عبر حلول أبرزها استخدام السماد العضوى، الذى صار البعض يراه وكأنه «حل سحرى» ينقذهم من معاناتهم التى امتدت عشرات السنوات.
السماد العضوى طوق النجاة
المخاطر سالفة الذكر دفعت أهالى القرية إلى مطالبة الجهات التنفيذية وإدارة المصنع بنقله إلى خارج الكتلة السكنية، ووقف انبعاثات المصنع الضارة، وخاضوا «ماراثون» طويلا فى سبيل تحقيق ذلك من دون جدوى، وخلال الاجتماعات المتتالية التى عقدها أهالى القرية للتفكير فى حلول المشكلة. اقترح أحدهم حلا رأى فيه نجاة قريته والقرى المحيطة بالمصنع من خطره الكبير، وبدأوا فى مناقشته والتشاور حوله.
يقول محمود صفوت، أحد أهالى جزيرة الأكراد، إنهم لجأوا إلى استخدام السماد العضوى فى زراعة محاصيلهم بدلا من السماد الكيماوى كنوع من الضغط الاقتصادى على المصنع لدفعه إلى تلبية مطالبهم بالانتقال خارج الكتلة السكنية أو التوقف نهائيا عن تصنيع السماد الكيماوى واللجوء إلى تصنيع السماد العضوى غير الضار، إضافة إلى أن السماد العضوى يزيد إنتاجية المحاصيل الزراعية التى تراجعت منذ عشرات السنوات بسبب رواسب مصنع السماد وانبعاثاته، علاوة على أنه يساعد على علاج التأثير السلبى والضرر الواقع على التربة بسبب العناصر الكيماوية الصادرة عن المصنع التى تترسب على الأراضى الزراعية ومصادر المياه.
يضيف «محمود» أنهم تباحثوا فى الأمر، ولانعدام خبرتهم فى إنتاج أنواع سماد عضوى مُعدلة لجأوا إلى استخدام أحد الأنواع البدائية للسماد العضوى وهو مخلفات الماشية. ولجأوا بعدها إلى توعية أهالى القرية بالأمر وأبعاده وفوائده الكبيرة على الصحة والأرض الزراعية والبيئة والمحاصيل الزراعية، وتأثيره الحرج فى مصنع السماد، وهو ما لاقى استجابة واسعة.
نتائج مبشرة
أشاد بعض أهالى القرية بنتائج استخدام السماد العضوى المبشرة بالنسبة إليهم، مؤكدين أن تكلفته المادية أقل مقارنة بالكيماوى وإنتاجيته الأعلى تزيد هامش ربحهم فى نهاية كل موسم زراعى، علاوة على تأثيره الإيجابى فى التربة الزراعية على المدى البعيد. للسماد العضوى فوائد صحية غير مباشرة، فعلاوة على كونه يساعد على تقليص الضرر الواقع على الأرض الزراعية بسبب ترسب انبعاثات المصنع عليها، فهو لا يُرسب الكيماويات داخل الخضراوات والحبوب والمحاصيل الزراعية، وبالتالى فهى آمنة وصحية تماما لمن يتناولها، عكس السماد الكيماوى الذى يتسبب أحيانا فى إصابة الإنسان بأمراض خطيرة بسبب المتبقيات الكيماوية.
أشاد المزارعون بفوائد السماد العضوى وإنتاجيته العالية وتكلفته المنخفضة وانعدام أضراره على عكس السماد الكيماوى، لكنهم أيضا يضطرون إلى استخدام السماد العضوى إلى جوار الكيماوى بسبب عدم توافر السماد العضوى بكثرة ونقصه فى السوق المصرية.
استخدام خاطئ
وعن السماد العضوى الذى يستخدمه مزارعو القرية، يقول الدكتور عاطف عبدالعزيز، مدير المعمل المركزى للزراعة العضوية، التابع لوزارة الزراعة، إن استخدام السماد العضوى غير المتحلل بشكله الأولى له أضرار على الأرض الزراعية، فهو يحتوى على بذور حشائش ومسببات أمراض نباتية إضافة إلى بيض حشرات، وجميعها تنتقل إلى التربة فتصبح موبوءة بالحشائش التى تنافس النباتات على الغذاء والمياه، وفى حال عدم مكافحتها ينخفض المحصول بدرجة كبيرة.
وأضاف عبدالعزيز أن مكافحة هذه الحشائش تتطلب عمالة يدوية كثيرة تزيد التكلفة على المزارعين، علاوة على ضرورة استخدام مبيدات حشائش وهى مرتفعة الثمن، ولها أضرار صحية كثيرة على المستهلك، وتأثيرها سلبى فى المواشى والحيوانات، وتكمن مشكلتها الأكبر أن تأثيرها يمتد إلى مواسم زراعية أخرى فتسبب ضعفا للنباتات والمحاصيل. كما يؤكد أن وصول المسببات المرضية من بكتيريا وفطريات ضارة يؤثر فى التربة الزراعية، ويستوجب استخدام المبيدات التى تقتل الكائنات النافعة بالتربة ما يحد من خصوبتها، والحال نفسه ينطبق على الحشرات التى تنتقل إلى التربة عبر السماد العضوى الأولى.
الطريقة المثلى لصناعة سماد عضوى مفيد للتربة
يوضح الدكتور خالد غانم، أستاذ الزراعة العضوية، رئيس قسم البيئة والزراعة الحيوية بجامعة الأزهر، الطريقة المثلى لاستخدام السماد العضوى، وتتمثل فى تحويله إلى كمبوست (سماد عضوى متخمر هوائيا) على أرض الفلاح، وهى طريقة بسيطة تستخدم فيها المخلفات الحيوانية مع المخلفات النباتية الناتجة من الحقل بعد تقطيعها وخلطها ورشها بالماء، ثم إضافة بعض المركبات الحيوية رخيصة الثمن، مثل مركب EM الذى تبيعه وزارة الزراعة ولا يزيد سعر الليتر على 10 جنيهات (0.65 دولار)، ثم تُترك مخلفات المعالجة 3 أشهر فى مكان مظلم مع التقليب والرش بالمياه أسبوعيا صيفا وكل أسبوعين شتاءً.
يوضح غانم أن «الكمبوست» آمن جدا على التربة، فخلال الأسبوعين الأولين من تصنيعه ترتفع حرارته إلى 60 درجة مئوية، وهى كافية لقتل بذور الحشائش والمسببات المرضية وبيض الحشرات، كما أنه يمد التربة بملايين الميكروبات النافعة التى تُيسر العناصر الغذائية التى يحتاجها النبات.
ثمار الحل تبدأ النضوج
الحل الذى طبقه الأهالى بدأت ثماره فى النضوج، فالشركة بدأت تعديل خطط إنتاج المصنع وتحويله لإنتاج نوع آخر وهو السماد المحبب، ونقلت خط إنتاج من مصنعها فى العين السخنة إلى مصنع أسيوط، وفقا لموقع الشركة.
وأفصحت الشركة المالية والصناعية المصرية ــ مالكة المصنع ــ للبورصة المصرية، أن أرباح الشركة تحولت إلى خسائر خلال العام الماضى، مدفوعة بتراجع المبيعات، فقد تراجعت أرباح الشركة بنسبة 50% خلال 2020، وتراجعت الأرباح بنسبة 71% فى النصف الأول من العام المنقضى 2020، وتراجعت بنسبة 78% خلال الربع الأول من العام (قبل ظهور فيروس كوورنا فى مصر)، علاوة أن أحد أبرز المساهمين بالشركة خفض نسبة ملكيته بها وباع 186.6 ألف سهم.
تحديات استخدام السماد العضوى
أستاذ الزراعة العضوية يؤكد أنه لا يمكن الاستغناء تماما عن السماد الكيماوى حاليا، فالانقطاع عن استخدامه فجأة يسبب نقصا كبيرا للمحصول، وبالتالى أزمات فى الأمن الغذائى، ويمكن استخدام العضوى والكيماوى معا، موضحا أنه يتم استخدام السماد العضوى فقط فى «الزراعة العضوية» وهى تتطلب العمل بطريقة خاصة، ومواصفات لا تصلح مع الزراعات التقليدية. يؤكد عبدالعزيز أن الزراعة العضوية تنقذ التربة من التدهور وتزيد من خصوبتها، مؤكدا أن استهلاك أمريكا والاتحاد الأوروبى من المنتجات العضوية يبلغ 82 فى المائة، وعلينا أن نسلك هذا الاتجاه مستقبلا.
النص الأصلى هنا