النيابة ترد الاعتبار للأحزاب القديمة - فريدة النقاش - بوابة الشروق
السبت 28 سبتمبر 2024 12:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النيابة ترد الاعتبار للأحزاب القديمة

نشر فى : السبت 14 يناير 2012 - 10:10 ص | آخر تحديث : السبت 14 يناير 2012 - 10:10 ص

على عكس الكثيرين من الذين قرأوا مرافعة النيابة العامة فى قضية قتل المتظاهرين أثناء ثورة 25 يناير والمتهم فيها الرئيس المخلوع «حسنى مبارك» وعدد من وزرائه ومعاونيه قراءة فنية متوقفين أمام ما سموه ضعف الأدلة، وجدت أن القراءة السياسية التاريخية لها تضعنا أمام وثيقة نادرة من وثائق حياتنا المعاصرة أتوقع أن تتوارثها الأجيال وأن يعتز بها شباب الثورة على نحو خاص، وتتوقف أمامها الأحزاب الديمقراطية والنقابات ومنظمات المجتمع المدنى والحركات الاجتماعية التى عارضت نظام مبارك فى فترات مختلفة وعارضة بعضها دائمًا وبلا هوادة، بل إنها وثيقة ترد الاعتبار لهذه الأحزاب والمنظمات التى تعرضت ولا تزال لحملات ظالمة واتهمت بأنها لم تسهم فى الثورة التى اندلعت بعيدًا عنها.

 

الوثيقة التى فى حين ترد الاعتبار لدور هذه القوى كافة دون تفرقة إذ استخدمت خطابها وأدبياتها، تقدم أيضا ردًا شافيًا بل أقول تعليميًا على كل التحليلات والرؤى الجزئية التى قدمها كتاب ومفكرون مشبعون بالفلسفة الوضعية، هذه الفلسفة التى شاعت وتجذرت فى ظل هيمنة الرأسمالية وجناحها الطفيلى بشكل خاص على البلاد.

 

ويرد الوضعيون علم الاجتماع إلى وصف الأحداث الفردية دون البحث عن الروابط بينها، ومن ثم هم يرون الوضع الثورى الذى حدث فى مصر كأنه انبثاق مفاجئ ذاتى الحركة قادم من لا مكان مفسحين الطريق للتفسيرات الغيبية.

 

حقًا لقد فاجأتنا ثورة 25 يناير ولكنها بالقطع لم تأت من لا مكان، بل ان لها تاريخًا طويلا ومركبًا فى كل من الزمان والمكان، فى كل أشكال النضال التى تراكمت عبر الثلاثين عامًا على امتداد الوطن.

 

ولطالما أسست الرؤية الوضعية الشائعة مواقفها السياسية على فكرة الوفاق، أو فى لغة الرأسمالية المعاصرة السلام الاجتماعى، الذى يتجاوز الانقسام بين ملاك الثروة وبين الكادحين من أجل العيش، وهى تبحث أيضا عن أرض مشتركة بين الرجعيين والثوريين لأن الحياة الاجتماعية فى زعمهم تنزع بطبيعتها إلى توازن القوى وتآلف المصالح الطبقية، وعلى هذه الأرضية تعلن الوضعية أن الثورة الاجتماعية أمر ضار وفوضى، أو «قلة أدب» كما قالت إحدى الكاتبات فى صحيفة حزبية تصف الثورة.

 

وعلى هذه الأرضية نفسها يرى هذا التيار القوى السائد فى حياتنا أن الثورة إنتهت بخلع «مبارك» وبعض أعوانه وبإجراء الانتخابات، وعلى الثوار أن يعودوا إلى بيوتهم، وعلى الاحتجاجات الاجتماعية أن تتوقف لأنها تعطلنا.

 

ولكن مرافعة النيابة تعيدنا إلى الرؤية الأشمل لا فحسب لواقعة الثورة ذاتها التى لم تستكمل مسيرتها بعد، وإنما أيضا للأسباب المتكاملة والمترابطة التى أدت إلى انفجارها إثر هذا الازدياد الهائل فى النشاط الاقتصادى، والسياسى للمنتجين والكادحين الذين تخلصوا فى السنوات الخمس الأخيرة من حكم مبارك من اللامبالاة والسلبية والركود وهى سمات تلازم فترات التطور الهادئ، وحين احتموا ببعضهم البعض تخلصوا أيضًا من الخوف واندفعوا بكل معنى الكلمة إلى السياسة بعد نشوء الوضع الثورى من تراكمات لا تحصى، وكانت هذه التراكمات تعلى تدريجيًا من دور العامل الذاتى فى الثورة أى دور الجماهير وطلائعها، وتجلت بشكل باهر حقيقة وجود روابط بين الأجزاء وهو ما فاجأ أنصار الرؤية الوضعية، تماما كما فاجأ أوساط الحكم الفاسدة وأوساط الرجعية التى ظلت تراهن على بقاء الحال كما هو عليه حتى فاجأتها الثورة فكشرت هى عن أنيابها.

 

قال المستشار «مصطفى سليمان» المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة:

 

(أحسب أن الأيام من 25 يناير إلى 11 فبراير من عام 2011 هى من تلك الأيام النادرة الخالدة التى ستظل فى ذاكرة الشعب والعالم بأسره ولن تمح منه، لأن آثارها ونتائجها هى السبب فى مثولنا فى هذه الساحة المقدسة).

 

كانت هذه الكلمات المفعمة بالامتنان تعبر عن واقع فعلى وليست من قبل البلاغة الأدبية، كما قيل فى بعض الأوساط التى تنظر بشك إلى حركة الشعب وتطلعاته وآماله وآلامه.

 

«إنها القضية الأولى والأهم فى سجل تاريخ القضاء المصرى، بل فى سجل التاريخ المصرى والعربى والعالمى».

 

وتتجلى أهميتها فى أنها المرة الأولى فى تاريخ مصر والعرب التى يخضع فيها رأس الدولة الحاكم لسلطان العدالة للتحقيق معه، ومحاكمته تجسيدًا واقعيًا للعدل الذى يطبق على الحاكم والمحكوم لأنها المرة الأولى التى يحاكم فيها المصريون رئيسهم فى مشهد غير مسبوق لم يحدث وربما لن يتكرر».

 

وإذا كنا جميعًا فى زحام الجرى وراء تفاصيل المحاكمة وتلاحق الاحداث العامة قد فاتنا أن نتوقف أمام الحقيقة السابقة وهى أن المصريين يحاكمون رئيسهم فإن تفكيرنا المتأنى سوف يأخذنا إلى من سوف يحكموننا من الآن فصاعدًا وأتذكر هنا قول الزعيم «أحمد عرابى»: «لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا ولا عقارًا فوالله الذى لا إله إلا هو إننا لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم».

 

ذلك أن أى حاكم حتى لو جاء من بين هؤلاء الذين يدعون أن لديهم تفويضًا من الله سبحانه وتعالى لن يكون بوسعه أبدًا أن ينسى لا المشهد كله ولا الكلمات القوية الحاسمة للنيابة: فمبارك «رئيس لم يدرك أن الشعب المصرى ليس قطيعًا يسوقه، وأن مصر ليست عزبة ولا عقارًا يورث أو يمكن أن يباع».

 

ولن يستطيع حاكم مهما كانت قوة الطبقة الاجتماعية التى تسنده أن يعيد إنتاج السياســـــــــــــــــــات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لنظام الفساد والاستبداد بعد أن قالت النيابة إن سياسات «مبارك» «انتهكت حقوق المواطنين الفقراء فارتفعت الأسعار، ولم يشعر المواطن بجدوى هذه السياسات التى خدمت الأغنياء على حساب الفقراء والطبقات المتوسطة، فازداد الأغنياء ثراء والفقراء فقرًا، وظهرت الطبقات المعدمة التى تعيش تحت خط الفقر مما تسبب فى تصاعد المشاكل العمالية حيث غابت العدالة الاجتماعية، واتسعت الهوة وأصبحت سحيقة بين الطرفين».

 

«قضيتنا تأخذ بالبلاد بل والمنطقة بأكملها إلى آفاق جديدة يتحول فيها الحاكم من فرعون مستبد غاشم لمجرد إنسان ينطبق عليه ما ينطبق على بقية شعبه، وتتم محاكمته إذا أفسد أو أخطأ، والقضية ستفتح الباب لدخول مصر لنادى الدول المتقدمة التى ينهض قوام حياتها على حكم القانون وليس التدليس والغش والنفاق والرياء».

 

زاوجت النيابة بين قضية الحريات العامة وقضية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهما القضيتان اللتان شغلتا القوى الديمقراطية كافة من أحزاب ومنظمات مجتمع مدنى ونقابات وحركات اجتماعية فى السنوات الأخيرة من حكم «مبارك»  وقد راكمت هذه القوى أدبيات سياسية تستحق أن ندرسها الآن فى مقارنة مع مرافعة النيابة لتعرف هذه القوى السياسية ويعرف المحللون مدى ترابط الوقائع والظواهر ويعرفون أيضًا لماذا سوف تجد هذه القوى فى مرافعة النيابة رد اعتبار لنفسها أمام حملات التشكيك والإلغاء التى تعرضت وتتعرض لها لتواصل طريقها بثقة مهما كانت المصاعب التى تواجهها فى الزمن الجديد. 

فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الأهالى
التعليقات