لماذا يرفض دعاة الدولة الدينية مبدأ المواطنة؟ - كمال مغيث - بوابة الشروق
الثلاثاء 4 مارس 2025 6:40 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لماذا يرفض دعاة الدولة الدينية مبدأ المواطنة؟

نشر فى : السبت 14 مارس 2009 - 8:05 م | آخر تحديث : السبت 14 مارس 2009 - 8:07 م

 نقصد بدعاة الدولة الدينية، كل من يتخذون من الدين والأيديولوجية الدينية منطلقا لبرنامج سياسى وقانونى للدولة، وسوف نجد مثل هذا الوصف ينطبق على معظم قيادات الأزهر الشريف، وعلى جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الشعارات الأشهر: الإسلام هو الحل، الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف، وعلى كل الجماعات الجهادية، ذات التاريخ الدموى الشهير؛ وطبعا سنجد اختلافا كبيرا وواضحا فى تناول كل من تلك القوى لموضوع المواطنة.

فبينما لا يصرح كبار شيوخ الأزهر بشكل مباشر برفضهم مبدأ المواطنة، فإن جماعة الإخوان المسلمين تحاول محاولات عشوائية لإثبات تبنيها لمبدأ المواطنة كمبرر لوجودها السياسى الشرعى والدستورى، أما الجماعات الجهادية فهى ترى فى المواطنة وحتى فى القومية كفرا صريحا، وهكذا تتفق القوى الثلاث فى الانطلاق من أن الإخوة فى الدين، أعلى وأكرم عند الله من الإخوة فى الوطن.

وتتبنى برنامجا سياسيا دينيا ينطلق من أيديولوجية إسلامية تؤمن يقينا بأن الإسلام دين ودولة، وأن تطبيق الشريعة الإسلامية أمر إلهى وواجب يفرضه الدين على المسلمين جميعا، وأن التفريط فيه تفريط فى الدين نفسه وأن المسلمين أمة واحدة مهما تناءت بهم الأوطان وباعدت بينهم الانتماءات الأيديولوجية والثقافية وغيرها.

والملاحظ أن هناك محاولات، لا بد أن نحترمها، تسعى لوضع اجتهادات جادة للانعتاق من قضية أهل الذمة وما يرتبط بها من أحكام فقهية عفا عليها الزمان، ونجد تلك الاجتهادات فى بعض كتابات: محمد سليم العوا، وطارق البشرى، ومحمد عمارة وفهمى هويدى، ولكن الملاحظ أن تلك الاجتهادات مجرد اجتهادات سطحية ووقتية لم تجد طريقها إلى تأسيس فكر سياسى حقيقى ينطلق من المواطنة كمبدأ حديث لا يمكن بناء الدولة بدونه. وفى نفس الوقت تلك المحاولات غالبا ما تكون موجهة فى الأساس للرد على الخصوم أو لتجاوز الانتقادات الدولية.

وفى كل الحالات نجدها اجتهادات تبريرية تسعى للتوفيق بين متطلبات العصر وبين النصوص الفقهية، وليست محاولات مبدئية لإقرار الحق الكامل فى المواطنة لجميع من يعيشون فى هذا الوطن على اختلاف مذاهبهم وأديانهم. كما نلاحظ أيضا أنه بمجرد أن يوضع أصحاب تلك المحاولات فى محك حقيقى نتيجة تطور الأحداث الداخليه والخارجية، نجدهم يعودون سريعا للتنكر لما اجتهدوا فيه من قبل.

وتتوالى منذ سنوات بعيدة الكتابات والآراء الإسلامية التى تؤكد رفض دعاة الإسلام السياسى لمبدأ المواطنة فقد خاض الكاتب الشهيد فرج فودة ــ رحمه الله ــ معركة عنيفة فى مواجهة الشيخ صلاح أبوإسماعيل عندما أعلن أن المسلم الهندى أقرب إليه من المسيحى المصرى. وغنى عن الذكر الإشارة إلى ما قاله مرشد أسبق لجماعة الإخوان المسلمين ــ مصطفى مشهور ــ من أنه يرفض دخول الأقباط الجيش لأنه مشكوك فى ولائهم للوطن أصلا، متجاهلا أن الجندية فى مصر قد استقرت منذ نشأتها على أساس عدم التمييز بين المواطنين، وأن دماء الشهداء تختلف على أساس فصائلها وليس على أساس عقائدها، وأن رمال سيناء التى ارتوت من تلك الدماء لم تميز بين دماء الشهداء من المسلمين والأقباط.

وبالأمس خاض المصريون معركة مع تصريح المرشد الحالى للإخوان عندما أعلن أنه لا يمانع أن يتولى حكم مصر ماليزى مسلم، بالإضافة إلى ما أكد عليه البرنامج السياسى المقترح للإخوان المسلمين من رفضهم تولى المرأة والأقباط لمنصب رئاسة الدولة.

وقل مثل ذلك عن الكتابات الأخيرة لمحمد عمارة وطارق البشرى وفهمى هويدى وزغلول النجار. وإذا كانت هذه آراء بعض وجوه الاعتدال فما بالنا بأصحاب الرؤية الجهادية الذين يصولون ويجولون فى صحفهم الإلكترونية عبر الإنترنت؟

وسوف نشير هنا إلى أسباب رفض الإسلاميين من دعاة الدولة الدينية لمبدأ المواطنة.

تنوع الهويات الفاعلة: فللإنسان عشرات الهويات التى ينتمى إليها ويعيش بها، فهو إنسان ــ ثم رجل أو امرأة ــ ثم عربى أو مصرى ثم صعيدى أو بحيرى ثم فلاح أو حرفى أو سكان الريف أو المدن أو المتعلمون أو غير المتعلمين ثم الأغنياء أو الفقراء ثم الشيوخ وكبار السن أو الشباب، ثم من يهتمون بالسياسة أو المنصرفون عنها، ثم من الناصريين أو الوفديين أو من أنصار التجمع أو حزب الكرامة أو الغد، وهكذا ــ كما قلنا عشرات الهويات، المهم أن تلك الهويات جميعها ينتمى إليها الإنسان دون أن يشعر بصراع أو تناقض يقض مضجعه.

فأنا إنسان رجل مصرى فلاح متعلم أزهرى أب كهل من الطبقة الوسطى.. الخ. وأعيش حياتى وعملى ونشاطاتى السياسية والاجتماعية والإنسانية انطلاقا من كل تلك الهويات.. وفى كل هذا لا أشعر بصراع أو تناقض. ولكن عندما يطرح الإسلاميون تصورهم للدولة ولبرنامجهم السياسى، فإنهم ينطلقون من تقسيم الناس جميعا إلى مسلمين وغير مسلمين.

وحول محور التقسيم هذا تدور الأيديولوجية الإسلامية السياسية ــ ومن ثم لا يتصور أحد أن تضم جماعة الإخوان المسلمين مواطنين مصريين ينتمون للديانة المسيحية. كما لا يمكن تصور هذا فى جماعة إسلامية مهما كانت، وتأتى خطورة مبدأ المواطنة هنا من أن يؤكد ويفعل فكرة تنوع الهويات الفاعلة، ومن ثم يعصف بالواحدية الصارمة للهوية الدينية.

الموقف من المادة الثانية من الدستور والتى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر أساسى للتشريع. وفى الحقيقة من وجهة نظرى أن مبدأ المواطنة يقتضى التخلى عن تلك المادة، فما دام المواطنون سواء أمام القانون فلن يعود هناك مبرر لاتخاذ دين بعض المواطنين أساسا للتشريع دون بعضهم الآخر.
وسوف ينفتح المجال أمام مبادئ القانون المدنى ومواثيق حقوق الإنسان وغيرها من مواثيق ذات طبيعة مدنية عصرية.

إنه فى ظل المواطنة سوف تنتهى الهيمنة السياسية لفكرة الأغلبية الدينية فأغلب أطروحات الإسلاميين تؤكد على مفهوم الأغلبية الدينية باعتباره مبررا للقفز مباشرة إلى أنه هو نفسه الذى يحتم اعتبارهم أصحاب الأغلبية السياسية.

وفى الحقيقة هناك فرق بين الأغلبية السياسية والأغلبية الدينية، فالأغلبية الدينية تشير إلى كتلة كبيرة من أصحاب عقيدة من العقائد مختلفة الاتجاهات والرؤى والمصالح. ولا شك أن فكرة الأغلبية الدينية لم تعصم المسلمين من الاختلاف يوم وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيمن أحق بخلافته، المهاجرون أم الأنصار من أهل يثرب، أم أحد صحابته من قريش، أم على بن أبى طالب ــ رضى الله عنه ــ صهره وأقرب أهل بيته.

كما لم تعصم تلك الأغلبية صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أن يقتتلوا اقتتالا عنيفا فى معارك الجمل ــ التى قتل فيها عدد كبير من أعلام الصحابة وصفين والنهروان، وكربلاء، التى قتل فيها الحسين وغيره من الأسباط المكرمين، وموقعة الحرة ــ التى استباحت فيها جيوش الأمويون مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ــ والذين يقرأون التاريخ يعرفون معنى أن تستباح مدينة. كل هذه المعارك قبل أن ينقضى على وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) خمسون عاما.

ولم تعصم تلك الأغلبية المسلمين فى مصر من أن يختلفوا فى جماعات الإخوان، الجهاد، الجماعات الإسلامية، التوقف والتبين، التكفير والهجرة، طلائع الفتح، العائدون من أفغانستان، جيش التحرير الإسلامى...الخ

وفى الحقيقة فإن هناك فارقين أساسيين يميزان بين الأغلبية الدينية والأغلبية السياسية، أولهما هو أن الأغلبية السياسية تقر بفكرة الدخول والخروج بمعنى أننى أستطيع اليوم أن أنتمى إلى حزب التجمع الوطنى. وقد أختلف معه غدا أو بعد غد فأخرج منه إلى الحزب الناصرى أو إلى حزب الوفد. كل هذا بالطبع وفق مصالح سياسية من طبيعتها التغيير.

والفرق الثانى بين الأغلبية الدينية والسياسية هو أن الأغلبية السياسية تقبل بفكرة أن تتحول من أغلبية إلى أقلية. انظر مثلا اليوم إلى حزب الوفد الذى هيمن على الحياة السياسية قبل ثورة يوليو 1952وقد كان صاحب الأغلبية المطلقة دائما.

وانظر أيضا إلى القوى الناصرية والقومية التى هيمنت على الحياة فى مصر لما يزيد على عشرين عاما بعد ثورة يوليو. فهل يضع الإسلاميون فى اعتبارهم هذين العنصرين أم أن أغلبيتهم ستظل مطلقة ودائمة ومقدسة فى نفس الوقت؟

كمال مغيث  باحث بالمركز القومي للبحوث التربوية
التعليقات