تلقيت من المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، رسالة طويلة تتعلق بإحالة 60 قاضيا للصلاحية، فى القضية المعروفة إعلاميا بـ«قضاة بيان رابعة»، والذى قضى مجلس الصلاحية فى 17 مارس الماضى بإحالتهم للمعاش، على خلفية اتهامهم بممارسة العمل السياسى، والانحياز لفصيل سياسى «الإخوان» ضد الدولة، وهى التهمة التى نفتها الرسالة جملة وتفصيلا، مؤكدة على حق القضاة الدستورى فى إبداء آرائهم السياسية فى غير أوقات جلسات المحاكم.
أهم ما جاء فى الرسالة هو تأكيدها على أن الإجراءات التى اتخذت تجاه هؤلاء القضاة لم تكن قانونية، حيث تقول الرسالة إنه بمجرد إلقاء القضاة «بيان رابعة» الذى طالبوا فيه باحترام إرادة الناخبين باختيار محمد مرسى رئيسا للجمهورية، وذلك ضمن مطالب أخرى تتضمن مطالبتهم بتوافق وطنى قبيل فض اعتصام رابعة، فإن مجلس إدارة نادى القضاة قام بشطب عضوية هؤلاء القضاة، بدون أى سند من القانون أو لائحة النادى.
وتقول الرسالة أيضا إن طلب وزير العدل آنذاك من محكمة استئناف القاهرة ندب قاض للتحقيق فى شكوى المستشار أحمد الزند ضد هؤلاء القضاة، يعتبر مخالفا لصريح نص المادة 65 من قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديلها والتى جعلت الاختصاص بندب قاض للتحقيق، من حق الجمعية العامة للقضاة دون غيرها، كما أن القاضى المعين من استئناف القاهرة لم يرد خلال الميعاد المنصوص عليه قانونا فى المادة 82 من قانون الإجراءات الجنائية، على دفع بعض القضاة بانعدام قرار ندبه، لصدوره من غير صفة. كما تزعم الرسالة أيضا أن قاضى التحقيق لم يواجه القضاة بأدلة وقرائن الاتهامات التى وجهتها التحقيقات إليهم، ولا بتحريات الأمن الوطنى ولا بالتدوينات التى كتبوها على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى، وذلك حتى يبدى كل قاض ما يعن له من ملاحظات بشأن صلته بها وتعقيبه عليها أو نفيه لها.
وتقول الرسالة أيضا إن 48 قاضيا من الـ60 صدر قرار بإحالتهم للصلاحية مخالفا للمادة 111 فقرة 1 من القرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، الذى يلزم وزير العدل أو رئيس المحكمة التى يعمل بها القاضى، بفقده أسباب الصلاحية لولاية القضاء، وهو ما لم يحدث وبالتالى فإن احالة هؤلاء القضاة للصلاحية صدر بقرار منعدم لا يرتب أثرا. وتضيف الرسالة أن مجلس الصلاحية رفض طالب القضاة بعقد الجلسات علنية بالمخالفة للنص الدستورى، كما رفض أيضا طلبهم بمناقشة البلاغ المقدم ضدهم، ولا بطعنهم بالتزوير على تحريات ضابطى الأمن الوطنى..!
قد يرى البعض أن الوزير السابق أحمد سليمان إخوانيا أصيلا، وقد لا يكون إخوانيا «بس بيحترمهم»، وقد يرى آخرون أن الرجل يحمل ودا للرئيس المعزول محمد مرسى لاختياره وزيرا فى حكومته، ولكن ما ذكره الوزير فى رسالته يستوجب الرد من الحكومة ونادى القضاة على ما ذكره فى رسالته من انتهاك القواعد والإجراءات القانونية فى إحالة «قضاة رابعة» للصلاحية.
ما لم تسرده الرسالة أن بعض ــ وربما كل ــ قضاة «تيار الاستقلال» أو «قضاة من أجل مصر» قد شاركوا فى العمل السياسى فى الشارع قبيل ثورة يناير 2011 باشتراكهم فى فاعليات سياسية ضد حسنى مبارك، وكان لبعضهم دور سياسى ما فى الأحداث التى تلت الثورة وكلنا نذكر المسيرات التى شارك فيها المستشار زكريا عبدالعزيز والمستشار الخضيرى وغيرهما فى إطارالحراك الشعبى الجامح الذى سبق الإطاحة بمبارك، وهو ما قد يستوجب التحقيق معهم أمام مجلس الصلاحية، لكن هذه الخطوة ينبغى أن تتم فى إطار الاحترام الكامل والحرفى للقانون، وإلا فإن القرار المتخذ ضد هؤلاء القضاة لن يكون خاليا من شبهة التسييس أيضا!