‎فى التحليل النفسى للشخصية المصرية! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأربعاء 19 فبراير 2025 12:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

‎فى التحليل النفسى للشخصية المصرية!

نشر فى : السبت 15 فبراير 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : السبت 15 فبراير 2025 - 6:25 م

 (1)
‎تعرفت على اسم الطبيب النفسى المعروف الدكتور محمد المهدى، الأستاذ بجامعة الأزهر، عقب 25 يناير 2011، حينما قدم تحليلات مستفيضة لأحداث تلك الفترة جمعها فى كتابه «عبقرية الثورة المصرية»، الصادر عن دار الشروق آنذاك.
‎وخلال الفترة من 2012 حتى 2024 تتالت كتب الدكتور محمد المهدى، لتعالج وتحلل عديد الظواهر فى حياتنا اليومية من منظور نفسى معاصر، يوصِّف الظاهرة ويوظف مفاهيم الطب النفسى والتحليل النفسى والممارسة العملية فى فهم هذه الظواهر وتحليلها أولًا، ثم تفكيكها وإعادة بنائها ثانيًا، ثم تقديم توصيات أو ما يشبه مقترحات عملية للتعامل مع هذه الظواهر إن كان فيها ثمة ما يصيب المجتمع بأذى أو ضرر مباشر أو غير مباشر.
‎وقد قدم فى هذه الدائرة عددًا من الكتب التى تصدت لمعالجة وتحليل موضوعات من قبيل «كورونا والصمود فى وجه الجائحة» التى كانت تشى بمخاطر نفسية عديدة أو النظر إلى ظاهرة محمد صلاح «صانع البهجة والقيمة»، اللاعب الموهوب الذى افتتن به المصريون، وما زالوا.. إلخ.
‎فى هذا الإطار يأتى الكتاب الصادر أخيرًا عن دار الرواق للنشر والتوزيع، بعنوان «الشخصية المصرية - تحليل نفسى واجتماعى للمزايا والعيوب»، وهو موضوع مهم وحاضر بقوة فى مناقشات المثقفين، وحتى خارج دوائر المثقفين فى المجال العام والتداول اليومى المعيش، خاصة فى السنوات العشر الأخيرة.
(2)
‎وأنا أطالع كتاب الدكتور المهدى تذكرت ما قاله نجيب محفوظ ذات يوم فى حوار أجراه معه الناقد الراحل غالى شكرى، وسأله آنذاك: ما رؤيتك للشخصية المصرية؟
‎فجاءت إجابة الأستاذ نجيب كالتالى: عرف الشعب المصرى، على مدى تاريخه صنوفًا من القهر والاضطهاد (خاصة فى ظل الغزاة المستعمرين)، فتكونت لديه «شخصية» لها معالمها المميزة كالصبر الذى استمده من الحياة الزراعية، والصمود الذى يتغلب على الفناء. و«المصرى»، فيما يرى الأستاذ نجيب، لا يعتدى على الآخرين بل هو مفعم باللطف والإنسانية وحسن المعاشرة. لكنه من جهة أخرى لأسباب تاريخية يتخذ من السخرية سلاحًا بدلًا من الصراخ. ويرى الأستاذ نجيب وهو يعرض لبعض مثالب هذه الشخصية أو سلبياتها أن أى نقائص فى «الشخصية المصرية» قد يلحظها البعض - كالقدرية وندرة الروح العلمية وغياب السببية- فى كثيرٍ من الأحيان، إنما ترجع إلى ما ورثته من عهود الظلام التى شملتها آلاف السنين. والأمل معقود على حاضرنا ومستقبلنا أن تتحول هذه النقائص إلى نقائضها».
‎تذكرت هذا التحليل الدقيق، خصوصًا فيما يتصل بمثالب أو عيوب الشخصية المصرية، وأنا أطالع كتاب «الشخصية المصرية ـ تحليل نفسى واجتماعى للمزايا والعيوب» للدكتور محمد المهدى، والذى يقع فى 336 صفحة من القطع المتوسط (أو ربما الأصغر منه قليلًا).
(3)
‎يسعى الكتاب، فيما يوضح مؤلفه، إلى دراسة هذه الشخصية بقدر من الحيادية، مستندًا فى ذلك إلى المنهجية العلمية، وإلى دراسات نظرية وتطبيقية عديدة عن هذه الشخصية التى تتسم بالثراء إلى درجة الزحام فى سماتها وجوانبها ومستوياتها، وتتسم بالتناقضات الكثيرة مما يربك كل مَن يحاول فهمها أو تحليلها أو تصنيفها.
‎كما تتسم أحيانًا بالغموض والمراوغة، وتتسم فى أحيان أخرى بالتدين، ثم قد تغلب عليها سمات الفهلوة، وقد تتبدى منها عبقريات فذة، وإبداعات علمية أو فنية أو أدبية جبارة، وقد تقابلها عشوائية وفوضى هائلة، قد تنتج فنونًا تبهر العالم فى مراحلها الحضارية المبكرة، ومع ذلك قد تتعايش مع القبح والفوضى والعشوائية فى حياتها العصرية، قد تسجل تاريخها وتفاصيل حياتها بشكل دقيق ومبهر على جدران المعابد، ومع ذلك تتسم بثقافة سماعية شفاهية غير منضبطة فى الوقت الراهن.
‎ويصوغ مؤلف الكتاب الغرض منه، ومن تأليفه، صياغة استفهامية مباشرة:
‎وما فائدة دراسة هذه الشخصية خاصةً لغير المصريين الذين لا تهمهم كثيرًا إيجابيات أو سلبيات هذه الشخصية، بل قد لا تهمهم مصر نفسها، وأنها بالنسبة إليهم قطر صغير محدود المساحة والموارد، ومثقل بكثافة سكانية عالية تعيش على شريط زراعى ضيق على حواف نهر النيل، وتعانى مشكلات اقتصادية ضخمة، ويتراجع تأثيرها المحلى والدولى مع الوقت؟!
(4)
‎الإجابة هنا تفصل مشروعية طرح السؤال، ومشروعية البحث عن إجابات محتملة ومقبولة له!
‎الواقع أن مصر، فيما يقول المؤلف، وعلى الرغم من أنها دولة صغيرة المساحة وقليلة الموارد الاقتصادية، فإنها دولة عظمى ثقافيًّا وحضاريًّا ودينيًّا، فهى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، وساهمت بقوة فى تأسيس وصنع الحضارة الإنسانية عبر الحقبة الفرعونية والحقبة القبطية والحقبة الإسلامية، وبها مؤسسات علمية وثقافية عريقة ومؤثرة فى محيطها المحلى وفى المحيط الدولى، وبها إنتاج فنى وثقافى وعلمى وصل فى بعض جوانبه إلى العالمية، وحصدت من خلاله ثلاث جوائز نوبل.
‎ومصر هى نقطة التقاء العالم القديم بالعالم الجديد، وتتوسط العالم بموقع جغرافى عبقرى، وهى نقطة التقاء وتفاعل الثقافة العربية والشرقية من جانب والثقافة الغربية من جانب آخر.
‎(وللحديث بقية)