أسلوب مختلف للإنعاش الاقتصادى - إبراهيم العيسوى - بوابة الشروق
السبت 28 ديسمبر 2024 5:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسلوب مختلف للإنعاش الاقتصادى

نشر فى : الأربعاء 18 مايو 2011 - 10:13 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 مايو 2011 - 10:13 ص
لدىّ فكرة أريد أن أقدمها للمساعدة فى تسريع دوران عجلة الإنتاج ودفعها فى الاتجاه الصحيح ــ دون اللجوء للاقتراض ودون استجداء أو استعطاف أى طرف محلى أو أجنبى. والفكرة لا تستهدف مجرد ضخ أموال لتنشيط الاقتصاد الريعى التابع الذى ورثناه من النظام السابق. وإنما تستهدف حشد موارد وضخها فى قنوات بعينها، بما يساعد فى بدء تحويل الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد إنتاجى معتمد على الذات. كما تستهدف الفكرة تقديم نموذج جديد للمشروعات الإنتاجية، وللعلاقة بين الكبير والصغير والمتوسط من المشروعات. وتتلخص الفكرة فى مبادرة حكومية وشعبية تتمثل فى اختيار عدد (10 مثلا) من المشروعات الإنتاجية الكبرى، وطرحها كشركات مساهمة للاكتتاب العام من جانب الحكومة والبنوك وصناديق الاستثمار والهيئات العامة والشركات فى قطاع الأعمال العام والخاص ومن جانب الأفراد، على أن تؤازرها مجموعة إجراءات لتوفير التمويل اللازم لهذه المشروعات من الخزينة العامة ومن المؤسسات العامة والخاصة والأفراد.

●●●

والسؤال الأول فى هذا الشأن هو: كيف تختار هذه المشروعات؟ ثمة مصدر كثيرا ما سمعنا أن لديه قوائم جاهزة بمشروعات مدروسة يقوم بعرضها على الراغبين فى الاستثمار فى مصر. وهذا المصدر هو الهيئة العامة للاستثمار. فيمكن أن تقوم مجموعة من الخبراء بالنظر فى هذه القوائم، واختيار عشرة من المشروعات الإنتاجية الكبيرة الواردة فيها. وحتى إذا لم توجد مشروعات من هذا النوع على قوائم الهيئة، فليس من العسير على الخبراء فى مختلف القطاعات اقتراح مثل هذه المشروعات. ومن أجل أن تكون هذه المشروعات بمثابة أقطاب جاذبة للنمو الاقتصادى والعمرانى فى المناطق التى ستتوطن فيها، ومن أجل إتاحة فرصة لنشوء مشروعات صغيرة ومتوسطة، وإقامة نمط من العلاقات السوية بين المشروعات الكبيرة من جهة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة من جهة أخرى، ينبغى تصميم أو إعادة تصميم هذه المشروعات الكبيرة على النحو الذى يساعد فى أن يتحلق حول كل مشروع كبير منها عدد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التى تزود المشروع الكبير ببعض ما يحتاجه من مدخلات بمواصفات محددة سلفا أو تتلقى بعض منتجاته وتجرى عليها بعض عمليات التصنيع التكميلى، فضلا على القيام بعمليات التعبئة والتغليف والنقل والتوزيع وما إلى ذلك من أنشطة.
وبذلك يشكل كل مشروع كبير وما يدور فى فلكه من مشروعات صغيرة ومتوسطة مركبا صناعيا ينعش المنطقة، التى يوجد فيها بما يتضمنه من أنشطة وبما يخلقه من فرص للعمل، وبما يشكله من قوة جذب لمشروعات أخرى مستقبلا. ومن المهم بالطبع دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لكل مركب دراسة دقيقة. كما أنه من المهم أيضا أن تتوزع هذه المشروعات على عدد من أقاليم الجمهورية حتى يعم النفع، وأن يكون للأقاليم المحرومة نسبيا كالصعيد وسيناء والوادى الجديد نصيب وافر منها.

●●●

ويمكن أن تشمل هذه المشروعات مشروعات فى مجالات وقعت فى أسر الاحتكار بعد خصخصتها كالحديد والأسمنت والأسمدة والأدوية. كما يمكن أن تضم مشروعات لاستصلاح الأراضى والتصنيع الزراعى ولتصنيع المخلفات الزراعية والصلبة. وإضافة إلى هذه المشروعات، يمكن إضافة مشروع أو أكثر لإصلاح وتجديد بعض شركات القطاع التى طال إهمالها، لاسيما شركات الغزل والنسيج، وفى كل الأحوال، ينبغى إشراك سكان الأهالى فى المناطق، التى يزمع إنشاء هذه المشروعات فيها فى القرارات المتعلقة بها، واستطلاع آرائهم فى مدى ملاءمة كل مشروع لاحتياجات السكان، وفى اختيار موقعه، وفى غير ذلك من الأمور التى أدى تجاهل مشاركة الناس فى تحديدها إلى مشكلات كثيرة (تذكر مشروع أجريوم فى دمياط).

●●●

والسؤال الثانى الذى تثيره الفكرة المطروحة هو: من أين سيأتى التمويل اللازم لشراء أسهم هذه المشروعات؟ والجواب فى تقديرى يكمن فى اتخاذ عدد من الإجراءات من جانب الحكومة، لاسيما أنها سيكون لها دور كبير فى صياغة المبادرة كما ستكون أول المساهمين فى رأس مال الشركات التى ستتولى هذه المشروعات، وذلك على سبيل بث الثقة والأمان وتشجيع الأطراف الأخرى على المساهمة. أولها تدبير تمويل حكومى من خلال الاستفادة من الوفر الذى تحقق تلقائيا فى بعض النفقات كمخصصات الإنفاق على مجلسى الشعب والشورى ــ والذى يمكن أن يزداد مع تأجيل انتخاباتهما إلى ما بعد إقرار الدستور الجديد واستتباب الأمن وإعطاء مهلة معقولة للقوى الثورية لتنظيم أحزابها ــ ومن خلال إعادة هيكلة النفقات العامة بتخفيض النفقات على البنود غير الضرورية أو التى يمكن تأجيلها، مثل تخفيض مخصصات الإعلانات والاستقبالات والمؤتمرات والدعاية والسفريات والوقود والسيارات الحكومية والسفريات وبدلات السفر، مع تقليص عدد البعثات الدبلوماسية فى الخارج وما إلى ذلك من إجراءات تقشفية.

●●●

وربما تتضمن إعادة هيكلة النفقات العامة إعادة ترتيب المشروعات العامة حسب نظام صارم للأولويات يضع كل ما يخدم النمو الصناعى والزراعى والارتقاء بالتعليم والصحة فى مراتب متقدمة، وذلك بما يتيح الفرصة لتأجيل أو إطالة فترة تنفيذ بعض المشروعات أو حتى إلغاء بعض المشروعات. وقد يكون من الوارد فى هذا الخصوص أن تضرب القوات المسلحة مثلا طيباً بالتنازل عن 10% مثلا من الاعتمادات السابق طلبها من جانبها فى الموازنة الجديدة، التى سيعتمدها المجلس العسكرى بنفسه، لاسيما وأنها تظفر بنصيب كبير من الإنفاق العام.

ويدخل ضمن إجراءات التقشف أيضا وقف رحلات العمرة والحج، عملا باقتراح قدمه الأستاذ فهمى هويدى فى أكثر من مقال بهذه الصحيفة استنادا إلى فتوى شرعية، وإن كان قد حصر اقتراحه فى تعليق العمرة والحج المتكرر. ولست أرى بأسا فى توسيع الاقتراح ليشمل إيقاف جميع الرحلات الخاصة ورحلات الجمعيات للعمرة والحج (المتكرر منه والجديد) وبعثات الحج الرسمية خلال السنتين المقبلتين أو لحين انفراج الأزمة. كما يجب تقليص السياحة الترفيهية للخارج إلى أقصى حد. وتعويضا لشركات السياحة العاملة فى هذا المجال، ينبغى اتخاذ عدد من الإجراءات والمبادرات لتشجيع السياحة الداخلية من جانب المدارس والجامعات والجمعيات والشركات والنوادى وما إليها، كما حدث عقب حادثة الهجوم الإرهابى على السائحين فى الأقصر. كما يدخل ضمن إجراءات التقشف حظر استيراد الياميش وما إليه من سلع يتضخم استهلاكها فى شهر رمضان خلال السنتين المقبلتين، وتشجيع الناس على اللجوء لبدائل محلية ــ وهو ما سينعش الطلب عليها ــ وكذلك حظر استيراد السلع الكمالية، ووضع قيود على تحويل الأموال إلى الخارج. ولست أرى صعوبة تذكر فى أن تدافع الحكومة عن هذه الإجراءات فى منظمة التجارة العالمية وفى صندوق النقد الدولى باعتبارها إجراءات استثنائية تقتضيها الظروف الحالية، وما ترتب عليها من تدهور فى وضع ميزان المدفوعات.

●●●

وإلى جانب هذه الموارد، يكمن توجيه تمويل إضافى للمشروعات المقترحة من حصيلة الغرامات والأموال المصادرة بأحكام قضائية بحق عناصر النظام السابق، ومن فروق أسعار الأراضى والمساكن، التى سبق الحصول عليها من الدولة بثمن بخس، ومن الزيادة فى الإيرادات التى ستنتج عن مراجعة عقود تصدير البترول والغاز. وإضافة إلى ما تقدم أقترح استصدار مرسوم يقضى بأن تخصص الهيئات العامة وبنوك القطاع العام والبنوك الخاصة وشركات القطاع العام والهيئات العامة وشركات المساهمة نسبة 5% من أرباحها فى آخر ميزانية سنوية لشراء أسهم الشركات، التى سيفتح باب الاكتتاب العام فيها.

ولا بد أن يترافق مع هذه الإجراءات الإقلاع عن ظاهرة تعدد الموازنات والحسابات والصناديق الخاصة (6338 حسابا وصندوقا فى 30/6/2010 تحتوى على فوائض قدرها 12 مليار جنيه). فهذه الظاهرة لا تتيح شفافية كافية بشأن الموارد والنفقات العامة، وتفتح أبوابا للفساد والإسراف فى النفقات. أى أنه يجب العمل وفق المبدأ المعروف فى المالية العامة بمبدأ وحدة الموازنة، حيث تشتمل الموازنة العامة للدولة على جميع إيرادات ونفقات الوزارات والمصالح والهيئات وغيرها من الوحدات التابعة للدولة. فبدون تفعيل هذا المبدأ، سيكون من الصعب الوصول بعملية إعادة هيكلة الإنفاق العام إلى مداها الممكن.

●●●

إن هذه الإجراءات سوف تساعد على تدبير التمويل المحلى اللازم لاكتتاب الحكومة والشركات والهيئات العامة وبعض الشركات الخاصة فى رأسمال الشركات المطروحة. كما أن ذلك الجانب من الإجراءات المتعلق بتقليص الإنفاق الخارجى سوف يحرر بعض موارد البلاد من النقد الأجنبى ويجعلها متاحة لتمويل استيراد ما يلزم للمشروعات المقترحة من الخارج. أما فيما يتعلق بالأفراد فى القطاع الخاص والقطاع العائلى، فإن توفير ما كان ينفقونه على العمرة والحج والسياحة الخارجية وعلى الكماليات المستوردة، سيتيح لهم من الأموال ما يمكن توجيهه للمساهمة فى المشروعات المعنية. وهنا يلزم تضافر جهود أجهزة الإعلام والثقافة والأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية وجهود رجال الفكر والدين ومن إليهم من أجل القيام بحملة شعبية لتبصير الناس بحقيقة هذه المشروعات وأهميتها للاقتصاد القومى وللمناطق التى ستقام فيها، وبيان أن دورهم لن يقتصر على المساهمة المالية فى هذه المشروعات، وإنما سيمتد إلى المشاركة الفاعلة فى إدارتها ومراقبة أدائها. وبالطبع لا بد من أن يرافق كل ما ذكرته من إجراءات السير بخطى حثيثة على طريق إعادة بناء الجهاز الأمنى ونشر الأمن فى ربوع البلاد.
إبراهيم العيسوى  استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومى
التعليقات