فى رثاء الهزائم - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 4 يوليه 2024 1:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى رثاء الهزائم

نشر فى : الأربعاء 19 يونيو 2024 - 7:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 يونيو 2024 - 7:05 م

هل كان فرانسيس فوكوياما مصيبا فى «نهاية التاريخ»؟ هل الآتى كابوس وهل انهيار الغرب قريب؟ أهى السلطة آيلة إلى زوال أم إلى تأليه؟ هل نهاية الإنسان بشارة متشائمة؟ هل الفوضى عقيدة الرأسمال؟

أسئلة بلا أجوبة. العالم دخل النفق البلا نهاية. الحرية لم تعد شعارا. صارت عبئا. القضاء عليها يتولاه الأقوى. الأقوياء ليسوا أصحاب رسالات بل دفاتر شيكات وأحجيات البورصة.

الذين وعدوا شعوبهم بالديموقراطية، فليعتذروا. لا تقبل آلهة الرأسماليات الأخطبوطية أى مزاح. الليبرالية اسم على غير مسمى. البشرية تنوء بأثقال مزمنة. لا راحة لشعب، أيا كان، لأن العدالة كذبة. الحق دائما مع الأقوياء.

هل انتهت الأيديولوجيات؟ الجواب طبعا. تاريخ الأفكار والمعتقدات انتهى. الطوباوية آفة. البعض يعترف بأن الأخلاق سلعة غير قابلة للبيع. البعض يعتبر أن المال ورث الله وطرده من نص الحياة. الأديان، بعدما خاضت الدماء، تحولت إلى ثكنات وخنادق ومصارف وتجارة وكل ما هبّ ودبّ من الممنوعات.

التفاؤل ضئيل جدا. اليأس سارى المفعول. الخلاص متعذر. الاستقامة رهان هزيل. كل الطرقات مفتوحة، لكل ما هو بضاعة غير إنسانية. غريبٌ. الغرب رفع لواء الحرية والديموقراطية والإنسانية. غريبٌ أكثر. الغرب علمنا معنى العلمانية، وفصل الدين عن الدولة. دسّ فى نضالنا أيديولوجيات راقية: القومية، الاشتراكية، الشيوعية، الحرية، المحاسبة، الإنسانية، حقوق الانسان، العدالة الدولية، العدالة الاجتماعية إلخ..

الكُتّاب والمفكرون والفلاسفة مسئولون عن الحبر الذى سكبوه فى أقلامهم. ففيما كانوا يلهجون بالحرية والإنسانية والديموقراطية والتنمية، كانت حكوماتهم وبرلماناتهم، تتبنى علنا سياسات استعمارية. الحرية فرنسية فقط فى فرنسا. الحرية جريمة يُعاقب عليها المستعمر فى الجزائر. نفاق شاهق.

كذابون. محتالون. سماسرة. مجرمون. قتلة. وفيما هم يُشهرون العدالة والحرية الإنسانية، كانوا يلوّثون الصين بالأفيون. يصادرون اقتصاد الهند. يطاردون مثقفيهم وشعراءهم وجموعهم الزاحفة من أجل لقمة أو خوفا من موت بسبب الجوع.

الغرب الديموقراطى «جدا» يكون خارج حدوده متوحشا؛ يدوس الأخلاق والشرائع والحقوق. الأيديولوجيا الغربية الحقيقية، هى أيديولوجيا التوحش لا غير. ماذا فعلت فرنسا عندما دخلت لبنان وقاومها الشعب فى الجنوب؟ اقتادوهم كشيعة معترضين إلى الكنائس ومارسوا ضدهم الإهانات والتعذيب.

تسألون من أين جاءت الطائفية؟ من الغرب «يا هو يا ناس يا عالم».


بريطانيا العظمى، مسئولة عن إفقار وإذلال ثلاثة أرباع الكرة الأرضية. سلبوا. عذبوا. قتلوا. شرعنوا التراتبية. نعم، الناس ليسوا سواسية. هناك فارق كبير بين إنسان مسيحى وغربى من جهة، وإنسان من سلالة الهمج من جهة أخرى. المهاتما غاندى تعرض لإهانات والكثير من الإساءات.

من أطلق عبارة «الانحطاط العربى»؟ ليس نحن. كُتّابنا ومفكّرونا، منذ القرن التاسع عشر بدأوا عملية بناء حضارية. ممنوع. التنوير العقلانى غير مرغوب فيه. الطاعة كنز لا يفنى. الاستبداد عنوانه إذلال الشعب. «نحن همج».


كان الغرب قد شهد فلسفة التنوير. عرف ديكارت، هيجل، كانط، روسو، نيتشه وقافلة كبيرة من الفلاسفة والمفكرين. لكنه منعهم عنّا. صدّر إلينا العلمانية، بعد طرد الكنيسة من السياسة. رفعنا الشعار ومُنِعنا من بلوغه. الغرب يريدنا أحرارا، بشرط اقتصار حدود حريتنا عند الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق. هذه الحرية وحدها تكون بلا حدود، و«الإنسان الاقتصادى» هو الإنسان الذى يستحق الاهتمام.

الإنسان الآخر، الحر، التقدمى، الواعى، المنتمى إلخ… هو ضحية الحرية الاقتصادية والاجتياح الرأسمالى، بتقنيات حديثة، قضت على الحرفية فى العالم الثالث.

ثم رُفعت راية الحداثة. رُفعت راية الحرية. رُسِمت لنا طرق التقدم. ادّعت أنسنة الوجود. علّمتنا غصبا عنا، ماذا تعنى الديموقراطية المقيدة. حرّضتنا على البرلمانية. أقنعتنا بالتمثيلية السياسية، ونشطت جدا فى مكافأتنا بتبنى الطوائف والعائلات المالكة عربيا.

كذب. دجل. ادعاء. خبث. كل دول الغرب انفتحت على عرب موغل بالتخلف. وإرث لأرومات وممالك طغيانية. الخليج منبع لا ينضب. لا سياسة تدعو إلى الحرية والعدالة. السياسة الوحيدة، هى سياسة ربط مساحات الخليج، بشهية الغرب.

من أقوى؟ الدين أم النفط؟ ولو!!!
الجواب: النفط أولا، والله أخيرا. الغرب مطمئن جدا خليجيا.

نتذكر كيف حضرت وزيرة الخارجية الفرنسية لدعم زين العابدين بن على فى تونس. الغرب، لا يُؤمن بالجماهير العربية. يخاف منها. يتدخل لشنّ حرب على نظام. ليبيا ضحية القذافى؟ لم لا. تدمير ليبيا، عمل غربى إجرامى.سوريا، دُمّرت وما تزال تُدمّر. لم يكن ما حصل حربا على النظام، بل كانت حربا لتوزيع الساحات على الحكومات المطيعة للغرب. أمّا العراق… أمّا السودان… أمّا اليمن… أما..لبنان له نكهة سياسية خاصة. وصل إلى النهاية، كما هو مرسوم له ومعمول به. والغريب، أنه انتهى كدولة، ولكن زعاماته تتصرف وكأنها فى سويسرا. قيل عن لبنان إنه سويسرا الشرق!

إن السائد راهنا، هو الصمت والعنف. السياسة ممنوعة. وحده الإملاء سيد القرارات. إنه لأمر مخجل وقذر جدا، أن لا نَشبه رواد النهضة العربية فى أواخر القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين.
روح التمرد انطفأت. العنف دين الدولة العربية. الكتمان كنز لا يفنى. حماية الشرخ السنى/الشيعى، من كل محاولة تقارب. التكاذب ممكن ولكن بصعوبة. وإلا كيف نفسر الصمت السنى راهنا؟ الجواب معروف إلى آخره.من الممنوعات راهنا، ممنوع التعامل مع الناس على أنهم إنسانيون.. الإنسان ممنوع. الخادم مطيع. المهندس مطيع. التوحش الرأسمالى دين مصان من كل المذاهب والديانات. نحن نعيش بطريقة مهينة. لا نعيش كالآخرين. الخوف أكسجين البقاء فى الوظائف، والتعامل … من المحيط إلى الخليج. هذه ليست حياة. هذا عيش فقط. الأحلام ممنوعة أو مكتومة.

إنها مرحلة الانحطاط. السياسات وباء. الجغرافيا مساحة ريعية. تخريب الإنسان قد حصل. لم يعد الإنسان العربى يبحث عن إنسانيته. تقلّصت. الكبت فضيلة. الإفصاح مخاطرة.. «الأمة العربية سجن كبير».ما الصفة التى تطلق على الإنسان العربى؟ إنه زمن المذلولين.

أختم هذا الفصل الكئيب بما قاله الكواكبى: «المستبد إنسان. والإنسان أكثر ما يألف الغنم والكلاب. المستبد يود أن تكون رعيته كالغنم ذُلاً وطاعةً، وكالكلاب تذللاً وتملقاً».كلما قرأت الكواكبى، رأيت فيه نبذة نبوة سياسية معاصرة. ضوءٌ واحدٌ يُرجع حاضرنا. الدم الفلسطينى هو الذى يكتب نصا جديدا ويتنبأ بعصر جديد. دمنا ضوؤنا.. فلتخرس الكلمات.

نصرى الصايغ

موقع على الطريق

النص الأصلي:

 

التعليقات