محددات العلاقة بين اليمين الأوروبى المتطرف ودولة الاحتلال - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 6 يوليه 2024 8:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محددات العلاقة بين اليمين الأوروبى المتطرف ودولة الاحتلال

نشر فى : الأربعاء 3 يوليه 2024 - 8:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 3 يوليه 2024 - 8:40 م

مع استمرار حرب الإبادة ضد شعبنا فى غزة، وفشل المجتمع الدولى فى وقفها، عمدا أو ضعفا، وتكثيف مخططات الاحتلال فى الضفة الغربية، ومؤخرا زيادة حدة الإجراءات التى يتبناها وزير المالية الإسرائيلى سموتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية، ومن خلفه نتنياهو، بل وكل أركان الحكومة والمعارضة الصهيونية التى تهدد وتتوعد شعبنا، وتهدد بتوسيع حربهم شرقا وشمالا، وذلك فى أزماتها وتنافسها على مدى إلحاق الأذى بشعبنا وشعوب المنطقة، فى محاولة منهم للهروب إلى الأمام، دون أن يفكر أحد منهم بأن احتلالهم هو مصدر أزماتهم، وأن استقرارهم مرتبط بحرية وكرامة شعبنا الفلسطينى.

أمام ذلك، تبرز تساؤلات حول الدوافع الأيديولوجية والسياسية إضافة إلى جوهر الفكر الصهيونى، التى تقف وراء هذه السياسات التى تجد حضنًا دافئًا من جانب قوى اليمين المتطرف حول العالم والتى باتت اليوم ذات تأثيرٍ، وفى تزايدٍ ملحوظٍ، خاصة فى أوروبا بعد تصاعد قوة اليمين المتطرف والشعبوى فى معظم دول القارة العجوز التى أرهقتها تبعيتها للسياسات الأمريكية، وحروب الوكالة التى تنفذها هناك، وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعوب الأوروبية.
• • •
ولذلك فإنه يمكن إحالة تلك الدوافع الإضافية إلى التوافق والتماهى الحاصل اليوم بين الطرفين حول فهمهم ورؤيتهم المشتركة فى ضوء نظريتى صراع الحضارات والاستبدال، التى باتت تميز سياسات سموترتش والكل الصهيونى، الجارى تنفيذها على الأرض بحق شعبنا الفلسطينى، ومستقبل حل الدولتين المفترض، وحق تقرير المصير من جهة، وإلى ذات النظريات التى تؤثر اليوم على حاضر فكر اليمين المتطرف الأوروبى من جهة أخرى، على الرغم من ماضى اليمين المتطرف والشعبوى المعادى للسامية، (إن كان ذلك مجرد ماضٍ وفق الروايات التاريخية، رغم عدم سامية يهود أوروبا، وتوافق اليمين المتطرف المتمثل بالنازيين مع الحركة الصهيونية على جزء من المحارق لتسهيل الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين، مقابل المال اليهودى فى ثلاثينيات القرن الماضى)؛ حيث ينشط اليوم هذا اليمين الأوروبى المتطرف فى مكافحة «معاداة السامية». ففى الوقت الذى كان فيه الاحتلال الإسرائيلى يذبح ويدمر ويحرق ويعذب فى غزة، خرج زعماء جميع أحزاب اليمين السياسى المتطرف والمعتدل على السواء فى فرنسا التى فازت بانتخابات المرحلة الأولى البرلمانية بتقدم كبير، وغيرها أيضا من الدول الأوروبية إلى «ساحة المعركة» وبالشوارع للمطالبة ليس بإنهاء المجازر والاحتلال، بل للمطالبة بنهاية «معاداة السامية»، ولتأكيد حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، دون أى انتقاد لجرائم دولة الاحتلال ضد شعبنا.
لقد ساد جو هستيرى غريب فى تلك الدول الأوروبية ضد أى شخص ينتقد الجرائم الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص بحق جان لوك ميلينشون زعيم اليسار الفرنسى الموحد، وكل أحزاب اليسار الأوروبى التى كانت قد صاعدت مظاهراتها غير المسبوقة بالتضامن مع شعبنا الفلسطينى، وتنديدا بجرائم الاحتلال. لقد تم اتهامهم بمعاداة السامية، كما حصل سابقًا مع زعيم حزب العمال البريطانى.
إن دعم اليمين الأوروبى المتطرف هذا لإسرائيل قد سمح بتبييض جرائمها وسياساتها، فى فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والنمسا، وهنغاريا، وغيرها كما فى بريطانيا أيضًا، وبالمقابل يتم تبييض دور اليمين الأوروبى المتطرف بفعل دعمه «لإسرائيل الضحية».
إن رؤية وإجراءات سموتريتش التى أعلنها قبل أيام تمثل الوجه الحقيقى للصهيونية بكل مكوناتها فى الضفة الغربية، وهو المعروف بتوجهاته اليمينية الدينية المتطرفة التى تحظى بدعم وإشراف أبو اليمين المتطرف نتنياهو.
وهو يتبنى سياسات تهدف إلى تعزيز السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية من خلال فرض السيطرة الكاملة على مناطق (ب)، أسوة بمناطق (ج) التى حددها وفصّلها اتفاق أوسلو، وتقويض الوجود الفلسطينى فيها من خلال إجراءات متعددة تم الإعلان عنها والتى أقرتها حكومة الاحتلال، وبما يخدم فكرة «دولة يهودا»، والتى تعتمد أيضا على الإيمان بنفس المصادر الفكرية لليمين الأوروبى المتطرف والمتمثلة فى:
أولًا، نظرية صراع الحضارات، التى طورها صموئيل هنتنجتون، والتى تفترض أن الصراعات المستقبلية ستدور بين الثقافات والحضارات المختلفة، بدلًا من الدول القومية. وفى السياق الفلسطينى، تتبنى معظم الأوساط الصهيونية وأحزابها الإسرائيلية هذه النظرية لتبرير سياساتهم الاستعمارية، حيث يصورون الصراع مع شعبنا الفلسطينى كجزء من صراع أوسع بين الحضارة الغربية (التى يعتبرون إسرائيل جزءًا منها) والحضارة الإسلامية الذى يُعتبر المسيحيون العرب جزءًا منها بالمشرق العربى، إلى جانب تفسيراتهم الدينية التوراتية التلمودية حول «دولة يهودا والسامرة»، وكذلك الدوافع السياسية والاقتصادية للفكر الصهيونى فى خدمة مشاريع الخطط الأمريكية لمنطقتنا والمنطقة الأوسع والمتضمنة فى مشروعهم حول الشرق الأوسط الجديد، وربط آسيا بأوروبا من خلال الخطوط التجارية والبحرية الجديدة وقضايا الطاقة والغاز، فى محاولات لإعاقة المتغيرات فى النظام الدولى لمواجهة الصين وروسيا، ودول منظمة البريكس بشكل عام. وهى ذاتها تعبر عن توجهات اليمين الأوروبى الذى يرى فى إسرائيل خط الدفاع عن أوروبا من زحف حضارة الشرق إليهم.
ومن الجانب الآخر، فإن تلك النظريات هى ما توجه رؤية اليمين المتطرف الأوروبى فى شأن معاداة الإثنيات الأخرى فى المجتمعات الأوروبية، بما فى ذلك النظرة المعادية للإسلام «الإسلاموفوبيا»، ومعادة قضايا الهجرة إلى أوروبا.
ثانيا، نظرية الاستبدال التى تروج لفكرة أن هناك محاولة منظمة لاستبدال «السكان الأصليين» بمجتمعات أخرى، وغالبًا ما تكون مهاجرة، وهو ما يعتقد به اليمين الأوروبى المتطرف لمواجهة ظاهرة الهجرة إلى أوروبا للبحث عن حياة أفضل من مناطق النزاع بالعالم. فى السياق الإسرائيلى، تُستخدم هذه النظرية لتصوير الفلسطينيين كتهديد ديموغرافى يجب التصدى له من خلال أشكال عنصرية قمعية ومن ضمنها مشاريع التهجير القسرى، وزيادات منسوب الهجرة اليهودية الاستيطانية إلى فلسطين للوصول إلى واقع ديموغرافى ينهى الأغلبية الفلسطينية فى أرض فلسطين الانتدابية، ويحقق لهم التفوق أو حتى الوجود اليهودى الخالص حتى لا يبقوا تحت تهمة الأبرتهايد.
لذلك فإن المخاطر على شعبنا الفلسطينى اليوم تزداد بفعل ذلك التوافق والتماهى الحاصل بين الجهتين، بعد تكرار فوز قوى اليمين المتطرف فى أوروبا ويبدو «الحبل على الجرار»، ما سيؤدى ربما فى وقت قصير إلى معاداة أى توجه يتم خلاله انتقاد سياسات دولة الاحتلال حتى يصلوا بشعوبهم مرة أخرى إلى القناعة بأن يهود إسرائيل هم الضحية وأن شعبنا الفلسطينى هو مُرتكب الجرائم البشع.
• • •
وهذا قد يؤثر فى حال استمرار نجاح اليمين المتطرف فى باقى الدول الأوروبية على مبدأ حل الدولتين رغم أن اليمين المعتدل الأوروبى هو من جعله شعارًا دون اقترانه بآلية تنفيذية، وبالتالى غير قابل للتحقيق بفعل المتغيرات الحاصلة على الأرض دون إجراءات عقابية تقاعس عنها الاتحاد الأوروبى بالتوافق مع الولايات المتحدة لإمكانية إلزام دولة الاحتلال على الأقل بالقانون الدولى والقرارات الأممية وتحديدًا منها فى شأن القدس والاستيطان، وما يجرى الآن من تقاعس إضافى فى شأن وقف عدوان الإبادة فى غزة الذى يستهدف كل شعبنا، بل وفى تورط البعض به، الأمر الذى فى حال استمراره سيؤدى إلى زيادة التوترات السياسية والعسكرية بالمنطقة، وتراجع الثقة بالعمل الدولى والذى لا تحترمه إسرائيل بضربها قرارته بل وقرارات المحكمة الدولية بعرض الحائط. وهذا سيشكل حتى وقت قريب طالما استمر هذا الحال مخاطر على حق تقرير المصير لشعبنا وتآكل الدعم الدولى فى غياب أى فرص لعملية تفاوضية بإصرار الاحتلال على استهداف كل مكونات شعبنا وإضعاف القيادة الفلسطينية من خلال محاصرتها، وحرص الاحتلال على إعاقة الوحدة الوطنية الواسعة فى إطار منظمة التحرير.
وفى حال فوز الأكثر يمينية وشعبوية ترامب فإن سياسات سموتريتش وكل حكومة نتنياهو المعلنة فى الضفة الغربية التى تتقاطع مع نظريتى صراع الحضارات والاستبدال لتشكيل واقع معقد يهدد مستقبل الشعب الفلسطينى، ويؤخر حقوقه التاريخية حيث ستعتمد هذه السياسات على تعزيز السيطرة الإسرائيلية وتقويض الوجود الفلسطينى من خلال إجراءات قمعية تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية والجغرافية للمنطقة، والتى ستحظى بدعم أكبر من اليمين المتطرف العالمى، حتى يصل الإسرائيليون بحكم أزماتهم للفهم أن استمرار احتلالهم هو مصدرها.
وفى النهاية، تحتاج هذه التطورات والسياسات إلى مراجعة فلسطينية شاملة، وتدخل دولى لضمان حقوق الفلسطينيين، وتحقيق سلام عادل ومستدام فى المنطقة. إن تَبنى مقاربات أكثر إنسانية وعدالة من قبل المجتمع الدولى يمكن أن يسهم فى تخفيف حدة الصراع وتعزيز فرص السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط على أساس من الحرية والعدالة.
مروان إميل طوباسى
جريدة القدس الفلسطينية

التعليقات